من هم الأخسرون أعمالاً؟ تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)

تعرف على تفسير قوله تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} من سورة الكهف، مع بيان سبب نزولها وإعرابها وأقوال المفسرين كالطبري وابن كثير، واكتشف من هم الأخسرون أعمالًا وكيف يتجنب المسلم صفاتهم ليحافظ على صلاح عمله.

من هم الأخسرون أعمالاً؟ تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)
من هم الأخسرون أعمالاً؟ تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)
  • مقدمة

    قال الله تعالى في سورة الكهف:

    {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}
    [الكهف: 103–105]

    آية عظيمة تكشف عن أخطر خسارة في الوجود؛ إنها خسارة العمل الصالح حين يُؤدَّى بغير إخلاص أو على غير هدى. فالخسران الحقيقي ليس في ضياع المال أو الجاه، بل في أن يبذل الإنسان عمره في عملٍ يظنه حسنًا، فإذا به لا يُقبل عند الله.

  • سبب نزول الآية

    ورد في كتب التفسير، ومنها تفسير الطبري والقرطبي، أن الآية نزلت في أقوامٍ عملوا أعمالًا ظنّوها طاعةً، لكنها كانت على غير إيمان.

    وقد ذُكرت في ذلك عدة روايات:

    1.    قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
    "
    هم أهل حروراء (الخوارج)، كانوا من أشد الناس اجتهادًا، ولكنهم ضلّوا عن الصراط."
    (رواه الطبري بإسناده).

    2.    وقال سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك:
    "
    هم اليهود والنصارى، لأنهم ظنّوا أنهم على هدى، فكذّبوا بمحمد ﷺ، فبطلت أعمالهم."

    3.    وقال قتادة:
    "
    هم المشركون الذين كانوا يظنون أنهم على شيء من الدين، فأخطأوا السبيل."

    وخلاصة الأقوال أن سبب النزول عامٌّ في كل من اجتهد بغير علم أو عبد الله على غير بصيرة، سواء كان من أهل الكتاب، أو من المبتدعين في الأمة.

  • تفسير الآية عند كبار المفسرين

    ???? تفسير الطبري

    قال الإمام الطبري:

    “أمر الله نبيَّه ﷺ أن يخبر عباده عن الأخسرين أعمالًا، أي الذين ضاع سعيهم في الدنيا والآخرة، لأنهم كانوا يظنون أنهم يحسنون العمل وهم في ضلال.”

    وبيّن أن الآية تشمل كل من عبد الله على غير شريعة صحيحة، سواء من أهل الأديان الباطلة أو من المبتدعين في الإسلام.

    ???? تفسير ابن كثير

    قال ابن كثير:

    “الآية نزلت في الكفار الذين عبدوا الله على غير طريقٍ شرعي، فعملوا أعمالًا باطلة يظنون أنها حسنة، كعبادة المشركين، والرهبان المنقطعين في الصوامع، واليهود والنصارى الذين كذبوا رسل الله.”

    وأشار إلى أن المعنى يمكن أن يتناول من يعمل العمل الصالح بغير إخلاص أو على بدعة، إذ قال:

    “من كان على غير طريق السنة، فعمله مردود وإن ظنّ أنه على خير.”

    ???? توضيح دار الإفتاء المصرية

    ذكرت دار الإفتاء أن الآية تحمل رسالة وعظٍ لكل من يغتر بعمله، فليس كل من اجتهد مُحسنًا، بل المحسن من وافق أمر الله وسنة نبيه ﷺ، مشيرةً إلى أن الخسران في العمل نوعان:

    1.   خسران الكافر: لأن الكفر يحبط جميع الأعمال.

    2.   خسران المسلم المبتدع أو المرائي: لأن الإخلاص شرط القبول.

    ???? تفسير الإسلام سؤال وجواب

    جاء في فتوى الموقع (رقم 103088):

    “الآية تشمل كل من يعمل على غير هدى، سواء من الكفار أو من المبتدعين الذين يظنون أنهم على الحق، فكل من خالف منهج النبي ﷺ في العبادة والعمل فهو داخل في التحذير.”

  • إعراب قوله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)

    • قُلْ: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنت).
    • هَلْ: حرف استفهام، والغرض منه التقرير والتنبيه.
    • نُنَبِّئُكُمْ: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (نحن)، والكاف مفعول به أول، والميم علامة الجمع.
    • بِالْأَخْسَرِينَ: جار ومجرور متعلق بـ(ننبئكم)، وهو المفعول الثاني للفعل.
    • أَعْمَالًا: تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة.

    والمعنى: أخبركم أيها الناس من هم أشد الناس خسرانًا في أعمالهم؟

    ثم جاء الجواب في قوله تعالى:

    {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ}
    أي: الذين ضاع جهدهم في غير ما ينفع، بسبب كفرهم أو ضلالهم عن الحق.

  • التحليل اللغوي والبلاغي

    • الأخسرين: صيغة تفضيل من الخُسران، أي أكثر الناس خسارة.
    • أعمالًا: جاءت نكرة للدلالة على الشمول، أي كل أعمالهم مهما كثرت فهي خاسرة.
    • وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا: جملة تحمل أبلغ صور الغرور الذاتي، إذ يجمعون بين الجهل والعمل، فيظنون أنهم على الهدى وهم في الضلال.

    الآية بذلك تصور مأساة النفس التي تضل عن الصراط وتظن نفسها من أهل الهدى، وهي أشد أنواع الخسران.

  • المعنى العام والدلالة الإيمانية

    المعنى الإجمالي للآية:
    يأمر الله نبيه ﷺ أن يخبر الناس عن أكثر الخلق خسارةً في أعمالهم، وهم أولئك الذين اجتهدوا في الطاعة أو العبادة، ولكن على غير توحيد ولا اتباع، فكانت أعمالهم هباءً منثورًا.

    فالآية تحمل تحذيرًا بليغًا من أن يُؤدَّى العمل بلا علم أو إخلاص، لأن الله لا يقبل إلا ما كان خالصًا صوابًا، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله:

    “أخلصه وأصوبه؛ فإن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على سنة رسول الله ﷺ.”

  • الدروس المستفادة من الآية

    1.   الإخلاص أساس القبول: لا يقبل الله عملًا يراد به غير وجهه.

    2.   ضرورة الاتباع لا الابتداع: العمل المقبول ما وافق السنة.

    3.   العلم قبل العمل: من عمل بغير علم ضلّ سعيه.

    4.   الحذر من الغرور الديني: فليس كل من ظنّ نفسه مهتديًا يكون كذلك.

    5.   المراجعة المستمرة للنفس والنية: حتى لا تنقلب الحسنات إلى سيئات.

    6.   الإيمان شرط النجاة: فالكفر يحبط الأعمال كلها مهما عظمت.

    7.   قيم التواضع والمساءلة الذاتية: فالمؤمن لا يغتر بعمله بل يخاف من عدم قبوله.

  • كيف يتجنب المسلم أن يكون من الأخسرين أعمالاً؟

    • بإخلاص النية لله في كل قولٍ وعمل.
    • وباتباع سنة النبي ﷺ وترك البدع.
    • وبالتفقه في الدين قبل العمل، حتى يكون العمل على بصيرة.
    • وبالابتعاد عن الرياء والعجب، لأنهما من أعظم أسباب الحبوط.
    • وبالاستمرار في التوبة والاستغفار، إذ بهما يُصلح الله العمل ويضاعف الأجر.
  • الخاتمة

    الآية الكريمة {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} دعوة صريحة للمراجعة والتقويم الذاتي.
    فليست المشكلة أن نعمل، بل أن نعمل بغير وعيٍ واتباع، ثم نلقى الله فنُفاجأ أن أعمالنا قد حبطت.

    فلنحرص على أن يكون عملنا خالصًا لله، موافقًا لسنة رسوله ﷺ، عسى أن نكون من الفائزين، لا من الأخسرين أعمالًا.