حكم جماع الزوجة في الحيض والنفاس في المذاهب الأربعة
تعرف على حكم جماع الزوجة في فترة الحيض والنفاس في الإسلام، مع أقوال المذاهب الأربعة: الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة. نوضح الأدلة الشرعية من القرآن والسنة، وحكم الكفارة، والخلاف الفقهي، والراجح من أقوال العلماء، بأسلوب مبسط وموثوق.

-
مقدمة
شرع الله تعالى الزواج لبناء المودة والرحمة بين الزوجين، وأباح الاستمتاع المشروع بينهما في حدود ما أذن به الشرع، قال تعالى:
﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187].لكن من رحمة الله بعباده أن جعل لكل حالٍ من أحوال المرأة حكماً خاصاً، ومن ذلك حالة الحيض والنفاس، حيث نهى الله تعالى عن إتيان المرأة في هذه الفترة، حمايةً لها وصوناً لصحة الزوجين معاً.
وقد وقع الاتفاق بين العلماء على تحريم الوطء في الفرج زمن الحيض والنفاس، لكنهم اختلفوا في بعض التفصيلات المتعلقة بحدود الاستمتاع، وحكم من وقع في ذلك، وما يلزمه من التوبة أو الكفارة.
-
الدليل على حرمة جماع الحائض والنفساء
1. من القرآن الكريم
قال الله تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].فالآية نصٌّ صريح على حرمة قربان المرأة في زمن الحيض، أي: الوطء في الفرج.
2. من السنة النبوية
- قال رسول الله ﷺ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» (رواه مسلم).
- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: «ما فوق الإزار» (رواه أبو داود).
- وعن ميمونة رضي الله عنها: «كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض، أمرها أن تأتزر ثم يباشرها» (رواه البخاري).
وهذه النصوص مجتمعة تؤكد تحريم الوطء، مع إباحة الاستمتاع بغير الجماع.
- قال رسول الله ﷺ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» (رواه مسلم).
-
حكم الاستمتاع بغير الجماع
· الحنفية، المالكية، الشافعية: قالوا بجواز الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة فقط، مستدلين بحديث «ما فوق الإزار»، سداً للذريعة حتى لا يقع الرجل في الوطء المحرم.
· الحنابلة: أجازوا الاستمتاع بجميع بدن المرأة الحائض ما عدا الفرج، لحديث: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح».
الراجح والأحوط: قول الجمهور، لأن الاستمتاع بما بين السرة والركبة قد يكون ذريعة للوقوع في المحظور، فالأخذ بالأحوط أليق بحال الناس.
-
حكم من جامع زوجته في الحيض أو النفاس
1. مذهب الحنفية
- يحرم الوطء، ومن فعله فقد ارتكب كبيرة.
- لا تجب عليه كفارة، وإنما عليه التوبة والاستغفار.
2. مذهب المالكية
- الوطء في الحيض أو النفاس حرام.
- لا كفارة فيه، بل يكتفى بالتوبة، لأنه فعل محرم للأذى ولم يرد نص صريح بوجوب الكفارة.
3. مذهب الشافعية
- اتفقوا على التحريم.
- لا تجب الكفارة، وإنما التوبة.
4. مذهب الحنابلة
- الوطء في الحيض أو النفاس محرم.
- قال الإمام أحمد في رواية: لا كفارة، وإنما التوبة.
- وقال في رواية أخرى، وهي الأرجح عند الحنابلة: تجب الكفارة، وهي التصدق بدينار أو نصف دينار، للحديث الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:
«إذا أتى الرجل امرأته وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار» (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني).
- يحرم الوطء، ومن فعله فقد ارتكب كبيرة.
-
مقدار الكفارة عند من أوجبها
- الكفارة هي: دينار أو نصف دينار من الذهب.
- الدينار يعادل (4.25 جراماً من الذهب الخالص تقريباً).
- التخيير بين الدينار الكامل أو نصفه ثابت بالنص.
والحنابلة ألحقوا بالحكم الزوجة إذا طاوعت زوجها، فيلزمها الكفارة كذلك.
- الكفارة هي: دينار أو نصف دينار من الذهب.
-
حكم من جامع جاهلاً أو ناسياً
- الجمهور: لا إثم عليه، ولا كفارة، لأن الجهل عذر.
- الحنابلة: تلزمه الكفارة ولو كان جاهلاً أو ناسياً، لعموم الحديث.
- الجمهور: لا إثم عليه، ولا كفارة، لأن الجهل عذر.
-
حكم وضع الحائل (كالواقي الذكري)
أجمع العلماء على أن وجود الحائل لا يبيح الوطء في الحيض أو النفاس، ولا يسقط الإثم أو الكفارة عند من أوجبها، لأنه ما زال يسمى جماعاً في الفرج.
-
الحكمة من تحريم الجماع زمن الحيض والنفاس
1. حكمة طبية:
- الحيض والنفاس حالة يكثر فيها الدم وتضعف مقاومة الجسم، والجماع قد يؤدي إلى التهابات أو عدوى.
- الأطباء المعاصرون يثبتون خطورة الجماع في هذه الفترة على الرجل والمرأة معاً.
2. حكمة تربوية:
- تعليم الزوجين الانضباط الشرعي وضبط الشهوة.
3. حكمة شرعية:
- التزام أمر الله، وابتلاء العبد بالانقياد لحكم الشرع.
- الحيض والنفاس حالة يكثر فيها الدم وتضعف مقاومة الجسم، والجماع قد يؤدي إلى التهابات أو عدوى.
-
الترجيح
بعد عرض أقوال العلماء، يتبين:
- أن الأصل المتفق عليه: حرمة الجماع زمن الحيض والنفاس.
- وأن الجمهور لا يرون كفارة، وإنما التوبة.
- وأن الحنابلة أوجبوا الكفارة استناداً إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
والراجح: وجوب الكفارة كما قال الحنابلة، لأن الحديث صحيح صريح، والعمل به أحوط للديْن، وهو ما يفتي به كثير من المحققين المعاصرين.
- أن الأصل المتفق عليه: حرمة الجماع زمن الحيض والنفاس.
-
الخاتمة
جماع الزوجة في زمن الحيض أو النفاس من الكبائر، لقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾، وهو محرم باتفاق الأئمة الأربعة.
- من وقع فيه فعليه التوبة الصادقة: بالندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة.
- والأحوط أن يخرج الكفارة بدينار أو نصفه من الذهب، كما هو مذهب الحنابلة.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الأحاديث إذا ثبتت وجب العمل بها، ولا يعدل عنها إلى القياس أو الاستحسان".
فالعبد المؤمن لا يضعف أمام شهوته، بل يقدّم رضا الله على هواه، ويعلم أن التوبة باب مفتوح لمن أخطأ.
- من وقع فيه فعليه التوبة الصادقة: بالندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة.