أحكامُ نَجاسةِ ما يخرجُ من جسمِ الإنسانِ (المُبَسَّطَةُ)
تَناوَلَتِ المَقالَةُ أحكامَ نَجاسةِ ما يخرجُ من جسمِ الإنسانِ بدءًا بالقاعدةِ العامَّةِ التَّي تحكمُ الموضوعَ ثمَّ ببيانِ هذه النَّجاساتِ وأحكامِ الفقهاءِ فيها معَ ذِكرِ مثالٍ واقعيٍّ لكلٍّ منها تبسيطًا للموضوعِ ما أمكنَ.
جدول المحتويات
-
المُقَدِّمَةٌ: القاعدةُ العامَّةُ في نَجاسةِ ما يخرجُ من جسمِ الإنسانِ
· النَّجاسةُ هي كلُّ ما يُعتبَرُ غيرَ طاهرٍ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، ويجبُ على المسلمِ التَّطهُّرُ منه قبلَ الصَّلاةِ وأداءِ العباداتِ.
· والقاعدةُ العامَّةُ في نَجاسةِ ما يخرجُ من جسمِ الإنسانِ أنَّ: كلَّ ما يخرجُ من جسمِ الإنسانِ، ويستلزمُ الوضوءَ أو الغُسلَ عندَ خروجِه يُعدُّ نَجسًا كالبَولِ والغائطِ والمَذي والوَدي وغيرها.
· وسنوضِّحُ في هذهِ المَقالَةِ ما يخرجُ من جسمِ الإنسانِ من النَّجاساتِ مع بيانِ أمثلتِها على الواقعِ وهي: البولُ - الغائطُ - المذيُ - الوديُ - المنيُّ - دمُ الحيضِ والنِّفاسِ والاستحاضةِ - الدَّمُ السَّائلُ من الجروحِ.
-
أوّلًا: البولُ
· البولُ هو سائلٌ يخرجُ من الإنسانِ، ويجمعُ الفقهاءُ على أنَّه نَجِسٌ، ويجبُ التَّطهُّرُ منه بعدَ خروجِه، وينتقضُ الوضوءُ بسببِه.
-
ثانيًا: الغائطُ
· الغائطُ هو الفضلاتُ الصَّلبةُ التَّي تخرجُ من الأمعاءِ، ويجبُ التَّطهُّرُ منها.
· الأمثلةُ العمليَّةُ على المسألةِ:
§ عندَ التَّبوُّلِ أو التَّبرُّزِ، يجبُ على الشَّخصِ بعدَ ذلكَ غَسلُ المكانِ الَّذي أصابهُ البولُ أو الغائطُ بالماءِ الطاهرِ، والتَّأكُّدُ من إزالةِ أيِّ أثرٍ، ثمَّ القيامُ بالوضوءِ إن أرادَ الصَّلاةَ.
-
ثالثًا: المذيُ
· المذيُ هو سائلٌ لزجٌ أبيضُ يخرجُ عندَ التَّفكيرِ في الجِماعِ أو عندَ الملاعبةِ،
كما جاءَ في النِّهايةِ في غريبِ الحديثِ لابنِ الأثيرِ:
(لا يجبُ الغُسلُ من المذيِ، ولكنَّهُ يستوجبُ الوضوءَ).
وجاءَ في "فقهِ السُّنةِ" لسيِّدِ سابق وصفُ المذيِ بأنَّهُ:
(ماءٌ لزجٌ يخرجُ عندَ الشَّهوةِ، سواءٌ من الرَّجلِ أو المرأةِ).
· الأمثلةُ العمليَّةُ على المسألةِ:
§ إذا داعبَ الرَّجلُ المتزوّجُ زوجتَهُ، فخرجَ منهُ المذيُ. هذا السَّائلُ لا يستوجبُ الغُسلَ الكاملَ، ولكن يجبُ غَسلُ العضوِ وما أصابَهُ المذيُ وتطهيرُهُ، ثمَّ الوضوءُ.
§ كذلكَ عندَ رؤيةِ مشاهدٍ مثيرةٍ للشَّهوةِ أو التَّفكيرِ في الجِماعِ، قد يخرجُ المذيُ. في هذه الحالةِ، يجبُ تنظيفُ الملابسِ أو تغييرُها إذا أصابَها المذيُ، ثمَّ الوضوءُ للصلاةِ.
