حكم كذب الزوج على زوجته في الإسلام وحدوده الشرعية

تعرف على حكم كذب الزوج على زوجته في الإسلام، وضوابط الكذب المباح بين الزوجين، ومتى يكون حرامًا أو جائزًا، مع الأدلة الشرعية وأقوال العلماء.

حكم كذب الزوج على زوجته في الإسلام وحدوده الشرعية
حكم كذب الزوج على زوجته في الإسلام
  • مقدمة

    يُعدّ الصدق من أسمى الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، وهو من أركان الإيمان ومظاهر التقوى، كما قال تعالى:

    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].

    غير أنّ الشريعة الإسلامية الغراء، بما فيها من رحمةٍ وواقعيةٍ، راعت طبائع البشر واختلاف أحوالهم، فرخّصت في بعض المواطن بالكذب تحقيقًا للمصلحة ودفعًا للمفسدة، ومن هذه المواطن ما يكون بين الزوجين في إطار الحفاظ على الألفة والمودة الزوجية.

    فما حكم كذب الزوج على زوجته؟ وما حدوده الشرعية؟ وهل كل كذب في الحياة الزوجية جائز؟ هذا ما سنوضحه بالتفصيل في هذه المقالة المعمقة، المدعّمة بالأدلة الشرعية وأقوال أهل العلم.

  • الكذب في ميزان الشريعة

    الكذب في الأصل حرام تحريمًا قطعيًا، وعدّه الإسلام من خصال النفاق، لقوله ﷺ:

    «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (رواه البخاري ومسلم).

    غير أن الإسلام رخص في ثلاث حالات فقط يجوز فيها الكذب للمصلحة الراجحة، وهي كما ورد في حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، قالت:

    «ما سمعت رسول الله ﷺ يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول يريد به الإصلاح، والكذب في الحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها» (رواه مسلم).

    فدل الحديث على أن الكذب المباح مقيدٌ بثلاث حالات لا غير، ومن بينها ما يكون بين الزوجين لغرضٍ مشروع.

  • معنى الكذب بين الزوجين

    اتفق العلماء على أنّ المقصود بالكذب بين الزوجين ليس الكذب في الحقوق أو الواجبات، وإنما هو في إظهار الودّ والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك مما يُراد به دوام العشرة والمودة.

    قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:

    "وأما كذبه لزوجته وكذبها له، فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين."

    وبهذا يتضح أن الكذب الجائز بين الزوجين هو كذب المحبة لا كذب الخيانة، أي أن يقول الزوج لزوجته ما يُدخل السرور إلى قلبها أو يلين خاطرها، لا ما يُضيع حقوقها أو يُسقط واجبًا عليه.

  • صور الكذب المباح بين الزوجين

    من الأمثلة الجائزة التي ذكرها العلماء على الكذب المباح بين الزوجين:

    • أن يقول الزوج لزوجته: "أنتِ أجمل النساء عندي"، أو "لا أحد أحب إليّ منك".
    • أن يعدها بوعدٍ حسنٍ يقصد به إدخال السرور عليها، كأن يقول: "سأشتري لك كذا إن شاء الله"، وإن لم يكن عازمًا عليه الآن.
    • أن تُظهر الزوجة لزوجها أنها مسرورة بأفعاله، وتبالغ في الثناء عليه بقصد استمرار الألفة.

    قال ابن حجر في فتح الباري:

    "واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يُسقط حقًّا عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها."

  • الكذب المحرم في العلاقة الزوجية

    أما الكذب الذي يترتب عليه ضرر أو ظلم أو أكل حقوق فهو حرام بإجماع العلماء، ولا يدخل في الرخصة.

    ومن أمثلته:

    • أن يكذب الزوج على زوجته في الأمور المالية، كأن يُخفي دخله ليتهرب من النفقة.
    • أو يكذب عليها في الزواج الثاني بما يضرها ويخل بحقوقها.
    • أو تخفي الزوجة أموالها أو تصرفاتها الضارة عن زوجها بما يؤدي إلى خللٍ في الأسرة.

    قال النووي:

    "وأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين."

    وهذا النوع من الكذب يُعدّ غشًا وخيانة للأمانة الزوجية، ويؤدي إلى زوال الثقة التي تُعدّ أساس العلاقة الزوجية.

  • أقوال العلماء والفقهاء

    1. قول الإمام البغوي

    قال في شرح السنة:

    "وأما كذب الرجل زوجته فهو أن يعدها ويمنيها، ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه، ليستديم بذلك صحبتها ويستصلح خلقها."

