مصارف الزَّكاة ومسائل تتعلَّق بزكاة المرأة
تناول المقال بيان مصارف الزَّكاة الثَّمانية، مع بيان حكم دفع المرأة زكاة مالها للزَّوج وغيره من الأقارب، والجمعيَّات الخيريَّة، أو لبناء مسجدٍ، أو سداد ديون عن مَدِينٍ مُعْسِرٍ.
-
أوَّلاً: ما هي مصارف الزَّكاة الثَّمانية؟
المقصود بمصارف الزَّكاة: الفئات الَّتي يجوز للمزكِّي دفع زكاة أمواله إليهم.
وهم ثمانية أصناف ورد ذكرهم في قوله تعالى:
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التَّوبة: 60] وهم كالآتي:
· الصِّنف الأوَّل والثَّاني: الفقراء والمساكين: وهم أهل الحاجة الَّذين لا يجدون شيئًا، أو يجدون بعض ما يكفيهم.
· والصِّنف الثَّالث: العاملون على الزَّكاة: وهم الَّذين يتولَّون جمع الزَّكاة، ولا يشترط فيهم وصف الفقر، بل يعطون منها ولو كانوا أغنياء.
· الصِّنف الرَّابع: المؤلَّفة قلوبهم: وهم الَّذين دخلوا في الإسلام حديثًا يعطون من الزَّكاة تأليفًا لقلوبهم، ومذهب جمهور الفقهاء أنَّ هذا السَّهم باقٍ لم يسقط على خلاف بين الفقهاء في ذلك.
· الصِّنف الخامس: في الرِّقاب: وهم على ثلاثة أقسام:
o الأوَّل: المكاتبون المسلمون: فيعانون لفكِّ رقابهم.
o الثَّاني: إعتاق الرَّقيق المسلم.
o الثَّالث: الأسرى من المسلمين.
وإعتاق الرَّقيق لم يعد له وجود في العصر الحاليِّ، وتبقى من هذا الصِّنف الأسرى، فيجوز دفع زكاة المال للأسرى من المسلمين.
· الصِّنف السَّادس: الغارمون: وهم المدينون العاجزون عن سداد ديونهم وليس عندهم أموالٌ نقديَّةٌ، ولا عقاراتٌ، ولا صنعةٌ يستطيعون أن يُوفُّوا منها ديونهم، فيجوز دفع زكاة المال لهم.
· الصِّنف السَّابع: في سبيل اللَّه: والمراد بذلك، إعطاء الغزاة المتطوِّعين للجهاد، وكذا الإنفاق في مصلحة الحرب وكلِّ ما يحتاجه أمر الجهاد.
· الصِّنف الثَّامن: ابن السَّبيل، وهو المسافر الَّذي قد نفدت أمواله وليس له من يعينه، فيعطى ما يوصله إلى بلده.
وتنحصر صحَّة الزَّكاة بإعطائها لأحد أصحابها من الأصناف الثَّمانية الواردة في الآية القرآنيَّة.
-
ثانيًا: هل يجوز للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها؟
من الشُّروط المتَّفق عليها عند جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المتبوعة؛ ألَّا يكون المعطى له من الزَّكاة ممَّن تلزمه نفقته؛ فإذا كان ممَّن تلزمه النَّفقة؛ فلا يجوز إعطاء الزَّكاة له.
ومن المعلوم أنَّ نفقة الزَّوجة واجبةٌ على الزَّوج، أمَّا الزَّوجة فلا تجب عليها نفقة الزَّوج، ولا تلزمها نفقته.
وبناءً على ما سبق: يجوز للزَّوجة الغنيَّة أن تدفع زكاة مالها الخاصِّ بها لزوجها إذا كان من أحد الأصناف الثَّمانية،
ويدلُّ على الجواز ما ورد في الحديث عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: «كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ».
وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا. فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: «سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حِجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلالٌ فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي. وَقُلْنَا: لا تُخْبِرْ بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَنْ هُمَا؟ قَالَ: زَيْنَبُ. قَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: نَعَمْ، وَلَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ».
-
ثالثًا: هل يمكن للمرأة دفع زكاة مالها لأقاربها؟
· بناءً على ما ذكرنا أنَّه تجوز الزَّكاة على المصارف الثَّمانية بشرط: (ألَّا يكون المعطى له من الزَّكاة ممَّن تلزم المعطي نفقته؛ فإذا كان ممَّن تلزمه النَّفقة؛ فلا تجوز).
· لذلك نفرِّق في الحكم ههنا بين الرَّجل والمرأة، فالرَّجل تلزمه نفقاتٌ كثيرةٌ، فيتقيَّد في دفع زكاة ماله لأقاربه ممن لا تلزمه نفقتهم (إن كانوا مشمولين بأحد مصارف الزَّكاة الثَّمانية).
· أمًّا المرأة فلا تلزمها نفقة أحد، فيجوز لها أن تدفع زكاة مالها لمن تشاء من أقاربها (ما داموا مشمولين بأحد مصارف الزَّكاة الثَّمانية)، فتجوز زكاتها لوالديها وأبنائها وزوجها وذوي أرحامها لأنَّها لا تلزمها نفقة أيٍّ منهم.
-
رابعًا: هل يجوز دفع الزَّكاة لسداد ديون شخص آخر؟
ذكرنا من مصارف الزَّكاة، الغارمين: والغارمون هم المَدِينُونَ الَّذين لا يملكون مالاً يسدِّدون به ديونهم، فيجوز دفع زكاة المال لهم لسداد ديونهم.
ويُوفَّى دينهم من الزَّكاة بإحدى طريقتين:
· الطَّريقة الأولى: أن يُعطَى المَدِينُ الزَّكاةَ وهو يسدِّد دينه بنفسه.
· والطَّريقة الثَّانية: أن يُسدَّد عنه دينه، بأن يعطي المزكِّي المال لمن يطلبه (للدَّائن).
ويعود الأمر في ذلك لأمانة الرَّجل (المَدِينُ) وحرصه على إبراء ذمَّته، فإن كان أمينًا كان الأولى دفع مال الزَّكاة إليه، وهو الَّذي يقوم بسداد الدِّين بنفسه رفعًا للحرج عنه.
-
خامسًا: هل يجوز دفع الزَّكاة في بناء المساجد؟
ذكرنا فيما سبق أنَّ الزَّكاة محصورة في مصارف الزَّكاة الثَّمانية الواردة في القرآن الكريم، وبناء المسجد لا يدخل تحت أيِّ صنف من الأصناف الثَّمانية، لذلك لا يجوز دفع الزَّكاة في بناء المساجد لأنَّها ليست من الأصناف الثَّمانية.
-
سادسًا: هل يمكن دفع الزَّكاة للمشاريع الخيريَّة؟
يجوز دفع زكاة المال لهذه للمشاريع الخيريَّة ولكن ليس على الإطلاق بل هو مقيَّدٌ بِـ:
· أن تكون هذه الجمعيَّات موثوقةً،
· وأن تنفق الزَّكاة في مصارفها الشَّرعيَّة.
والأصحَّ عدم جوازها، لأنَّه لا يعلم في الغالب أين صرفت، وجمهور الفقهاء يقولون بوجوبها في مصارف الزَّكاة الثَّمانية حصرًا.
تنبيه هام:
إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةً بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.