كيف تخلّصت العرب من صفة الشدّة في حروف (أجد قط بكت)
تعرف في هذا المقال على كيفية تخلّص العرب من صفة الشدّة في حروف (أجد قط بكت)، بطريقة مبسّطة تشرح القلقلة والهمس والتسهيل والنبر، مع أمثلة قرآنية توضح الفرق بين الحروف الشديدة وحروف القلقلة. دليل شامل لفهم جمال النطق العربي في علم التجويد.

-
مقدمة
من أهم صفات الحروف في علم التجويد صفة الشدة، وهي صفة تؤثر في جريان الصوت عند النطق بالحرف، وتُظهر جمال اللغة ودقتها في النطق والأداء. وقد عني علماء التجويد بدراسة هذه الصفة وبيان أثرها على مخارج الحروف وصفاتها، ومن المسائل الدقيقة التي تناولها العلماء: كيف تخلّصت العرب من صفة الشدة في حروف (أجد قط بكت)، وهي الحروف الثمانية المعروفة بالشديدة، إذ وجدوا أن العرب لم تنطقها جميعًا على نسق واحد، بل لجأت إلى وسائل صوتية دقيقة للتخفيف من شدتها عند النطق بها.
-
معنى صفة الشدة
الشدة في اللغة مأخوذة من القوة والصلابة، واصطلاحًا هي: انحباس جريان الصوت عند النطق بالحرف لانغلاق المخرج انغلاقًا تامًا.
فالحرف الشديد يمنع خروج الصوت لحظة النطق به، لأن طرفي عضو النطق يلتقيان تمامًا، فيحبس الهواء خلف المخرج لحظة ثم ينفجر.
وقد جمع العلماء حروف الشدة في قولهم: (أجد قط بكت)، وهي:
الهمزة، الجيم، الدال، القاف، الطاء، الباء، الكاف، التاء. -
أثر الشدة في النطق
عند النطق بالحرف الشديد، يشعر القارئ بانحباس الهواء وضيق في جهاز النطق، لأن المخرج مغلق تمامًا. فإذا سُكّن الحرف، اشتدّ هذا الضيق وظهر ما يشبه “الانفجار” الصوتي عند انفتاح المخرج. وهذا ما جعل العرب تبحث عن وسيلة للتخفيف من هذا الإزعاج الصوتي عند النطق بالحروف الساكنة خاصة.
-
كيف تخلّصت العرب من صفة الشدة في هذه الحروف
صفة الشدة والخمس في الكاف والتاء انقسمت حروف (أجد قط بكت) إلى ثلاث مجموعات، تخلّصت العرب من شدتها بطرق مختلفة، وفق طبيعة كل حرف وصفاته المصاحبة.
1. المجموعة الأولى: (قطب جد) — القلقلة
وهي القاف، والطاء، والباء، والجيم، والدال.
لاحظ العلماء أن هذه الحروف الخمسة إذا نُطقت ساكنة، حدث ضيق شديد في المخرج لأن الهواء ينحبس ثم يبحث عن مخرج، فينتج عنه صوت مقلقل.
ولهذا ابتكرت العرب صفة القلقلة، وهي: اضطراب المخرج عند النطق بالحرف الساكن ليُسمع له نبرة قوية تشبه النبضة الصوتية.فتقول مثلًا: (أبْ)، (أقْ)، (أطْ)، فيسمع للحرف الساكن صوت متحرك خفيف دون أن يصير متحركًا حقيقة.
إذن: العرب تخلّصت من شدة هذه الحروف بـ القلقلة، لتخفيف انحباس الصوت وإزالة الثقل الناتج عن السكون.- مثال من القرآن:
قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق:1]
تُسمع القاف في (الْفَلَقْ) بوضوح مقلقلة.
ولذلك تُسمّى هذه الحروف حروف القلقلة، وتُعد صفة لازمة لها في حال السكون خاصة، بخلاف باقي الحروف الشديدة.
2. المجموعة الثانية: الكاف والتاء — الهمس
الحرفان الكاف والتاء يشتركان في الشدة، لكنهما أيضًا من حروف الهمس، وهي الحروف التي يجري فيها النفس عند النطق بها.
