حكم إغماض العينين عند ورود الأفكار السيئة وفي الصلاة

تعرف في هذا المقال على الحكم الشرعي لإغماض العينين عند ورود الأفكار السيئة وفي الصلاة، وأقوال العلماء في المسألة، والرأي الراجح بين المذاهب، مع نصائح عملية لتحقيق الخشوع دون بدعة.

حكم إغماض العينين عند ورود الأفكار السيئة وفي الصلاة
حكم إغماض العينين عند ورود الأفكار السيئة وفي الصلاة
  • مقدمة

    من أكثر ما يشغل المسلم في عباداته هو البحث عن الوسائل التي تعينه على الخشوع وصفاء القلب، خصوصًا في زمنٍ تتزاحم فيه الأفكار والمشاغل. ومن الوسائل التي يلجأ إليها بعض الناس إغماض العينين سواء داخل الصلاة أو خارجها، رغبة في طرد الوساوس أو التركيز في الذكر. لكن ما الحكم الشرعي في ذلك؟ وهل يعد بدعة أو مكروهًا؟ هذا ما سنبينه في هذه المقالة المفصلة المبنية على أقوال الفقهاء والمصادر الشرعية الموثوقة.

  • حكم إغماض العينين خارج الصلاة

    اتفق العلماء على أنه لا حرج في تغميض العينين خارج الصلاة، سواء كان ذلك عند ورود أفكار سيئة، أو أثناء الذكر، أو التأمل في خلق الله، فالأمر في ذلك من باب المباحات.
    فمن أغمض عينيه ليصرف ذهنه عن فكرة محرّمة أو وسوسةٍ مزعجة فلا إثم عليه، بل هو تصرف محمود إذا كان الغرض منه تهذيب النفس ودفع الخواطر التي تفسد القلب.

    قال العلماء إن النية هي المعيار في هذا الفعل:

    • فإن قصد به المرء عبادة لم تشرع، كاعتقاد أن إغماض العينين عبادة مستقلة، فهو بدعة.
    • وإن كان الغرض منه دفع الوسوسة أو تحقيق حضور القلب، فهو وسيلة مباحة لتحقيق المقصود الشرعي وهو الخشوع والطمأنينة.

    وقد نص الفقهاء على قاعدة عظيمة في هذا الباب:

    «الوسائل لها أحكام المقاصد»
    فما كان وسيلةً إلى الخير فهو مأذون به، وما كان وسيلةً إلى الغرور أو الابتداع فهو منهي عنه.

  • حكم إغماض العينين في الصلاة

    اختلف الفقهاء في حكم تغميض العينين أثناء الصلاة، على قولين مشهورين:

    القول الأول: الكراهة

    ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية إلى أن تغميض العينين في الصلاة مكروه، مستدلين بما رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

    «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ»
    (رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وابن عدي، وهو حديث ضعيف لكن يستأنس به).

    كما عللوا الكراهة بعدة أمور:

    • أن فيه تشبها باليهود في صلاتهم.
    • أنه مظنة النوم وفقدان التركيز.
    • أنه تركٌ للسنة، لأن السنة أن يرمي المصلي ببصره إلى موضع سجوده.
    • وأن كل عضوٍ له حظ من العبادة، وحظ العين هو النظر إلى موضع السجود بتواضع وخشوع.

    قال الكاساني في بدائع الصنائع (1/503):

    "يُكره لأن السنة أن يرمِي ببصره إلى موضع السجود، وفي التغميض تركٌ لذلك".

    وقال صاحب تحفة الملوك (1/84):

    "تغميض العينين في الصلاة مكروه، لأنه يخالف هيئة النبي ﷺ".

    القول الثاني: الجواز بل الاستحباب عند الحاجة

    ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لا يُكره تغميض العينين إذا كان لتحقيق الخشوع، بل قد يكون هو الأولى والأقرب إلى مقاصد الشرع في بعض الحالات.

    قال الإمام النووي رحمه الله:

    "المختار أنه لا يُكره تغميض العينين إن لم يخف ضررًا، لأنه يجلب الخشوع ويمنع من تشتت النظر."

    وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/283):

    "إذا كان الخشوع يحصل بفتح العينين فهو أولى، وإن كان أخشع له تغميض العينين لوجود ما يشغله عن الصلاة من زخارف ونقوش، فلا يُكره، بل القول باستحبابه أقرب إلى مقاصد الشرع من القول بالكراهة."

    وقال ابن عابدين في حاشيته:

    "ليس ببعيد القول بأولوية التغميض لمن خاف تشويش الخاطر بسبب النظر."

