مدة غياب الزوج عن زوجته شرعاً: الأحكام والضوابط
تعرف على الحكم الشرعي في مدة غياب الزوج عن زوجته، وأقوال الفقهاء حول أقصى مدة للغياب بسبب العمل أو السفر، مع الأدلة من القرآن والسنة وآراء العلماء المعاصرين.

-
مقدمة
الزواج في الإسلام ميثاق غليظ يقوم على المودة والرحمة والتكامل بين الزوجين، ومن أهم مقاصده حفظ النفس والعفاف، وتكوين أسرة مستقرة تعيش في ظل السكينة والرضا. ومن الحقوق الأساسية في الحياة الزوجية الحق في الاستمتاع والمعاشرة بالمعروف، وهو حق متبادل بين الزوج والزوجة.
ومن القضايا التي يكثر السؤال عنها: ما الحد الأقصى لغياب الزوج عن زوجته شرعاً؟ وهل يجوز له أن يسافر للعمل أو لغيره فترات طويلة دون إذنها؟ هذه المسألة نالت اهتماماً واسعاً من الفقهاء قديمًا وحديثًا، لما لها من أثر مباشر على استقرار الحياة الزوجية. -
الأساس الشرعي لحق الزوجة في معايشة زوجها
1. نصوص القرآن الكريم
- قال الله تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
هذه الآية الكريمة أصل في وجوب حسن العشرة، ويشمل ذلك المعاشرة الجسدية والنفسية. - وقال سبحانه:
﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: 226].
استنبط العلماء من هذه الآية أن المدة التي لا يجوز للزوج أن يحرم فيها زوجته من حقها تزيد عن أربعة أشهر إلا برضاها.
2. السنة النبوية الشريفة
ورد أن النبي ﷺ أنكر على بعض الصحابة الذين أرادوا الانقطاع عن الزواج أو ترك المعاشرة بحجة العبادة، وقال:
«إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (متفق عليه).
وهذا دليل على أن إشباع الغريزة بالطرق المشروعة من سنن الأنبياء وضروريات الحياة. - قال الله تعالى:
-
أقوال الصحابة والتابعين في تقدير مدة الغياب
- روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتفقد أحوال الرعية، فسمع امرأة تنشد شعراً تشتكي غياب زوجها المجاهد، فسأل ابنته حفصة رضي الله عنها: "كم تصبر المرأة عن زوجها؟" فقالت: "خمسة أشهر أو ستة أشهر"، فأمر عمر ألا يُرسل الجنود في الغزو أكثر من ستة أشهر: شهرين ذهاباً وإياباً وأربعة أشهر إقامة.
- اعتمد الفقهاء على هذا الأثر، واعتبروه اجتهاداً من عمر رضي الله عنه يراعي حاجة النساء وفطرة الإنسان.
- روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتفقد أحوال الرعية، فسمع امرأة تنشد شعراً تشتكي غياب زوجها المجاهد، فسأل ابنته حفصة رضي الله عنها: "كم تصبر المرأة عن زوجها؟" فقالت: "خمسة أشهر أو ستة أشهر"، فأمر عمر ألا يُرسل الجنود في الغزو أكثر من ستة أشهر: شهرين ذهاباً وإياباً وأربعة أشهر إقامة.
-
آراء الفقهاء في مدة الغياب
1. الحنابلة
يرون أن الغياب لا يجوز أن يزيد على ستة أشهر بغير عذر، فإن طالبت الزوجة بقدومه وجب عليه الرجوع، أو يرفع الأمر للقاضي.2. الشافعية والمالكية
حددوا المدة بأربعة أشهر قياساً على الإيلاء، فإذا غاب الزوج أكثر من ذلك دون رضا الزوجة كان لها الحق في رفع الأمر إلى القضاء.3. الحنفية
يميلون إلى ترك الأمر لتقدير القاضي وفق حال الزوجين وظروفهما، خاصة إن كان الغياب لعذر معتبر كالعمل أو الجهاد أو الحج.4. فتاوى المعاصرين
- يرى الشيخ ابن عثيمين أن الحق في المعاشرة حق للزوجة، فإن رضيت بغياب زوجها ولو سنوات فلا حرج، أما إن طالبت بعودته وجب عليه الرجوع كل ستة أشهر إن لم يكن له عذر.
- وقال الشيخ ابن جبرين: إذا سمحت الزوجة بالغياب طالت المدة أو قصرت، فلا بأس، أما إن طلبت حضوره بعد ستة أشهر فلها ذلك.
