حكم البول واقفًا في الإسلام: بين الجواز والكراهة وأدب الطهارة

تعرف على حكم البول واقفًا في الإسلام من خلال أقوال العلماء والأدلة الشرعية، وهل يُكره البول قائمًا أم يجوز بشروط؟ دليل فقهي شامل يوضح آداب الطهارة وسنة النبي ﷺ في قضاء الحاجة.

حكم البول واقفًا في الإسلام: بين الجواز والكراهة وأدب الطهارة
حكم البول واقفًا في الإسلام: بين الجواز والكراهة وأدب الطهارة
  • مقدمة

    يُعدّ الطهارة من أهم شعائر الإسلام التي تميز المسلم في عباداته وسلوكه اليومي، إذ قال تعالى:
    {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
    ومن المسائل التي يكثر السؤال عنها في باب الطهارة: هل يجوز للمسلم أن يبول وهو واقف؟
    ولأن هذا الفعل يراه البعض مخالفًا للحياء أو للسنة، فقد تطرّق الفقهاء إلى هذه المسألة بتفصيل دقيق، مبينين حكمها وضوابطها الشرعية.

    في هذا المقال، نستعرض حكم البول واقفًا من منظور فقهي دقيق، مستندين إلى الأدلة الشرعية وأقوال العلماء، مع بيان الحالات التي يجوز فيها البول قائمًا.

  • حكم البول واقفًا في الإسلام

    1. الأصل في البول الجلوس تواضعًا وسترًا

    اتفق جمهور الفقهاء على أن الأصل في البول أن يكون جالسًا، لأن هذا هو الغالب من فعل النبي ﷺ، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

    «من حدَّثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا»
    رواه الترمذي وصححه الألباني.

    ويُستحب الجلوس عند التبول لأنه:

    • أستر للعورة، وأبعد عن نظر الناس.
    • أحفظ من تطاير النجاسة على الثوب أو البدن.
    • أقرب للحياء والتأدب مع الله تعالى.

    2. جواز البول قائمًا بشروط وضوابط

    مع أن الجلوس هو السنة، إلا أن البول قائمًا جائز إذا توفر شرطان أساسيان:

    1.    أمن الرشاش (تطاير البول):
    يجب على المسلم أن يتحرز من إصابة بدنه أو ثيابه بنجاسة البول، لقوله ﷺ:

    «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله»
    رواه مسلم.

    2.    ستر العورة:
    يجب أن يكون المكان مستورًا لا يرى فيه أحد عورة البائل، امتثالًا لأمر الشرع بحفظ العورة.

    وقد ثبت أن النبي ﷺ بال قائمًا في موضع واحد فقط، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه:

    «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سُبَاطَة قوم فبال قائمًا»
    رواه البخاري ومسلم.

    وهذا يدل على جواز الفعل عند الحاجة أو وجود عذر، كما قال العلماء.

  • آراء الفقهاء في حكم البول واقفًا

    . رأي جمهور العلماء

    يرى جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن:

    البول قائماً مكروه كراهة تنزيهٍ، إلا لعذر.

    وقد علل الإمام النووي ذلك بقوله:

    “يُكره البول قائمًا بلا عذر كراهة تنزيه، ولا يُكره للعذر.”
    (المجموع 2/100)

    ويُقصد بكراهة التنزيه: أن الفعل لا يُحرم، لكن تركه أفضل وأكمل في الأدب والاقتداء بالنبي ﷺ.

    2. رأي الحنفية وبعض المحققين

    ذهب بعض فقهاء الحنفية ومن وافقهم إلى أن الأصل الإباحة، ما دام المسلم يأمن تطاير البول وانكشاف العورة، واستدلوا بحديث حذيفة رضي الله عنه المذكور سابقًا، وقالوا:

    لا يصح القول بالكراهة مطلقًا، لأن النبي ﷺ فعله، والأصل في أفعاله الإباحة ما لم يدل دليل على خلافها.

    3. الجمع بين الأحاديث

    جمع العلماء بين حديث حذيفة وحديث عائشة رضي الله عنها بقولهم إن:

    • النبي ﷺ كان غالب فعله البول قاعدًا اتباعًا للأدب والستر.
    • وبال قائمًا في بعض الأحوال الخاصة لبيان الجواز أو لعذرٍ من وجعٍ أو لضيق المكان.

    وهذا الجمع هو الرأي الراجح، كما اختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله.

  • حالات يُستحب فيها البول قائمًا

    قد يكون البول واقفًا جائزًا أو أفضل في بعض الظروف، منها:

    1.    عند الحاجة أو المشقة في الجلوس، مثل:

    o       وجود ألم في الظهر أو الركبة.

    o       أو عند استخدام المراحيض العامة المتسخة التي يتعذر الجلوس عليها.

    2.    في الأماكن العامة المغلقة التي تضمن ستر العورة، كدورات المياه الحديثة المزودة بالحواجز.

    3.    إذا كان الشخص في موضع لا يمكن فيه الجلوس دون أن يصاب برشاش البول.

    وفي هذه الحالات لا إثم على المسلم ما دام يلتزم بآداب الطهارة ويتجنب إصابة النجاسة لثيابه.

  • آداب البول في الإسلام

    من الأدب الشرعي الذي حث عليه الإسلام عند قضاء الحاجة:

    1.    الاستتار عن الناس:
    قال ﷺ: «من ستر الله عليه عورته في الدنيا ستر الله عليه عورته في الآخرة».

    2.    الابتعاد عن طريق الناس ومواطن جلوسهم.

    3.    عدم التحدث أثناء قضاء الحاجة.

    4.    الاستنزاه من البول (أي التنزه عن إصابة الثوب أو البدن به).

    5.    الاستبراء بعد التبول للتأكد من خروج جميع قطرات البول قبل الاستنجاء.

  • خلاصة الحكم

    الحالة

    الحكم

    التعليل

    البول جالسًا

    سنة وأفضل

    اتباعًا لهدي النبي ﷺ

    البول قائمًا بلا عذر

    مكروه كراهة تنزيه

    لاحتمال تطاير النجاسة

    البول قائمًا لعذر (وجع، ضيق مكان، نجاسة الموضع)

    جائز بلا كراهة

    لفعل النبي ﷺ في بعض الأحوال

    البول قائمًا مع تطاير النجاسة

    محرم

    لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة

  • الخاتمة

    يتضح من مجموع النصوص وأقوال العلماء أن البول قائمًا جائز في الإسلام إذا أُمِنَت النجاسة وانكشاف العورة، لكنه مكروه من غير حاجة، لأن هدي النبي ﷺ الغالب هو البول قاعدًا.
    ولذلك، فالمسلم الحكيم يجمع بين طهارة الجسد وأدب السلوك، فيتحرى الموضع والهيئة التي تحفظ كرامته وتوافق هدي نبيه ﷺ.

    قال تعالى:
    {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [التوبة: 108].