-
رابعًا: الوديُ
· الوديُ هو سائلٌ ثخينٌ يخرجُ بعدَ البولِ، وهو نَجِسٌ أيضًا، ويجبُ الوضوءُ عندَ خروجِه.
· والفَرقُ بينَ الوَديِ والمَذيِ:
§ أنَّ الوديَ يخرجُ بعدَ البولِ.
§ أمَّا المذيُ، فيخرجُ بعدَ الشَّهوةِ.
· الأمثلةُ العمليَّةُ على المسألةِ:
§ بعدَ التَّبوُّلِ، قد يُلاحِظُ الشَّخصُ وجودَ سائلٍ ثخينٍ أبيضَ اللونِ وهذا هو (الوديُ). في هذه الحالةِ، يجبُ عليهِ غَسلُ العضوِ المصابِ بالوديِ والقيامُ بالوضوءِ.
-
خامسًا: المنيُّ
· المنيُّ هو السَّائلُ الَّذي يخرجُ عندَ الجِماعِ أو الاحتلامِ، وقد اختلفَ العلماءُ في حكمِه:
§ الإمامُ أبو حنيفةَ ومالكٌ -رحمهما اللَّهُ- يرونَ أنّ المنيَّ نَجِسٌ.
§ أمَّا الإمامُ الشَّافعيُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ في أصحِّ الروايتينِ عنهما، وكذلكَ مذهبُ الظاهريَّةِ، يرونَ أنَّ المنيَّ طاهرٌ. وقد نقلَ الإمامُ النَّوويُّ في "نيلِ الأوطارِ" عن كثيرٍ من الفقهاءِ وأهلِ الحديثِ أنَّ المنيَّ طاهرٌ، وروي ذلكَ عن الصَّحابةِ مثلَ عليّ بنِ أبي طالبٍ وسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ وعبدِ اللّهِ بنِ عمرَ وعائشةَ -رضيَ اللَّهُ عنهم-.
· الأمثلةُ العمليَّةُ على المسألةِ:
§ عندَ خروجِ المنيِّ نتيجةَ الجِماعِ أو الاحتلامِ، يجبُ على الشَّخصِ الاغتسالُ (الغُسلُ) الكاملُ. وهذا يُعتبرُ من الطَّهارةِ الواجبةِ في هذه الحالةِ.
-
سادسًا: دمُ الحيضِ والنِّفاسِ والاستحاضةِ
· ودمُ الحيضِ: هو الدَّمُ الَّذي يخرجُ من المرأةِ في وقتِ الدَّورةِ الشَّهريَّةِ. وهو نَجِسٌ ويستلزمُ الغُسلَ بعدَ انتهاءِ الدَّورةِ.
· دمُ النِّفاسِ: هو الدَّمُ الَّذي يخرجُ من المرأةِ بعدَ الولادةِ، وهو نَجِسٌ أيضًا ويستلزمُ الغُسلَ.
· دمُ الاستحاضةِ: هو الدَّمُ الَّذي يخرجُ في غيرِ أوقاتِ الحيضِ المعتادةِ، ويستوجبُ الوضوءَ عندَ خروجِه.
· الأمثلةُ الواقعيّةُ على المسألةِ:
§ النساءُ في أثناءِ فترةِ الحيضِ، أو بعدَ الولادةِ (النِّفاسِ) يعتبرُ الدَّمُّ الخارجُ منهنَّ نَجِسًا. وعندَ انتهاءِ فترةِ الحيضِ أو النِّفاسِ، يجبُ عليهنَّ الاغتسالُ (الغُسلُ) قبلَ الصَّلاةِ.
§ الدَّمُّ الَّذي تراهُ المرأةُ خارجَ أوقاتِ الحيضِ والنِّفاسِ يعدُّ دمَ استحاضةٍ، وهو دمٌ نَجِسٌ. يتوجّبُ على المرأةِ في هذه الحالةِ تغييرُ ملابسِها أو الفوطةِ الصِّحِّيَّةِ ثمَّ الوضوءُ قبلَ أداءِ الصَّلاةِ.
-
سابعًا: الدَّمُ السَّائلُ من الجروحِ
· الدَّمُ الَّذي يخرجُ من الجروحِ نَجِسٌ، لكن يُعفى عن القليلِ منهُ، أي إذا كانتِ الكمِّيَّةُ صغيرةً فلا يُعدُّ نَجاسةً أو غيرَ طاهرٍ.
