حكم صيام المرأة الحامل إذا رأت الدَّم أثناء صومها

تناول المقال حكم الدَّم الَّذي تراه المرأة الحامل أثناء صيام رمضان، وذكرنا حكمه إن كان نزفًا مستمرًّا، وحكمه في بداية الحمل ونهايته وحالة المخاض، ومتى يجب عليها الإفطار حالة النَّزف.

حكم صيام المرأة الحامل إذا رأت الدَّم أثناء صومها
  • أوَّلاً: هل يجوز للمرأة الحامل الصِّيام إذا رأت الدَّم؟

    الخلاف بين الفقهاء في صيام الحامل إذا رأت الدَّم وعدمه يعود إلى الخلاف في حكم الدَّم الَّذي تراه في مدَّة الحمل:

    ·      هل هو دم حيض فيكون صيامها غير صحيح ولا يجوز لها الصِّيام حتَّى ينقطع الدَّم،

    ·      أم هو دم استحاضة فيكون صيام الحامل حينها إذا رأت الدَّم صحيحًا ويجوز لها الصِّيام،

     

    ونفصِّل أقوال الفقهاء في المسألة:

     

    اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا بشأن الحامل إذا رأت الدَّم أثناء الحمل هل هو دم حيض فتسري عليه أحكام الحيض من ترك الصَّلاة وقراءة القرآن وغيرها من الأحكام الَّتي تترتَّب على الحيض، أم هو دم استحاضة بسبب علَّةٍ ما، فتسري عليه أحكام الاستحاضة،

    فاختلفوا فيما بينهم على قولين:

    ·           

    ·      القول الأوَّل: يرى الحنفيَّة والحنابلة:

    ·           

    أنَّ ما تراه المرأة الحامل من دمٍ أثناء الحمل ليس بحيض، وإنَّما هو دم فسادٍ، فلا تَدَعُ له الصَّلاة ولا تفطر بسببه، روي ذلك عن عائشة، وابن عبَّاس، وثوبان، وهو قول جمهور التَّابعين، واستدلُّوا بما يأتي:

    1- حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- قال:

    (لا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ، وَلا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ)،

    ولو قلنا: الحامل تحيض لبطلت دلالة الحديث؛ لأنَّه لا يكون حينها للتَّفريق بين الحامل والحائل معنىً [والحائل هي المرأة غير الحامل].

    2- حديث سالم عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أنَّه طلَّق امرأته وهي حائضٌ، فذكر عمر -رضي اللَّه عنه- ذلك للنَّبيِّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- فقال:

    (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا)،

    والحديث جعل الحمل علمًا على عدم الحيض؛ كما جعل الطُّهر علمًا على عدم الحيض.

    ·           

    ·      القول الثَّاني: يرى المالكيَّة والشَّافعيَّة (في الجديد)، وهو المعتمد في المذهب:

    ·           

    أنَّ ما تراه المرأة الحامل من دمٍ هو دم حيضٍ تترك به الصَّلاة والصِّيام، واستدلُّوا بما يأتي:

    1- إطلاق الآية:

    (وَيَسْأَلُونَكَ ‌عَنِ ‌الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) سورة البقرة [222]،

    فالحكم هنا عامٌّ لا يختصُّ بحيضٍ خارجٍ من حاملٍ أو غيرها.

    2- حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنَّ الرَّسول -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- قال:

    (إذَا ‌كَانَ ‌دَمُ ‌الْحَيْضَةِ ‌فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ)،

    فالحديث مطلق لم يفرِّق بين الحامل وغير الحامل،

    وقد رُدَّ على هذا الاستدلال: بأنَّه ربَّما تغيَّر دم الحيض إلى الحمرة، ودم الاستحاضة إلى السَّواد، فلا يمنع أن يكون الحيض موصوفًا بالسَّواد مع السَّلامة، فليست الصِّفة الظَّاهرة دليلاً كافيًا للحكم بأنَّه دم حيض.

    3- ما روي عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَتُصَلِّي؟ قَالَتْ:

    (‌لَا ‌تُصَلِّي ‌حَتَّى ‌يَذْهَبَ ‌عَنْهَا ‌الدَّمُ)،

    ورُدَّ على هذا الاستدلال: بأنَّه قد وردت رواياتٌ كثيرةٌ عن السَّيِّدة عائشة رضي اللَّه عنها: أنَّ الحامل لا تحيض، وأنَّها تغتسل وتصلِّي.

    وقد وجَّه ابن قدامة (من الحنابلة) هذه الرِّوايات: بأنَّه يُحمَل قولها على الحبلى الَّتي قاربت الوضع جمعًا بين قوليها. فإنَّ المرأة الحامل إذا رأت الدَّم قريبًا من ولادتها، فهو نفاسٌ تَدَعُ له الصَّلاة على مذهبهم.

    ·      وبعد استعراض رأي الفريقين وأدلَّتهم يتبيَّن -واللَّه أعلم- صحَّة رأي القائلين بأنَّ المرأة الحامل لا تحيض، فما تراه من دم هو دم فسادٍ وعلَّةٍ.

