حكم البول في مكان الاغتسال: بين النهي الشرعي والعلة الفقهية

تعرف على حكم البول في مكان الاغتسال في الإسلام، مع بيان أقوال العلماء والأدلة الشرعية، وشرح العلة من النهي، وحالات الجواز والكراهة، وطريقة تطهير المكان بعد وقوع البول فيه.

حكم البول في مكان الاغتسال: بين النهي الشرعي والعلة الفقهية
حكم البول في مكان الاغتسال: بين النهي الشرعي والعلة الفقهية
  • المقدمة

    من المسائل التي يكثر السؤال عنها في حياة المسلم اليومية: هل يجوز البول في مكان الاغتسال؟
    وذلك لارتباطها بأحكام الطهارة والنظافة التي هي من أعظم شعائر الإسلام. وقد جاء الشرع المطهر ببيانٍ دقيقٍ لهذه المسألة، مبينًا حدود الكراهة ومتى تزول، مراعيًا فيها حفظ الطهارة ودفع الوسوسة عن المسلم.

  • النصوص الواردة في النهي عن البول في مكان الاغتسال

    ورد النهي صريحًا في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

    "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ"
    رواه الترمذي (21)، والنسائي (36)، وأبو داود (27).

    وقد حسنه عدد من الأئمة، منهم النووي في خلاصة الأحكام، وصححه العراقي، والوادعي في الصحيح المسند.

    كما جاء في رواية أخرى عند النسائي وأبي داود عن حميد بن عبد الرحمن قال:

    "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبُولَ أحدنا فِي مُغْتَسَلِهِ".

    وهذا النهي يحمل دلالة على كراهة الفعل، لا على تحريمه كما رجحه جمهور العلماء، لما ورد من تعليل النبي ﷺ بأن الوسوسة غالبًا تنشأ من هذا الفعل.

  • معنى (المستحمّ) لغة واصطلاحًا

    قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر:

    "المُسْتَحَمّ هو الموضع الذي يُغتسل فيه بالماء الحار، ثم قيل لكل موضع يُغتسل فيه مستحمّ، سواء بالماء الحار أو البارد".

    وبهذا فالمقصود بالمستحمّ في الحديث هو المكان المعدّ لغسل البدن، أي موضع الاستحمام أو الدوش في زماننا.

  • الحكمة والعلة من النهي

    بيّن العلماء أن العلة في النهي ليست النجاسة ذاتها، وإنما ما يترتب على الفعل من وسوسة وشكوك.
    قال الخطابي:

    "النهي عن البول في المستحم إنما هو مخافة أن يصيب الإنسان شيء من رذاذ بوله فيوسوس في طهارته".

    وفسّر النووي العلة بقوله:

    "لأن الموضع إذا تنجس بالبول، ثم أصابه ماء الغسل، توهّم المتطهر أن النجاسة قد انتقلت إليه، فكان سببًا للوسوسة".

    أما الشوكاني في نيل الأوطار، فذكر أن بقاء أثر البول في موضع الغسل قد ينجّس الماء المرتدّ، مما يوقع المسلم في شك دائم أثناء الطهارة.

  • آراء الفقهاء في حكم البول في مكان الاغتسال

    اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على أن البول في مكان الاغتسال مكروه، لا محرم، إذا لم يصاحبه تلويث أو انتقال للنجاسة، واستدلوا بذلك على النحو الآتي:

    • الحنفية والشافعية والحنابلة: نصّوا على كراهة البول في مكان الاستحمام، كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (43/154).
    • المالكية: يرون أن الأفضل اجتناب الوضوء أو الغسل في مكان يُظن فيه وجود نجاسة ولو زالت، لئلا يورث ذلك وسوسة أو شكًا.

    وقد قال ابن المنذر:

    "الذي قاله عطاء حسن، إذا كان للمغتسل مخرج يجري فيه الماء فلا بأس به".

    كما قال ابن المبارك:

    "قَدْ وُسِّعَ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ إِذَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ".

  • الحالات التي تزول فيها الكراهة

    قيد العلماء النهي في حالتين إذا انتفتا زالت الكراهة:

    1.    وجود تصريف للماء (بالوعة أو مجرى):
    إذا كان مكان الاغتسال مزوّدًا بمجرى يصرف الماء والبول مباشرةً، فلا حرج، كما نص عليه الخطابي وابن المبارك وابن عثيمين.

    2.    أن تكون الأرض صلبة غير قابلة لامتصاص البول:
    فإذا كانت الأرض مبلطة أو من السيراميك بحيث لا تمتص البول، فلا كراهة، لأن النجاسة تزول بصب الماء عليها، كما قال ابن القيم في تهذيب السنن.

  • حكم التبول أثناء الاستحمام

    أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في لقاء الباب المفتوح بأنه:

    "لا يدخل في النهي من يبول في موضع الاستحمام إذا كان له مجرى للماء، لأن البول سيزول بالماء الجاري، بشرط أن يغسل موضع البول قبل أن يبدأ الغسل الكامل".

    إذن، من بال في مكان الاستحمام الذي له تصريف مفتوح، ثم صب الماء حتى زال البول، فلا حرج عليه.

  • حكم الاغتسال أو الوضوء بعد أن وُجد البول في مكان الاستحمام

    إذا كان أحدهم قد بال في الحمام ثم نُظّف المكان جيدًا بالماء حتى زال أثر البول، فيجوز الوضوء والاغتسال فيه بلا كراهة.
    قال العلماء:

    "الطهارة تتحقق بزوال أثر النجاسة حسًّا ومعنًى".

    فبمجرد أن يُصبّ الماء على الموضع حتى تزول الرائحة واللون والجرم، يكون المكان طاهرًا ولا يتأثر الوضوء أو الغسل فيه.

  • طريقة تطهير مكان الاغتسال من البول

    يمكن تطهير المكان باتباع الخطوات التالية:

    1.   صب الماء بكثرة على الموضع الذي أصابه البول.

    2.   التأكد من زوال الرائحة واللون.

    3.   تشغيل مجرى الماء (البلوعة) للتأكد من تصريف البول كليًا.

    4.   عدم الاستحمام أو الوضوء إلا بعد التأكد من نظافة المكان.

    وبهذا تزول النجاسة ولا يبقى أثرها شرعًا.

  • الوسوسة في الطهارة والتحذير منها

    ختم النبي ﷺ الحديث بقوله:

    "فإن عامة الوسواس منه"،
    تنبيهًا إلى أن من يكثر الشكوك في طهارته غالبًا ما يبدأ من مثل هذه الأمور.

    لذا، نص العلماء على أن الاحتياط المشروع هو الاعتدال، فلا يُبالغ الإنسان في التنزه حتى يقع في الوسوسة، ولا يتهاون حتى ينجّس نفسه.

  • الخلاصة

    • الأصل: النهي عن البول في مكان الاغتسال على سبيل الكراهة لا التحريم.
    • تزول الكراهة إذا:

    1.   كان المكان مزودًا بتصريف للماء.

    2.   كان موضعًا صلبًا غير ترابي.

    3.   تم صب الماء على البول وزال أثره.

    • يحرم البول فقط إذا ترتب عليه تلويث أو بقاء نجاسة في موضع الاغتسال.
  • الخاتمة