  • الجمع بين القولين والرأي الراجح

    عند التأمل في أقوال العلماء، نجد أن المسألة تدور على العلة، فإن وجدت الكراهة علتها وجدت، وإن انتفت علتها زالت.
    فإذا كان فتح العينين لا يخل بالخشوع، فالسنة أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده اقتداءً بالنبي ﷺ.
    أما إذا كان النظر يشوش على المصلي أو يثير الوساوس، أو أمامه ما يلهيه من زخارف وجماليات، فله أن يغمض عينيه ولا كراهة في ذلك، بل قد يكون مستحبًا.

    إذن: الراجح: أن تغميض العينين مباح، ويكون مستحبًا عند الحاجة لتحقيق الخشوع، ومكروهًا من غير سبب.
    ولا تبطل الصلاة به في أي حال، لأنه ليس من مبطلاتها باتفاق الفقهاء.

  • هل يعد إغماض العينين بدعة؟

    البدعة في الشرع هي:

    "إحداث أمرٍ في الدين لم يكن له أصل في الشرع، يُقصد به التعبد لله تعالى."

    وعليه:

    • إذا أغمض المسلم عينيه ظانًّا أن ذلك عبادة مخصوصة يتقرب بها إلى الله، فهذا بدعة محدثة.
    • أما إذا أغمضهما لتحصيل الخشوع أو لدفع الوساوس، فهذا ليس بدعة بل من الوسائل المباحة لتحقيق الغاية المشروعة.

    فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

    "الأفعال التي تعين على العبادة إذا لم يقصد بها التعبد لذاتها، فليست بدعة، بل وسيلة مشروعة."

    وعليه، فإغماض العينين عند ورود الأفكار السيئة أو أثناء الصلاة لا يعد بدعة مطلقًا، ما دام المقصود به دفع الوساوس لا التعبد بذاته.

  • الجانب التربوي والإيماني في دفع الوساوس

    الأفكار السيئة والخواطر الدخيلة هي من مكائد الشيطان التي يريد بها صرف العبد عن الخشوع في عبادته. وقد أرشدنا النبي ﷺ إلى علاج ذلك بالاستعاذة والدفع وعدم الالتفات.

    قال ﷺ:

    «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتهِ»
    (رواه البخاري ومسلم).

    فمن ابتلي بوساوس في صلاته أو أثناء ذكره، فليعلم أن العلاج الحقيقي هو الاستعاذة بالله، والانشغال بالذكر، وتجديد نية الحضور بين يدي الله، لا الاقتصار على الوسائل الجسدية فقط كإغماض العينين.

  • نصائح عملية لتحقيق الخشوع دون الحاجة إلى إغماض العينين

    1.   التهيؤ للصلاة بإسباغ الوضوء واستحضار عظمة الله قبل الدخول فيها.

    2.   النظر إلى موضع السجود أثناء القيام، وإلى الأنف أثناء السجود، فهذا أدعى للتركيز.

    3.   الاستعاذة بالله من الشيطان عند الشعور بالوسوسة.

    4.   فهم ما يُقرأ من الآيات والتدبر في معانيها.

    5.   تخفيف الزخارف والصور في مكان الصلاة.

    6.   تجنب العجلة في الركوع والسجود، لأن السكون من جوهر الخشوع.

    7.   الابتعاد عن الصلاة حال انشغال البال أو التعب الشديد.

    8.   الاجتهاد في الدعاء بعد الصلاة لتثبيت الخشوع في القلب.

  • حكم إغماض العينين أثناء السجود

    لا يجب على الساجد أن يغمض عينيه ولا أن يفتحهما وجوبًا، بل كلا الأمرين جائز.
    فالسنة أن ينظر إلى أرنبة أنفه أثناء السجود كما ورد في السنة النبوية، فإن كان ذلك يحقق له التركيز والخشوع فليفعل، وإن شغله عن ذلك شيء فليغمض عينيه بلا حرج.

  • خاتمة

    خلاصة القول:
    إن إغماض العينين عند ورود الأفكار السيئة أو أثناء الصلاة ليس بدعة، بل هو أمر مباح، ويكون مستحبًا عند الحاجة لتحقيق الخشوع. أما من فعله بلا سبب أو اعتقد أنه عبادة بحد ذاتها فهو مخالف للسنة.
    والأفضل للمسلم أن يقتدي بالنبي ﷺ في النظر إلى موضع السجود، وأن يجتهد في تحصيل الخشوع القلبي، لأن الخشوع لا يكون بإغماض العينين فقط، بل بحضور القلب وتدبر المعاني واستحضار الوقوف بين يدي الله جل جلاله.

    قال الله تعالى:
    ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
    (سورة المؤمنون: 1-2)