قال العلماء: الشدة والهمس في الكاف والتاء يجتمعان في زمنين متعاقبين لا في لحظة واحدة، أي أن القارئ يحبس الصوت أولًا (وهذا هو الشدة)، ثم يطلق النفس بعدها (وهو الهمس)، فيتحقق التوازن الصوتي ويزول الضيق الناتج عن الشدة.ففي النطق بـ (أكْ) أو (أتْ)، نلاحظ أن المخرج ينغلق أولًا ثم يُسمع نفس خفيف بعده، وهذا النفس هو الذي خفّف من شدة الحرف.
فبذلك تخلّصت العرب من الشدة في الكاف والتاء بصفة الهمس، دون الحاجة إلى القلقلة.- مثال من القرآن:
قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة:194]
نلاحظ في التاء الساكنة في (اتَّقوا) همسًا واضحًا بعد انحباس المخرج.
3. المجموعة الثالثة: الهمزة — التسهيل والإبدال
أما الحرف الثامن من حروف الشدة، وهو الهمزة، فقد كان للعرب معه شأن خاص، إذ وجدوا في نطقه ثقلًا وصعوبة، فبحثوا عن وسائل لغوية للتخفيف من شدته.
فمنهم من سهّل الهمزة، ومنهم من أبدلها، ومنهم من حذفها، بحسب موقعها في الكلمة.
ومن أمثلة ذلك في لغة العرب:- يقولون: يومِنون بدل يؤمنون، أي أبدلوا الهمزة.
- ويقولون: ءأنذرتهم بالتسهيل، أي لا ينطقون الهمزة الثانية بشدة.
- ويقولون: من السما بدل من السماء، بحذف الهمزة.
فبذلك تخلّصت العرب من شدّة الهمزة بهذه الطرق الصوتية، ولم تقلقلها كما فعلت مع حروف (قطب جد).
ولهذا لا يصح في التلاوة أن تُقلقل الهمزة أبدًا، لأنها لا تُعامل معاملة حروف القلقلة.في رواية حفص – التي لا يُسهَّل فيها الهمز ولا يُبدل ولا يُحذف – تخلّص القرّاء من صفة الشدة بطريقة أخرى، وهي النَّبر.
ومعنى النبر: رفع الصوت عند نطق الهمزة ليكون صوتها أوضح وأقوى من الحروف المجاورة لها، ويتم ذلك بفصل المخرج تمامًا حتى تُسمع الهمزة بوضوح وقوة دون كلفة أو تعسّف في النطق. - مثال من القرآن:
-
خلاصة القاعدة
مجموعة الحروف
الصفة التي خلّصت من الشدة
كيفية التخلص
مثال قرآني
(ق، ط، ب، ج، د)
القلقلة
اضطراب المخرج عند النطق بالسكون
الفلق، أحد، تبّت
(ك، ت)
الهمس
جريان النفس بعد انحباس الصوت
اتَّقوا، أكْرم
(ء)
التسهيل أو الإبدال أو الحذف أو النبر
تخفيف الهمزة في النطق
من السماء، ءأنذرتهم
-
الحكمة الصوتية من هذا التخلّص
تظهر حكمة هذا النظام الصوتي في أن العرب لم تترك حرفًا ثقيل النطق إلا وابتكرت له طريقة لتخفيفه دون أن تفقده صفته الأصلية.
فاللغة العربية بلغت من الدقة الصوتية مبلغًا عجيبًا، فكانت صفات الحروف متوازنة بين القوة واللين، وبين الجهر والهمس، وبين الشدة والرخاوة، لتنتج نغمة فصيحة منسجمة تليق بجلال القرآن الكريم. -
الخاتمة
تظهر حكمة هذا النظام الصوتي في أن العرب لم تترك حرفًا ثقيل النطق إلا وابتكرت له طريقة لتخفيفه دون أن تفقده صفته الأصلية.
فاللغة العربية بلغت من الدقة الصوتية مبلغًا عجيبًا، فكانت صفات الحروف متوازنة بين القوة واللين، وبين الجهر والهمس، وبين الشدة والرخاوة، لتنتج نغمة فصيحة منسجمة تليق بجلال القرآن الكريم.