حكم الاغتسال عاريًا في الإسلام: الأدلة الشرعية وآداب الستر أثناء الغسل
هل يجوز الاغتسال عاريًا تمامًا في الحمام؟ تعرف في هذا المقال على حكم الاغتسال عاريًا في الإسلام مع الأدلة من القرآن والسنة، وآراء العلماء، وشرح آداب الستر والحياء أثناء الغسل، بأسلوب شرعي متكامل ومتوافق مع السيو.

-
مقدمة
يُعَدّ الغُسل من الطهارات الكبرى التي شرعها الإسلام للنظافة الحسية والمعنوية، وقد يتساءل البعض: هل يجوز للمسلم أن يغتسل عاريًا تمامًا في الحمام أو في مكان مغلق؟ وهل في ذلك حرج شرعي أو منافاة للحياء الذي أمر به الإسلام؟
تتناول هذه المقالة بيان حكم الاغتسال عاريًا في الإسلام، مع الأدلة الشرعية وأقوال العلماء، وتوضيح آداب الستر في الخلوة، بما يحقق الفهم الصحيح لهذا الموضوع الحساس في ضوء الكتاب والسنة. -
الأصل في الستر والحياء
إن الحياء خُلُق عظيم دعا إليه الإسلام وجعله من الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«الحياء من الإيمان» – رواه البخاري ومسلم.
وقد أمر الله تعالى بستر العورة، فقال سبحانه:
﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا﴾ [الأعراف: 26].
فالأصل أن المسلم مأمور بستر عورته في كل الأحوال، إلا ما استثناه الشرع عند الضرورة أو الحاجة، كحال الاغتسال أو قضاء الحاجة أو الجماع، وهي مواقف لا يُمكن فيها الستر الكامل.
-
حكم الاغتسال عاريًا في الخلوة
اتفق العلماء على أنه يجوز الاغتسال عاريًا في مكانٍ مغلقٍ لا يراك فيه أحد، لأن النصوص الصحيحة دلّت على ذلك، ومنها:
الأدلة من السنة النبوية:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«بَيْنَا أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ»
— رواه البخاري.وجه الدلالة: أن الله لم يعاتب أيوب عليه السلام على اغتساله عريانًا، فدلّ ذلك على جوازه إذا كان في خلوة.
2. وفي حديث موسى عليه السلام أنه كان يغتسل وحده، كما في الصحيحين، مما يدل على جواز التعري في الاغتسال عند الحاجة، مع ستر النفس عن أعين الناس.
-
أقوال العلماء في المسألة
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
"يجوز كشف العورة في موضع الحاجة في الخلوة، وذلك كحال الاغتسال أو البول أو الجماع، أما في غير حاجة فالأفضل الستر، لأن الله تعالى يحب الحياء والستر."
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
"في الحديث دلالة على أن من اغتسل عريانًا في موضعٍ خالٍ لا يُرى فيه أحد فلا حرج عليه."
أما ابن قدامة فقال في المغني:
"يجوز للرجل أن يغتسل عريانًا إذا كان وحده، ولا يجب عليه الستر إلا إذا كان بحضرة الناس."
-
آداب الاغتسال والستر في الخلوة
رغم أن الاغتسال عاريًا في الخلوة مباح شرعًا، إلا أن السنة أرشدت إلى آدابٍ رفيعة تُظهر الحياء ومراقبة الله:
1. أن يغتسل في مكانٍ مغلقٍ لا يراه فيه أحد، امتثالًا لقوله ﷺ:
«إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» – رواه أبو داود والنسائي.
2. أن يبدأ بستر العورة ما أمكن، كأن يضع منشفة أو قطعة قماش تغطي السوأتين.
3. أن لا يتعمد النظر إلى عورته، بل يقتصر على ما تدعو إليه الحاجة.
4. أن يذكر الله قبل دخول الحمام، فيقول:
«بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث».
5. أن يتجنب الحديث أثناء الاغتسال أو قضاء الحاجة، لأن ذلك من آداب الطهارة.
-
الفرق بين الستر الواجب والستر المستحب
- الستر الواجب: أن يستر الإنسان عورته عن أعين الناس، فلا يجوز له أن يغتسل أو يتكشف أمام غيره.
- الستر المستحب: أن يتستر أثناء الاغتسال في الخلوة، ولو بسترٍ خفيفٍ، تعظيمًا لحق الله ومراعاة للحياء.
قال الشوكاني رحمه الله:
"لم يَعِب الله على أيوب اغتساله عريانًا، فدل على الجواز، غير أن حديث (إن الله حيي ستير) يدل على أن الستر أفضل وأكمل."
- الستر الواجب: أن يستر الإنسان عورته عن أعين الناس، فلا يجوز له أن يغتسل أو يتكشف أمام غيره.
-
هل يجوز الاغتسال في الحمام العام أو أمام الأطفال؟
- الحمامات العامة: لا يجوز فيها التعري الكامل، لأن العورة لا تُكشف أمام الناس ولو من جنسٍ واحد.
- أمام الأطفال: لا يجوز كشف العورة أمام من يميز، لقوله تعالى:
﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: 31].
فالواجب الانتباه لوجود من قد يراك، ولو كان صغيرًا مميزًا.
- الحمامات العامة: لا يجوز فيها التعري الكامل، لأن العورة لا تُكشف أمام الناس ولو من جنسٍ واحد.
-
البعد الإيماني والنفسي للحياء
الحياء في الإسلام ليس خُلقًا شكليًا، بل هو تعبير عن مراقبة الله عز وجل في السر والعلن، وهو الذي يدفع المؤمن إلى التحفظ في أفعاله حتى حين يكون وحده.
قال ﷺ:«استحيوا من الله حق الحياء» – قالوا: إنا نستحيي يا رسول الله، قال: «ليس ذاك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى» – رواه الترمذي.
-
الخاتمة
خلاصة القول أن الاغتسال عاريًا في الحمام أو الخلوة جائز شرعًا، ما دام لا يراك أحد، لكن الأكمل والأفضل أن تتستر بقدر ما تستطيع، لأن الله تعالى يحب من عباده الحياء والستر.
فاجعل حياءك دليل تقواك، وراقب الله في خلواتك كما تراقبه في العلن، فذلك من علامات الإيمان الصادق.