أولو العزم من الرسل: تعريفهم وفضلهم وخصائصهم

الحمد لله الذي أرسل الرسل مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حُجّة بعد الرسل، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وبعد:
يُعدّ موضوع أولو العزم من الرسل من القضايا المهمة في العقيدة الإسلامية، إذ يتعلق بأشرف خلق الله، الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته، وجعل لهم منزلة خاصة ودرجة رفيعة بين سائر الأنبياء. وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم في مواضع متعددة، مقرونًا بمدح صبرهم وثباتهم أمام الابتلاءات العظيمة.

جاء في قوله تعالى:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35].

وقد اختلف العلماء في تحديد من هم أولو العزم:

• قال بعضهم: جميع الرسل هم أولو عزم، لأن كل رسول صاحب صبر وحزم وثبات.
• وقال جمهور العلماء: إنهم خمسة من الرسل:
  النبي محمد ﷺ، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام.

والدليل على ذلك قوله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7].

قال المفسرون: عطف الله هؤلاء الخمسة على عموم الأنبياء يدل على تميزهم وزيادتهم في الفضل.

سُمّوا بذلك لما تحلّوا به من:

• العزم الشديد على تبليغ الدعوة.
• الصبر الطويل على تكذيب أقوامهم وإيذائهم.
• الثبات على الحق رغم شدّة الابتلاء.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هم ذوو الحزم والصبر".
وقال الضحاك: "هم أهل الجدّ في طاعة الله والثبات على أمره".

خصّهم الله بصفات عظيمة:

• عن نوح: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3].
• عن إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120].
• عن موسى: {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69].
• عن عيسى: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران: 45].
• عن نبينا محمد ﷺ: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

وفي السنة: قال النبي ﷺ: "أنا سيد الناس يوم القيامة" [متفق عليه].

- سيدنا محمد ﷺ

• خاتم الأنبياء، وأفضل الخلق أجمعين.
• وُلد في مكة عام الفيل (571م)، وبُعث بالرسالة وهو ابن أربعين عامًا.
• دعا إلى التوحيد، وواجه الأذى من قريش، ثم هاجر إلى المدينة وأقام الدولة الإسلامية.
• تحلّى بأكمل الأخلاق، حتى وصفه ربه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
• توفي في المدينة المنورة عام 632م، ودفن في حجرته بجوار المسجد النبوي.

2- سيدنا نوح عليه السلام

• أول رسول إلى الأرض بعد انتشار الشرك.
• دعا قومه 950 عامًا إلى عبادة الله.
• كذّبه أكثر قومه، فأهلكهم الله بالطوفان ونجّى المؤمنين معه في السفينة.
• قيل دُفن في المسجد الحرام، وقيل في "كرك نوح" بلبنان.

3- سيدنا إبراهيم عليه السلام

• الملقب بخليل الرحمن.
• جادل قومه في عبادة الأصنام وحطّمها بيده.
• ابتُلي بالنار فأنقذه الله، وابتُلي بذبح ابنه إسماعيل ففداه الله بذبح عظيم.
• جعله الله إمامًا للناس، واتخذه خليلاً.
• يُنسب إليه معظم الأنبياء بعده، ومنهم نبينا محمد ﷺ.

4- سيدنا موسى عليه السلام

• كليم الله وأعظم أنبياء بني إسرائيل.
• وُلد في زمن فرعون، الذي كان يقتل أبناء بني إسرائيل.
• أنجاه الله من البحر وهو طفل، ثم بعثه رسولًا إلى فرعون.
• أُيّد بالمعجزات، كالعصا التي انقلبت حيّة، وانشقاق البحر.
• أُعطي التوراة، وأُرسل لهداية بني إسرائيل.

5- سيدنا عيسى عليه السلام

• ابن مريم العذراء البتول.
• وُلد بمعجزة من غير أب، ونطق في المهد شاهدًا بعبوديته لله.
• أنزل الله عليه الإنجيل، وأيده بمعجزات مثل إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص.
• بشّر ببعثة النبي محمد ﷺ.
• لم يُصلب ولم يُقتل، بل رفعه الله إليه، وسيعود في آخر الزمان علامة كبرى من علامات الساعة.

• اتفق العلماء على أن أعظمهم محمد ﷺ.
• ثم يليه إبراهيم عليه السلام.
• ثم موسى عليه السلام.
• ثم وقع خلاف بين العلماء في المفاضلة بين نوح وعيسى عليهما السلام.

قال ابن كثير: "ولا خلاف أن محمدًا ﷺ أفضلهم، ثم إبراهيم، ثم موسى على المشهور".

• أهل الجنة متفاوتون في الدرجات.
• أولو العزم من الرسل لهم المقام الأعلى.
• نبينا محمد ﷺ في أعلى درجة (الوسيلة)، وهي خاصة به.
• ثم تليها منازل بقية أولو العزم بحسب فضلهم عند الله.

1.   الصبر والثبات على الحق مهما طال الطريق.

2.   التضحية في سبيل الله بالأهل والنفس والمال.

3.   الثقة بوعد الله والنصر على الأعداء.

4.   الدعوة إلى التوحيد هي جوهر رسالتهم جميعًا.

5.   الاقتداء بأخلاقهم وصبرهم في مواجهة التحديات.

إن أولو العزم من الرسل هم قمم بشرية وهبها الله عز وجل عزيمة صادقة وصبرًا عظيمًا، فاصطفاهم من بين سائر خلقه لحمل الرسالة السماوية. وقد ميّزهم بالابتلاءات العظيمة التي واجهوها بثبات وصبر، ليكونوا قدوة للبشرية جمعاء. ولا شك أن خاتمهم محمد ﷺ هو سيد ولد آدم وأفضلهم على الإطلاق، وبه خُتمت الرسالات.

نسأل الله أن يرزقنا التأسي بهم، والثبات على الحق، وأن يجعلنا من أتباعهم الصادقين.