لماذا تلعن الملائكة الزوجة إذا امتنعت عن فراش زوجها؟

اكتشف الحكمة الشرعية وراء لعن الملائكة للزوجة الممتنعة عن فراش زوجها، وهل يشمل الحكم الزوج إذا قصر بحق زوجته؟ توضيح شامل لحقوق الزوجين في الإسلام، وأقوال العلماء، والحكمة من التشديد على المرأة، مع بيان التوازن الشرعي بين الطرفين.

لماذا تلعن الملائكة الزوجة إذا امتنعت عن فراش زوجها؟
لماذا تلعن الملائكة الزوجة إذا امتنعت عن فراش زوجها؟
  • مقدمة

    مفهوم لعن الملائكة للزوجة إذا امتنعت عن فراش زوجها من أكثر المسائل التي أثارت نقاشًا وجدلاً بين الناس، خاصة في ظل سؤالٍ متكرر: لماذا تلعن الملائكة المرأة إذا غضب زوجها، ولا يُذكر مثل ذلك في حق الرجل إذا أهمل أو قصر في حق زوجته؟
    هذه المقالة تسعى لتوضيح الحكمة الشرعية، والرد على الإشكالات المثارة، وبيان المنظور الشامل للعلاقة الزوجية في ضوء القرآن والسنة، مع الإشارة إلى التفسيرات الاجتماعية والنفسية

  • الأساس الشرعي للمسألة

    ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

    «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح».

    وهذا النص أصل المسألة، وهو ما اعتمد عليه العلماء في بيان حكم امتناع المرأة عن زوجها. ومع ذلك، لا بد من فهمه في إطاره الشرعي والإنساني، لا باعتباره مجرد أداة للضغط أو التسلط.

  • الحكمة من التشديد على المرأة في هذا الباب

    1- اختلاف طبيعة الرجل والمرأة في الغريزة

    • أجمع الفقهاء والأطباء النفسيون أن الرجل أقل صبرًا على ترك الجماع من المرأة، ولذلك جاءت النصوص بتشديد الخطاب على الزوجة، حماية للأسرة من الانحراف، وصيانة للزوج من الوقوع في الفاحشة.
    • بينما المرأة غالبًا أقدر على ضبط نفسها في هذا الباب.

    2- حفظ حق الطرفين

    • القرآن الكريم قرر قاعدة عامة:
      {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، مما يعني أن العلاقة الزوجية قائمة على التوازن والتكافؤ.
    • فإذا شدد النص على المرأة في قضية الفراش، فهذا لا يعني إهمال حقها، بل الشريعة نصّت على أن للزوجة الحق في المعاشرة بالمعروف، وأن امتناع الزوج عنها بغير عذر إثم ومعصية.

    3- الرد على شبهة "الفقه الذكوري"

    بعض المفكرين تساءلوا: لماذا لم يرد نص يلعن الرجل إذا رفض زوجته؟
    والجواب أن:

    • النصوص قد تأتي موجهة لأحد الجنسين مراعاةً للسياق أو لغلبة الحال، لكنها في الحقيقة تحمل المعنى العام للطرفين، إلا ما استثني لفارق شرعي.
    • بمعنى أن الرجل إذا منع زوجته حقها من الفراش بغير عذر، فهو آثم وظالم، وإن لم يُذكر لفظ "اللعن"، لكن العقوبة تتحقق من جهة أخرى، مثل الإثم والحرمان من حسن المعاشرة التي أمر الله بها.
  • هل الزوجة ملعونة إذا غضب زوجها مطلقًا؟

    • ليس كل غضب من الزوج يجعل المرأة ملعونة؛ بل المقصود إذا امتنعت عن فراشه بغير عذر معتبر.
    • فإن كانت مريضة، أو متعبة، أو عندها عذر شرعي كالحيض، أو كان امتناعها لأجل أذى من الزوج نفسه (كالظلم أو الإساءة)، فلا إثم عليها.

    قال الإمام الشوكاني: المعصية لا تتحقق إلا إذا بات الزوج غضبان ولم يعذرها، أما إذا كان هو المخطئ، أو عذرها، فلا معصية عليها.

  • مسؤولية الزوج في المقابل

    الشريعة لم تُغفل دور الرجل:

    1.   أمره الله تعالى بالإحسان إلى زوجته:
    {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].

    2.   حذره النبي ﷺ من ظلم المرأة:
    «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم».

    3.   بيّن ﷺ أن خير الناس خيرهم لأهله.

    وبالتالي، كما أن الزوجة مأمورة بطاعة زوجها في المعروف، فالزوج مأمور بالرفق والإحسان، والقيام بحقوقها كاملة.

  • من زاوية علم النفس والاجتماع

    • الزواج رابطة عاطفية وروحية قبل أن يكون علاقة جسدية.
    • امتناع أحد الطرفين عن الآخر يؤدي إلى تصدع في جدار الثقة ويزرع الفتور.
    • الدراسات الحديثة تؤكد أن الاستقرار الجنسي بين الزوجين أحد أهم ركائز استقرار الأسرة.
    • لذا جاءت النصوص الشرعية لتسد هذا الباب، لكنها في الوقت نفسه لم تغفل عن الاعتبارات الإنسانية مثل المرض أو الضيق النفسي.
  • الموازنة بين النصوص

    لا بد من فهم الأحاديث في إطار النصوص الأخرى:

    • كما أن المرأة ملعونة إذا هجرت فراش زوجها بغير حق، فالرجل آثم إذا ظلم زوجته أو منعها حقها.
    • وكما أن النصوص تأمر الزوجة بالصبر والإحسان، فإنها تأمر الزوج باللين والرحمة.
    • وبذلك يتحقق التوازن الذي أشار إليه القرآن بقوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187].
  • لماذا يُوجَّه الخطاب غالبًا للنساء؟

    • لأن الغالب في المجتمع آنذاك أن المبادرة بالطلب من الرجل، فجاء النص موافقًا للغالب.
    • ولأن الرجل أكثر تعرضًا للفتن إذا لم تُشبَع حاجته.
    • ولكن هذا لا يعني أن النص غير متوجه للرجال، بل المعنى العام يشمل الطرفين.
  • خاتمة

    المسألة ليست مسألة "تمييز ضد المرأة"، بل هي تشريع إلهي يراعي الفطرة الإنسانية.

    • المرأة إذا امتنعت بغير عذر أثمت وتعرضت للوعيد.
    • الرجل إذا أهمل حق زوجته ظلمها وأثم.
    • العلاقة الزوجية تقوم على التوازن، الرحمة، والتكامل، لا على التسلط والاستغلال.

    قال ﷺ:

    «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

    فكما أن الزوجة مأمورة بطاعة زوجها، فالزوج مأمور أن يكون رحيمًا بها، محسنًا إليها، قائمًا بحقوقها، لتظل الحياة الزوجية ميدانًا للمودة والرحمة، لا ساحة صراع وظلم.