    2. قول ابن عثيمين

    قال رحمه الله في شرح رياض الصالحين:

    "من المصلحة حديث الرجل زوجته وحديث المرأة زوجها فيما يوجب الألفة والمودة، مثل أن يقول لها: أنتِ غالية عليّ، وإن كان كاذبًا، لكن من أجل إلقاء المودة والمصلحة."

    3. قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه

    ورد أن رجلًا شكا إلى عمر أن امرأته قالت له إنها لا تحبه، فقال عمر:

    "نعم فاكذبي، ليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب."

    وهذا يدل على أن المبالغة في القول لإصلاح ذات البين أو حفظ الأسرة مشروعة ما دامت لا تظلم أحدًا ولا تسقط حقًا.

  • ضوابط الكذب بين الزوجين

    لكي يكون الكذب بين الزوجين جائزًا شرعًا، وضع العلماء ضوابط محددة، وهي:

    1.   ألا يترتب عليه ضرر أو ظلم.

    2.   أن يكون في حدود العلاقة الخاصة بين الزوجين، لا يتعدى إلى الغير.

    3.   أن يكون الغرض منه الإصلاح أو استدامة الألفة.

    4.   ألا يُتخذ الكذب عادة أو وسيلة للخداع.

    فإذا تجاوز الكذب هذه الضوابط، خرج من دائرة الجواز إلى دائرة التحريم.

  • حكم كذب الزوج في الأمور الزوجية الحساسة

    من المسائل الدقيقة التي يكثر فيها السؤال: هل يجوز للزوج أن يكذب في شأن زواجه الثاني أو في أمور مالية؟

    الجواب:
    لا يجوز بحال أن يكذب الزوج على زوجته بما يُسقط حقها أو يضرها، لأن الرخصة في الكذب مقصود بها الإصلاح لا الإضرار.

    قال الفقهاء:

    "الكذب المباح هو ما كانت فيه مصلحة راجحة لا مفسدة، أما إن ترتب عليه أكل حقوق أو ظلم، فهو حرام."

    فمن تزوج بأخرى وكتم زواجه بحجة الخوف من المشاكل، فهو آثم إن ترتب على ذلك إخلال بالعدل أو تضييع حق.

  • أثر الصدق على استقرار الحياة الزوجية

    إن الصدق أساس الثقة، والثقة أساس السعادة الزوجية، فإذا فقدت الثقة انهارت العلاقة.
    لذلك، حتى مع إباحة الكذب في بعض المواضع، يجب أن يبقى الصدق هو الأصل، ويُستخدم الكذب استثناءً محدودًا لمصلحة معتبرة.

    وقد قال النبي ﷺ:

    «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة» (رواه البخاري ومسلم).

    فالصدق في المشاعر، والتصريح بالمشكلات بلطف، والتفاهم بالحكمة — كلها قيم تحفظ البيوت وتمنع الشقاق.

  • نصيحة للزوجين

    على الزوجين أن يعملا على بناء حياتهما على الوضوح والتفاهم والاحترام المتبادل.
    فالكذب وإن كان مباحًا في بعض المواطن، إلا أن الإفراط فيه يُضعف الثقة ويهدم العلاقة.
    كما أن الصراحة في شؤون البيت والمال والتربية واجبة، لأن الزوجة راعية في بيت زوجها، وهو راعٍ ومسؤول عن رعيته.

    قال ﷺ:

    «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته» (متفق عليه).

  • الخلاصة

    • الكذب في الأصل حرام إلا في ثلاث حالات نصّ عليها الحديث الشريف.
    • الكذب بين الزوجين مباح بشرط أن يكون في إظهار المودة لا في أكل الحقوق.
    • يجوز قول الكلام الجميل أو الوعد بما لا يلزم لدوام الألفة.
    • يُحرم الكذب الذي يؤدي إلى ظلم، أو خيانة، أو تضييع واجب.
    • الأصل في الحياة الزوجية الصدق والمصارحة، ويُستثنى الكذب للمصلحة المشروعة فقط.
  • الخاتمة

    إن الزواج ميثاق غليظ، يقوم على الصدق والرحمة والمودة، قال الله تعالى:

    ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

    فالمودة لا تبنى على الخداع، والرحمة لا تنشأ من الكذب، وإنما تنمو في بيئة من الصدق والثقة والاحترام.
    لذلك، فليكن الكذب بين الزوجين استثناءً نادرًا لمصلحةٍ واضحة، لا قاعدةً للسلوك، فالحياة الزوجية الصالحة تُبنى على الصراحة والوضوح لا على الوهم والتزييف.