مراتب الغنة في التجويد: تعريفها، أحكامها، وأقوال العلماء فيها
تعرّف في هذا المقال المفصل على معنى الغنّة في علم التجويد، ومراتبها الخمس بحسب أقوال العلماء، مع بيان الفرق بين مراتبها من حيث القوة والزمن. نستعرض الأدلة من القرآن الكريم، ونوضح أمثلة تطبيقية لكل مرتبة، مع ذكر القول الراجح وتفصيلات دقيقة تغني القارئ والباحث في علوم التلاوة والتجويد. المقال شامل ومتكامل ويُعد مرجعًا موثوقًا لمحبي القرآن ودارسي أحكامه.

-
مقدمة
يُعد علم التجويد من أعظم العلوم الشرعية التي تعتني بكلام الله تعالى، ويأتي "باب الغنّة" في مقدمة الأبواب الصوتية فيه، لما للغنة من أثر جمالي وروحي في تلاوة القرآن الكريم. وتتعلق الغنة بالنون والميم أساسًا، وتتنوع مراتبها حسب قوة الغنة وكمالها وزمنها. في هذا المقال، نتناول تعريف الغنة ومراتبها وأقوال العلماء فيها بأسلوب علمي مبسط، مع عرض أمثلة من القرآن الكريم.
-
تعريف الغنة في علم التجويد
الغنة لغة: الصوت، واصطلاحًا: صوت يخرج من الخيشوم (الأنف) لا عمل للّسان فيه، ملازم للنون والميم في جميع أحوالهما، سواءً أكانتا مشددتين أو ساكنتين أو متحركتين.
- مدة الغنة: مقدارها حركتان، أي زمن نطق حرفين متوسطين مثل: "أب" أو "حي".
- حكم الغنة: واجبة في النون والميم المشددتين، ومستحبة أو تبع للحكم في المواضع الأخرى.
- تأثر الغنة بما بعدها: تتبع الغنة الحرف الذي بعدها تفخيمًا وترقيقًا؛ فإن كان الحرف مفخمًا (من حروف: خص ضغط قظ) فُخّمت الغنة، وإن كان مرققًا رققت، باستثناء الخاء والغين فإن الغنة لا تُفخم عند لقائهما بل تُظهر.
- مدة الغنة: مقدارها حركتان، أي زمن نطق حرفين متوسطين مثل: "أب" أو "حي".
-
مراتب الغنة في التجويد
أجمع علماء التجويد على أن للغنة مراتب مختلفة، تتفاوت في القوة والوضوح والزمن. وأشهر الأقوال في هذا الباب ثلاثة، نعرضها مع الرأي الراجح.
القول الأول: خمس مراتب للغنة من حيث القوة
وفقًا لكثير من علماء التجويد، فإن الغنة تتدرج في خمس مراتب على النحو التالي:
1. المرتبة الأولى: الغنة الأكمل والأقوى
- في النون والميم المشددتين، مثل:
- {إِنَّ ٱللَّهَ} [البقرة: 6]
- {حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ} [المسد: 4]
- غنة الإدغام الكامل بغنة، مثل:
- {مِن مَّالٍ} [المؤمنون: 55]
- غنة الإدغام الشفوي، مثل:
- {لَكُم مَّا} [البقرة: 29]
2. المرتبة الثانية: الإدغام الناقص
- تحدث عند التقاء النون الساكنة بـ الواو أو الياء، مثل:
- {مَن يَقُولُ} [البقرة: 8]
- {مِن وَلِيٍّ} [الأنعام: 14]
3. المرتبة الثالثة: الإخفاء الحقيقي
- وتكون الغنة أقل من المرتبتين السابقتين، وتتحقق عند التقاء النون الساكنة أو التنوين بأحد حروف الإخفاء الخمسة عشر، مثل:
- {مِن ثَمَرَةٍ}، {أَنْفُسَهُمْ}، {إِنْ شَاءَ ٱللَّهُ}
- ويُلحق بها:
- الإخفاء الشفوي (الميم الساكنة مع الباء): {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ}
- الإقلاب (النون الساكنة قبل الباء): {مِنۢ بَعْدِ} [البقرة: 27]
4. المرتبة الرابعة: الساكن المظهر
- وتكون الغنة ضعيفة، ويُكتفى فيها بأصل الغنة فقط دون زيادة.
- أمثلتها:
- الإظهار الحلقي: {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}
- الإظهار الشفوي: {لَهُمْ فِيهَا}
- الإظهار المطلق: في كلمات مثل: {بُنْيَان}، {قِنْوَان}
5. المرتبة الخامسة: المتحرك المخفف
- وهي أضعف مراتب الغنة، وتكون في النون والميم المتحركتين، مثل:
- {مَرْيَم}، {نَعِيم}
- الغنة هنا لا تُلاحظ بشكل واضح، لكنها موجودة كأصل صوتي.
القول الثاني: أربع مراتب للغنة من حيث كمالها وزمنها
ويرى هذا الفريق أن عدد مراتب الغنة أربع، مدمجًا المرتبتين الأولى والثانية من القول الأول في مرتبة واحدة:
1. أكمل ما تكون: النون والميم المشددتين والإدغام بغنة.
2. كاملة: الإخفاء بنوعيه.
3. ناقصة: الساكن المظهر.
4. أنقص ما تكون: المتحرك المخفف.
القول الثالث: ثلاث مراتب فقط
اختصر هذا الرأي المرتبة الأخيرة من القول الثاني، فاعتبر أن وجود أصل الغنة فقط لا يُعد مرتبة مستقلة. فصارت:
1. أكمل ما تكون: الإدغام الكامل والمشدد.
2. كاملة: الإخفاء.
3. ناقصة: الساكن المظهر.
- في النون والميم المشددتين، مثل:
-
الرأي الراجح في مراتب الغنة
بعد دراسة الأقوال، يرى أكثر علماء الأداء أن الراجح هو ما يجمع بين الجوانب الصوتية والعملية:
- خمس مراتب من حيث قوة الغنة (كالقول الأول).
- أربع مراتب من حيث الزمن (كالقول الثاني).
وذلك لأن التفريق بين قوة الغنة وزمنها يُراعي الجوانب النظرية والتطبيقية معًا، ويُناسب جميع مستويات الأداء في التلاوة.
- خمس مراتب من حيث قوة الغنة (كالقول الأول).
-
أهمية معرفة مراتب الغنة
- تحسين جودة التلاوة، وتمييز النون والميم من حيث الأداء الصوتي.
- تحقيق التجويد العملي كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- زيادة الخشوع، لأن تلاوة القرآن بإتقان تؤثر في القلب والوجدان.
- اجتناب اللحن الخفي الناتج عن التساهل في أداء الغنة.
- تحسين جودة التلاوة، وتمييز النون والميم من حيث الأداء الصوتي.
-
خاتمة
الغنة من خصائص الأداء القرآني التي لا غنى لقارئ القرآن عنها، ومعرفة مراتبها يرفع جودة التلاوة ويحقق المقصد من التجويد، وهو تلاوة القرآن كما أنزل. فالمسلم الحريص على إتقان كتاب الله تعالى ينبغي له أن يتدرب على هذه المراتب عمليًا، وأن يعرض قراءته على شيخ متقن لضبط الأداء.