· كما يُعفى عن القيحِ والصَّديدِ، وهي إفرازاتٌ تخرجُ من الجروحِ، وذلكَ بناءً على قولِ ابنِ تيميةَ الَّذي ذكرَ في "إغاثةِ اللهفانِ" أنّه لا يوجدُ دليلٌ على نَجاسةِ القيحِ والصَّديدِ، ولذلك لا يجبُ غَسلُ الثَّوبِ أو الجسدِ منهما.
· الأمثلةُ العمليَّةُ على المسألةِ:
§ إذا أُصيبَ شخصٌ بجروحٍ صغيرةٍ في أثناءِ العملِ، أو في المنزلِ، وخرجَ منهُ دمٌ، لا يجبُ عليهِ إعادةُ الوضوءِ إذا كانَ الدَّمُ قليلًا (يسيرًا)، ولكن إن كانَ كثيرًا، يجبُ تنظيفُ الجرحِ وإزالةُ الدَّمِ، وقد يستوجبُ الوضوءَ إن أرادَ الصَّلاةَ.
-
ثامنًا: الخلاصةُ
كلُّ ما يخرجُ من جسمِ الإنسانِ يُعتبرُ نَجسًا إذا كانَ يتطلَّبُ الوضوءَ أو الغُسلَ، مثلَ البولِ والغائطِ والمذيِ والوديِ ودمِ الحيضِ والنِّفاسِ والاستحاضةِ. ويُستثنى من ذلكَ المنيُّ، حيثُ يختلفُ العلماءُ في حكمِه، فمنهم من يرى أنَّه نَجِسٌ، ومنهم من يرى أنَّه طاهرٌ، مع اتِّفاقِهِم على وجوبِ الغُسلِ بخروجِهِ.
-
تاسعًا: الأَدِلَّةُ والمَراجِعُ العِلْمِيَّةُ
1. البدائع للكاساني، ج 1، ص 60: "القاعدةُ في هذا النَّوعِ هي: كُلُّ ما يَخرُجُ مِن بَدَنِ الإنسانِ مِمَّا يَجِبُ بِخُروجِهِ الوُضوءُ أو الغُسلُ فهو نَجِسٌ."
2. النهايةُ في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، ج 4، ص 312: "المَذْيُ هو البَلَلُ اللَّزِجُ الَّذي يَخرُجُ مِن الذَّكَرِ عند مُلاعَبَةِ النِّساءِ ولا يَجِبُ فيه الغُسلُ."
3. فقه السُّنة، تأليف سيد سابق، ج 1، ص 16: "المَذْيُ ماءٌ أبيضُ لَزِجٌ يَخرُجُ عندَ التَّفكيرِ في الجِماعِ أو عند مُلاعَبَةِ الرَّجُلِ زَوجَتَهُ ويَكونُ مِن الرَّجُلِ والمرأةِ."
4. النهايةُ لابن الأثير، ج 5، ص 169: "الوديُ هو ماءٌ ثَخِينٌ يَخرُجُ بَعدَ البَولِ."
5. مختصرُ الإنصافِ والشرحِ الكبيرِ في فقهِ الحنابلةِ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص 53: يُعْفَى عن يَسِيرِ الدَّمِ.
6. إغاثةُ اللهفان، ج 1، ص 151، قال شيخُنا - ابنُ تيمية: "لا يَجِبُ غَسلُ الثَّوبِ ولا الجَسَدِ مِن المُدَّةِ والقَيْحِ والصَّدِيدِ، ولم يَقُم دَليلٌ على نَجاستِه."
7. نيلُ الأوطارِ للشوكاني، ج 1، ص 54 والمحلى لابن حزم، ج 1، ص 125: "رُوِيَ ذلك عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ وسعدِ بنِ أبي وقاصٍ وابنِ عُمَرَ وعائشةَ رضي اللهُ تعالى عنهم."
8. بدائعُ الصَّنائع للكاساني، ج 1، ص 60: حُكمُ نَجاسةِ المَنِيِّ عندَ أبي حنيفةَ ومالكٍ.
9. الشرحُ الكبيرُ للدرديرِ وحاشيةُ الدَّسوقي، ج 1، ص 56: طَهَارَةُ المَنِيِّ عندَ الشافعيِّ وأحمدَ بنِ حنبلٍ.
تنبيه هام:
إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةٌ بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.