حكم غصب البنت على الزواج في الشريعة الإسلامية
تعرف على حكم غصب البنت على الزواج في الإسلام، مع بيان الأدلة الشرعية من القرآن والسنة، وأقوال العلماء في مسألة إجبار الفتاة على الزواج دون رضاها، والحكم الفقهي المتفق عليه بين المذاهب.

-
مقدمة
يُعدّ عقد الزواج في الإسلام من أعظم العقود وأشدّها ارتباطًا بحياة الفرد واستقراره النفسي والاجتماعي، ولذلك أحاطه الشرع الحكيم بضوابط دقيقة تحفظ الحقوق وتراعي الكرامة الإنسانية، ومن أهم تلك الضوابط تحريم إجبار المرأة على الزواج دون رضاها. فالإسلام جعل رضا المرأة شرطًا أساسيًا في صحة العقد، سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، وجعل ذلك من مقتضيات العدل والرحمة، ومما يصون الأسرة من النزاع والفشل.
-
النصوص الشرعية الدالة على تحريم إجبار المرأة على الزواج
1. من السنة النبوية
وردت نصوص صريحة في الأحاديث الصحيحة تؤكد بطلان إجبار المرأة على الزواج:
· عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
"لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن".
قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت".
(رواه البخاري ومسلم)· وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: "نعم".
قلت: فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت؟ قال: "سكاتها إذنها".
(متفق عليه)· وعن ابن عباس رضي الله عنهما:
"أن جارية بكرًا أتت النبي ﷺ، فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي ﷺ".
(رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني)هذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على أن المرأة لها الحق الكامل في قبول أو رفض الزواج، وأن عقد الزواج بدون رضاها مرفوض شرعًا.
-
إجماع العلماء على تحريم الإكراه
أجمع أهل العلم على أن إجبار المرأة البالغة العاقلة على الزواج ممن لا ترغب فيه أمر محرم، وأن العقد إذا تم بالإكراه فهو غير صحيح على الصحيح من أقوال الفقهاء. قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"ليس للولي أن يجبر المرأة على التزوج، ولو بأكمل الناس، بل هي لها الخيار."
حتى وإن كان الأب أو الأخ وليًا لها، فإن ولايته مشروطة برعاية مصلحتها، لا بالتحكم في مصيرها.
-
حكم تزويج الصغيرة
أما البكر الصغيرة التي لم تبلغ، فقد اختلف العلماء في تزويجها:
- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للأب أن يزوج ابنته البكر الصغيرة بغير إذنها، إذا كان في ذلك مصلحة لها، مستدلين بفعل الصحابة وإجماع بعض السلف.
- لكن مع ذلك، شددوا على مراعاة المصلحة الشرعية، وأن لا يزوجها إلا من كفء في الدين والخلق، وألا يكون في الزواج ضرر عليها.
قال ابن قدامة في المغني:
"أما البكر الصغيرة: فلا خلاف فيها، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز، إذا زوجها من كفء."
ومع تطور المجتمعات وازدياد الوعي، فإن كثيرًا من العلماء المعاصرين يرون أن المصلحة تقتضي عدم تزويج الصغيرة حتى تدرك وتختار.
- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للأب أن يزوج ابنته البكر الصغيرة بغير إذنها، إذا كان في ذلك مصلحة لها، مستدلين بفعل الصحابة وإجماع بعض السلف.
-
حكم رفض المرأة للزواج
المرأة البالغة الرشيدة لها الحق في رفض من لا ترغب فيه، بل جاء النص النبوي مؤكدًا لذلك:
"الأيم أحق بنفسها من وليها"
(رواه مسلم)فلا يحق للولي أن يلزمها برجل معين، ولا يعد رفضها عقوقًا أو خروجًا عن الطاعة.
-
حكم عضل المرأة
العضل هو منع الولي المرأة من الزواج بكفئها الذي ترغب فيه، دون سبب شرعي معتبر، وهو محرم بنص القرآن الكريم:
﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾
(البقرة: 232)وفي حال وقوع العضل، ينتقل حق الولاية إلى الولي الأبعد، فإن امتنع الجميع، تولى القاضي الشرعي تزويجها، لقول النبي ﷺ:
"فإن تشاجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له"
(رواه أبو داود والترمذي) -
الآثار السلبية لإجبار المرأة على الزواج
1. انعدام الاستقرار الأسري: الزواج القائم على الإكراه غالبًا ما ينهار أو يمتلئ بالمشكلات.
2. الضرر النفسي: شعور المرأة بالظلم وفقدان الأمان الأسري.
3. المخالفة الصريحة لأوامر النبي ﷺ: مما يعرض الولي للإثم.
4. انتشار الفساد: لأن رفض تزويج الكفء أو إجبار المرأة قد يؤدي إلى الانحراف أو العلاقات المحرمة.
-
نصائح شرعية للفتاة ووليها
· للولي: تذكّر أن ولايتك أمانة ومسؤولية، وأن معيار الكفاءة هو الدين والخلق، لقوله ﷺ:
"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"
(رواه الترمذي وحسنه الألباني)· للفتاة: التروي، والاستخارة، ومشاورة أهل الخبرة والعقل، والتأكد من دين وخلق المتقدم، فحسن الاختيار أساس الحياة الزوجية الناجحة.
-
الخلاصة
إجبار المرأة على الزواج في الشريعة الإسلامية محرم وباطل إذا كانت بالغة عاقلة، وهو مخالف لمقاصد الزواج القائمة على المودة والرحمة. أما تزويج الصغيرة، فالأصل فيه مراعاة المصلحة البحتة. ومنع المرأة من الكفء ظلم وعضل حرمه الله.
فالزواج في الإسلام شراكة رضائية، لا صفقة مفروضة، ولا وصاية متعسفة.