الفرق بين قوله تعالى: ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ في النار و﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ في الجنة في سورة الزمر
اكتشف الفرق البلاغي والتفسيري بين قوله تعالى: ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ في النار و﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ في الجنة في سورة الزمر، مع أقوال المفسرين وأسرار الإعجاز القرآني التي تكشف روعة البيان ومعنى الجزاء من جنس العمل.

-
مقدمة
تُعد سورة الزمر من السور المكية العظيمة التي عرضت مشاهد مهيبة من يوم القيامة، وأظهرت بجلاء مصير الطائعين والعاصين. ومن أبرز مشاهدها ما ورد في قوله تعالى:
· في مشهد الكفار:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 71].· وفي مشهد المؤمنين:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73].وقد يتساءل القارئ: لماذا جاءت الآية في مشهد النار بدون حرف الواو ﴿فُتِحَتْ﴾، بينما في مشهد الجنة جاءت بالواو ﴿وَفُتِحَتْ﴾؟ هذا الاختلاف الحرفي الدقيق يفتح لنا باباً لفهم بلاغي عميق ومعانٍ تفسيرية متباينة، فيها من الرهبة والبشارة ما يناسب حال الفريقين.
-
الدلالة البلاغية لحرف الواو
1. الفرق بين "فُتِحَت" و"وَفُتِحَت"
· ﴿فُتِحَتْ﴾ في النار: جاءت بلا واو، لأن فتح أبواب جهنم أمر مفاجئ، يشبه فتح أبواب السجون أمام المجرمين. فالأصل أن الأبواب مغلقة بإحكام، ولا تُفتح إلا عند إلقاء أهلها فيها. وهذا يعكس الرهبة والمفاجأة والهلع، إذ يساق الكفار وهم لا يدرون ما ينتظرهم، فإذا وصلوا إليها فُتِحَت فجأة ليُلقى بهم في العذاب.
· ﴿وَفُتِحَتْ﴾ في الجنة: جاءت بالواو لتفيد أن الأبواب مفتوحة منذ زمن طويل، وأن المؤمنين يساقون إليها وهم يرونها مشرعة من بعيد، فيزدادون سروراً وفرحاً. والواو هنا إمّا أن تكون للعطف على مقدّر (أي: حتى إذا جاؤوها وقد فُتحت أبوابها)، أو للحال، مما يدل على أن الأبواب كانت مهيّأة مفتوحة لاستقبالهم منذ البداية.
2. الأثر النفسي
- في النار: المفاجأة بالفتح تولّد الخوف والرعب.
- في الجنة: انتظار الأبواب المفتوحة يولّد البشارة والطمأنينة.
وهذا يتوافق تماماً مع طبيعة المآل: النار موطن رهبة، والجنة موطن رحمة وكرامة.
- في النار: المفاجأة بالفتح تولّد الخوف والرعب.
-
المشهد الكامل لدخول النار والجنة
1. دخول النار
قال تعالى:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ [الزمر: 71].- السياق هنا سياق إهانة وإذلال؛ يساقون بالعنف كما تساق البهائم.
- فإذا جاؤوها، فُتحت أبوابها فجأة، فيجدون أمامهم ملائكة العذاب بالتقريع والتوبيخ:
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ [الزمر: 71].
2. دخول الجنة
أما المؤمنون فقد قال الله عنهم:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر: 73].- هذا السوق سوق تكريم وإكرام، كما يساق الملوك إلى قصورهم.
- والأبواب مفتحة تنتظرهم، ويستقبلهم الملائكة بالتحية:
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾. - فيدخلونها مطمئنين، خالدين في النعيم.
- السياق هنا سياق إهانة وإذلال؛ يساقون بالعنف كما تساق البهائم.
-
من أقوال المفسرين والعلماء
- الزمخشري: يرى أن حذف الواو في النار فيه معنى المفاجأة والرهبة، بينما إثباتها في الجنة فيه معنى التهيئة والإكرام.
- الرازي: الواو في الجنة للعطف على محذوف، تقديره: "حتى إذا جاؤوها وقُرِّبوا إليها وفتحت أبوابها".
- ابن عاشور: الأبواب في الجنة مفتحة دوماً كما في قوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: 50].
- ابن عثيمين: يرى أن الواو يمكن أن تكون للحال، أي: حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها، مما يعني أن الأبواب سبقت بالفتح إكراماً لهم.
- الزمخشري: يرى أن حذف الواو في النار فيه معنى المفاجأة والرهبة، بينما إثباتها في الجنة فيه معنى التهيئة والإكرام.
-
أسرار بيانية إضافية
1. موقع جواب الشرط:
o في النار: جواب الشرط واضح: ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾.
o في الجنة: جواب الشرط غير مذكور، مما يشير إلى أن النعيم لا يسعه وصف، وأن أي تعبير سيقصر عن بيان النعمة العظيمة التي ينالها أهل الجنة.
2. التناغم مع السياق:
o النار: التقريع بعد الفتح يناسب المشهد.
o الجنة: التحية والتهنئة بعد الفتح تعكس اللطف والكرامة.
3. تدرّج المشاعر:
o في النار: من الخوف عند السوق → إلى الرعب عند فتح الأبواب.
o في الجنة: من الفرح عند السير إليها → إلى الطمأنينة عند رؤية الأبواب المفتوحة → إلى النعيم الأبدي.
-
الحكمة الإيمانية والتربوية
- المؤمن يزداد شوقاً للجنة حين يدرك أنها دار مفتحة الأبواب تنتظره، لا يُمنع عنها ولا يحال بينه وبينها.
- الكافر يدرك أنه وإن عاش في الدنيا حراً، فإن مآله إلى دار مغلقة، لا تفتح إلا ليدخلها مقهوراً.
- المشهدان يرسخان قاعدة قرآنية عظيمة: الجزاء من جنس العمل.
- المؤمن يزداد شوقاً للجنة حين يدرك أنها دار مفتحة الأبواب تنتظره، لا يُمنع عنها ولا يحال بينه وبينها.
-
الخاتمة
إن الاختلاف بين ﴿فُتِحَتْ﴾ و﴿وَفُتِحَتْ﴾ ليس مجرد اختلاف حرفي، بل هو إعجاز بياني عميق يُبرز تمايز المشهدين:
- أبواب النار مغلقة، لا تُفتح إلا لإلقاء أهلها في العذاب، فيصيبهم الهلع والفزع.
- أبواب الجنة مفتوحة منذ الأزل، مهيأة لاستقبال أهلها، فيدخلونها مطمئنين مرحَّباً بهم.
وبهذا تتجلى عظمة البيان القرآني، حيث يعبر بحرف واحد عن فروق هائلة في المعنى والمشهد والمآل، لتبقى النفوس بين الخوف والرجاء، وبين الرهبة والطمع في رحمة الله.
- أبواب النار مغلقة، لا تُفتح إلا لإلقاء أهلها في العذاب، فيصيبهم الهلع والفزع.