هل قطرة العين تفطر الصائم؟ دراسة فقهية شاملة
هل قطرة العين تفطر في نهار رمضان؟ تعرف على الخلاف بين العلماء، وأقوى الأدلة الشرعية والطبية، مع فتوى كبار العلماء حول حكم تقطير العين أثناء الصيام، وأفضل الممارسات الشرعية للمريض الصائم.

جدول المحتويات
-
مقدمة
يكثر التساؤل في شهر رمضان المبارك عن الأحكام المتعلقة بمفطرات الصيام، خصوصًا مع تطور الوسائل الطبية ودخول مواد علاجية عبر المنافذ غير المعتادة كالعين والأنف والأذن. ومن هذه المسائل الدقيقة: حكم استخدام قطرة العين أثناء الصيام. وقد وقع فيها خلاف بين العلماء، وهو من الخلافات التي تستند إلى تحقيق مناط المسألة وفهم طبيعة العين كمنفذ للجوف.
في هذا المقال، نستعرض أقوال العلماء بالتفصيل، مع بيان أدلة كل مذهب، وتحقيق القول الراجح في ضوء مقاصد الشريعة والمعطيات الطبية المعاصرة.
-
خلاصة الخلاف الفقهي في المسألة
اختلف الفقهاء في حكم التقطير في العين أثناء الصوم على قولين مشهورين:
-
القول الأول: أن قطرة العين تفطر إن وصل أثرها إلى الحلق
وهو مذهب المالكية والحنابلة، وعلتهم في ذلك أن العين منفذ إلى الجوف، وإن لم يكن طريقًا معتادًا للأكل أو الشرب. فإذا وصل شيء من القطرة إلى الحلق عن طريق العين، فإن هذا يوجب الفطر.
أدلتهم:
- أن ما وصل إلى الجوف من منفذ مفتوح، ولو غير معتاد، يفطر، كالأنف والأذن والعين.
- قوله ﷺ: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» [رواه أبو داود والترمذي]، واستُنبط منه أن ما يصل إلى الجوف من منفذ غير الفم يفطر.
- قياس العين على الأنف من حيث كونها منفذًا.
نص الإمام ابن قدامة (الحنبلي): "إن وصل شيء إلى حلقه من الكحل أفطر، لأنه أوصله إلى حلقه باختياره" [المغني، 3/125].
- أن ما وصل إلى الجوف من منفذ مفتوح، ولو غير معتاد، يفطر، كالأنف والأذن والعين.
-
القول الثاني: أن قطرة العين لا تفطر مطلقًا
وهو مذهب الحنفية (في الأصح)، وقول جماعة من أهل العلم المعاصرين، وهو كذلك اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن باز والعلامة ابن عثيمين وغيرهم من المحققين.
أدلتهم:
- أن العين ليست منفذًا مفتوحًا إلى الجوف، ولا تُعد من المسالك المعتادة للغذاء أو الشرب.
- عدم وجود نص شرعي صريح يدل على أن ما يدخل عن طريق العين يفطر.
- الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل صحيح وصريح بخلافه.
- التقطير في العين ليس من فعل الأكل أو الشرب ولا في معناهما، فلا ينقض الصوم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الكحل والقطرة ونحوهما مما لا يُغذى ولا يصل منه إلى الجوف ما يُغذّي، فهذا لا يفطر" [الفتاوى الكبرى، 2/107].
وقال الإمام ابن عثيمين: "الصحيح أن الكحل لا يفطر، ولو وجد طعمه في حلقه؛ لأن العين ليست منفذًا، وما ورد في المبالغة في الاستنشاق لا يقاس عليه" [الشرح الممتع، 6/377].
- أن العين ليست منفذًا مفتوحًا إلى الجوف، ولا تُعد من المسالك المعتادة للغذاء أو الشرب.
-
المعطيات الطبية الحديثة ودورها في الترجيح
تشير الدراسات الطبية المعاصرة إلى ما يلي:
- العين ليست موصلة مباشرة إلى الجوف، بل تنتقل المواد من خلالها عن طريق القنوات الدمعية إلى الأنف، ومنه قد يُستشعر طعمها في الحلق في حال كانت القطرة شديدة التركيز أو استُخدمت بكمية كبيرة.
- لكن هذه الكمية التي قد تُستشعر في الحلق ضئيلة جدًا لا تغذي الجسم ولا تقصد للتغذية، فلا تُعد في حكم الأكل والشرب، مما يُعزز القول بعدم الإفطار.
- العين ليست موصلة مباشرة إلى الجوف، بل تنتقل المواد من خلالها عن طريق القنوات الدمعية إلى الأنف، ومنه قد يُستشعر طعمها في الحلق في حال كانت القطرة شديدة التركيز أو استُخدمت بكمية كبيرة.
-
موقف المجامع الفقهية والفتاوى المعاصرة
قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي
نصَّ على أن:
"التقطير في العين لا يفطر، وإن وجد الصائم طعمه في الحلق، لأنه ليس منفذًا معتادًا."
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
"لا بأس باستعمال قطرة العين في نهار رمضان، ولا تفطر بذلك، ولو أحسّ بطعمها في الحلق، لأن العين ليست منفذًا معتادًا للجوف."
فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله
"قطرة العين لا تفطر، ولو وجد الصائم طعمها في حلقه، لأن العين ليست منفذًا للجوف."
فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين –4 رحمه الله
"الأحوط أن يتجنبها نهارًا، ولكن الصحيح أنها لا تفطر، لأن العين ليست منفذًا."
-
الجمع بين الأقوال وخلاصة الترجيح
عند جمع الأدلة الشرعية، ومراعاة مقاصد الشريعة في عدم التكليف بما لا دليل عليه، ومع الاستئناس بالمعطيات الطبية، فإن الراجح – والله تعالى أعلم – هو أن التقطير في العين لا يفسد الصوم، سواء أحس بطعمه في الحلق أم لا، لأنه لا يُعد أكلًا ولا شربًا، ولا هو في معناهما، ولا يدخل من منفذ مفتوح للجوف.
لكن الأولى والأحوط للمسلم أن يؤخر التقطير إلى الليل إن لم يكن مضطرًا إليه في النهار، خروجًا من الخلاف، واحتياطًا للدين.
قال رسول الله ﷺ: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» [رواه الترمذي والنسائي].
-
توجيهات عملية للصائم بخصوص قطرة العين
1. يجوز التقطير في العين في نهار رمضان، ولا حرج في ذلك.
2. لا يجب القضاء بسبب استعمال قطرة العين، حتى لو وجد طعمها في الحلق.
3. إن احتاج المريض إلى استخدام القطرة نهارًا فليفعل، ولا يضره ذلك.
4. الأفضل تأجيل استعمال القطرة إلى الليل لمن لا يحتاجها نهارًا.
5. من احتاط وقضى يومًا استعمل فيه القطرة فهو مأجور، لكنه غير ملزم شرعًا بذلك.
-
خاتمة
إن مسألة قطرة العين من المسائل التي تبرز فيها رحمة الشريعة الإسلامية ويسرها، وحرصها على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، وخصوصًا المرضى الذين يحتاجون للعلاج في نهار رمضان. وبعد النظر في أقوال العلماء والأدلة الشرعية والمعطيات الطبية، يتبين أن القول بعدم إفطار الصائم بسبب قطرة العين هو الأقرب للصواب، وهو الموافق لأصول الشريعة ومقاصدها.
قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].