    ·      ففي العلم البيولوجيِّ يطلقون عليه الحيض الكاذب، حتَّى لو كان في موعده، ويعود سبب نزول الدَّم من النَّاحية الطِّبِّيَّة إلى أسبابٍ عصبيَّةٍ وظيفيَّةٍ.

    ·      كما أنَّ النَّظر العميق في الأدلَّة الثَّابتة الصَّحيحة يؤكِّد أنَّ الحمل نقيضٌ للحيض، فهما لا يلتقيان، وأنَّ الدِّماء الَّتي قد تنزل على المرأة أثناء حملها تتنوَّع بتنوُّع أسباب المرض، وإن كان ظاهرها أنَّه دمٌ وافق عادة المرأة.

  • ثانيًا: ما حكم صيام المرأة الحامل إذا كان الدَّم مستمرًّا؟

    وبمعنًى آخر: هل يؤثِّر النَّزيف أثناء الحمل على صحَّة الصِّيام؟

    ·      إذا كان الدَّم الَّذي تراه الحامل مستمرًّا وفي غير وقت الولادة فهو دم استحاضةً، والاستحاضة لا تؤثِّر على صحَّة الصِّيام، فيكون الصِّيام صحيحًا، ويجوز لها الصِّيام ما دام الصِّيام في هذه الحالة لا يؤثِّر عليها ولا يسبِّب لها ضررًا،

    ·      فإن أمرها الطَّبيب بالفطر جاز لها أن تفطر وتقضي صيامها في وقتٍ لاحقٍ.

    وبناءً على ذلك فإنَّ النَّزيف لا يؤثِّر على صحَّة صيام الحامل لأنَّه دم استحاضةٍ.

  • ثالثًا: هل يجب على المرأة الحامل الإفطار إذا رأت الدَّم؟

    ·      إذا كان الدَّم نزيفًا ولا يؤثِّر على صحَّتها أو صحَّة الجنين، يمكنها الاستمرار في الصِّيام؛

    ·      ولكن إذا نصحها الطَّبيب بالإفطار حفاظًا على صحَّتها وصحَّة الجنين، فيجب عليها الإفطار وقضاء الأيَّام لاحقًا،

    فالأمر يعود في ذلك إلى تأثير النَّزيف أو الدَّم على صحَّتها أو صحَّة جنينها.

  • رابعًا: هل يختلف حكم النَّزيف في بداية الحمل أو نهايته أو حالة المخاض؟

    ·      لا يختلف الحكم في الدَّم الَّذي تراه الحامل أثناء حملها إذا كان النَّزيف في بداية الحمل أو نهايته، بل هو دم استحاضةٍ على مذهب الحنفيَّة والحنابلة، ودم حيضٍ على مذهب المالكيَّة والشَّافعيَّة.

    ·      وإنَّما الخلاف في المسألة في حكم الدَّم الَّذي تراه الحامل نهاية الحمل حالة المخاض، فربَّما يستمرُّ المخاض أيَّامًا وربَّما ساعات، فاختلف الحنفيَّة والحنابلة في هذه الحالة في حكم الدَّم بين أن يكون دم نفاسٍ أو دم استحاضةٍ.

    ·           

    والفرق بين الحالتين:

    -        أنَّ الدَّم في بداية الحمل على الغالب يكون دم علَّةٍ وربَّما كان بسبب انغراس البويضة في جدار الرَّحم، فهو دم استحاضةٍ باتِّفاق الحنفيَّة والحنابلة الَّذين يعتبرون أنَّ النَّزيف أثناء الحمل أو الدَّم الَّذي تراه الحامل أثناء حملها هو دم استحاضةٍ.

    -        أمَّا الدَّم الَّذي تراه الحامل في نهاية حملها حالة المخاض فمشتبهٌ به بين أن يكون دمًا بسبب الولادة فهو دم نفاسٍ فيسري عليه أحكام النِّفاس من ترك الصَّلاة والصِّيام، أو هو دم استحاضةٍ أيَّ بسبب علَّةٍ مرضيَّةٍ أودت لنزول هذا الدَّم فتسري عليه أحكام الاستحاضة.

    -           

    ومذاهبهم في المسألة:

    -        ذهب الحنفيَّة إلى أنَّ ما تراه المرأة الحامل حالة المخاض، وكذلك ما تراه الحامل حالة المخاض وقبل خروج أكثر الولد فهو دم استحاضة عندهم، واستدلُّوا: بقول عائشة رضي اللَّه عنها: (الحَامِلُ لَا تَحِيضُ).

    -        وذهب الحنابلة إلى أنَّ الدَّم الَّذي تراه الحامل قبل الولادة بيومين أو ثلاثةٍ دم نفاسٍ وإن كان لا يعد من مدَّة النِّفاس.

    -           

    وبناءً على ذلك فصوم الحامل حالة المخاض صحيحٌ على مذهب الحنفيَّة إلى أن تتمَّ الولادة ويخرج الولد، وهو غير صحيحٍ على مذهب الحنابلة لأنَّه دم نفاسٍ لا يصحُّ الصَّوم معه.

    -           

    مقالات ذات صلة:

    (حكم صيام الحامل والمرضع في رمضان).

    (الواجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان).

    تنبيه هام:

    إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةً بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.