- أما الشيخ عطية صقر فشدد على مراعاة تغير الأعراف والزمان، مؤكداً أن طول الغياب قد يفتح أبواب الفتنة، وأن المصلحة تقدر بحسب الظروف.
- يرى الشيخ ابن عثيمين أن الحق في المعاشرة حق للزوجة، فإن رضيت بغياب زوجها ولو سنوات فلا حرج، أما إن طالبت بعودته وجب عليه الرجوع كل ستة أشهر إن لم يكن له عذر.
-
بين النص والاجتهاد وتغير الزمان
من المعلوم أن الاجتهادات التي وضعها الصحابة والفقهاء كانت في زمن معين له خصائصه، أما اليوم فقد تغيرت الظروف:
- سهولة المواصلات تسمح للزوج بالعودة أو التواصل مع أهله بشكل أسرع.
- كثرة الفتن تجعل غياب الزوج أو الزوجة فترة طويلة سبباً للانزلاق في الحرام.
- اختلاف قوة الإيمان والتحمل بين الأفراد، فهناك من تستطيع الصبر أشهراً وهناك من تعجز عن ذلك.
وعليه فإن الأصل الشرعي هو حق الزوجة في العشرة والمعاشرة، وما زاد عن أربعة أو ستة أشهر دون رضاها يوجب تدخل القاضي.
- سهولة المواصلات تسمح للزوج بالعودة أو التواصل مع أهله بشكل أسرع.
-
حكم غياب الزوج لأجل العمل
- إذا كان الغياب لضرورة كطلب الرزق أو التعليم أو العلاج، ورضيت الزوجة، فلا إثم عليه ولو طالت المدة.
- إذا رفضت الزوجة الغياب، أو خافت على نفسها الفتنة، فالأصل أن يعود إليها أو يتم الاتفاق على مدة محددة.
- بعض القوانين المعاصرة حددت المدة بسنة كاملة، وبعدها يحق للزوجة طلب الطلاق دفعاً للضرر.
- إذا كان الغياب لضرورة كطلب الرزق أو التعليم أو العلاج، ورضيت الزوجة، فلا إثم عليه ولو طالت المدة.
-
الضوابط الشرعية لغياب الزوج
1. أن يكون الغياب بعذر مشروع (عمل، حج، علاج…).
2. أن يؤمن الزوج على زوجته المسكن والنفقة والستر.
3. أن يراعي طبيعة زوجته: شابة أو كبيرة، قوية الإيمان أو ضعيفة.
4. أن لا يطيل الغياب بلا سبب معتبر، لئلا يعرّض نفسه وزوجته للفتنة.
5. إذا طلبت الزوجة رجوعه بعد المدة المقررة شرعاً (أربعة أو ستة أشهر) وجب عليه ذلك، وإلا فلها حق اللجوء إلى القضاء.
-
الآثار السلبية لطول غياب الزوج
- على الزوجة: قد يسبب الفراغ العاطفي والنفسي، ويعرضها للوساوس والفتن.
- على الزوج: قد يضعف التزامه الديني أو يقع في المعصية لغياب زوجته.
- على الأسرة: غياب القدوة في البيت، وتشتت الأبناء وضعف العلاقة الزوجية.
- على المجتمع: كثرة حالات الطلاق والانحراف بسبب عدم مراعاة الضوابط الشرعية.
- على الزوجة: قد يسبب الفراغ العاطفي والنفسي، ويعرضها للوساوس والفتن.
-
خاتمة
غياب الزوج عن زوجته قضية حساسة تحتاج إلى موازنة دقيقة بين ضرورات الحياة العملية وحقوق الأسرة الشرعية. وقد أجمع العلماء على أن الأصل هو حق الزوجة في المعاشرة، وأن الغياب لا يجوز أن يتجاوز أربعة أو ستة أشهر إلا برضاها. وفي زماننا الحاضر، مع اختلاف الأعراف وسهولة المواصلات، ينبغي للزوج أن يراعي المصلحة الأسرية، وأن لا يجعل السعي وراء الرزق سبباً لتفكك الأسرة وضياع الحقوق.
إن الحل الأمثل هو الحوار والاتفاق بين الزوجين، وإذا وقع الخلاف فالقضاء الشرعي هو المرجع للفصل بينهما. فالإسلام دين العدل، ولا ضرر ولا ضرار.