حكم إزالة الشامات (الخال) في الوجه في الإسلام
تعرف على الحكم الشرعي والطبي في إزالة الشامات (الخال) من الوجه والجسم في الإسلام، مع بيان آراء العلماء وشروط الجواز والضوابط الشرعية والطبية لإجراء العملية بأمان.

-
مقدمة
تُعدّ الشامات أو الخيلان (الخال) من العلامات الجلدية الشائعة التي تظهر على الجسم أو الوجه، وتختلف في شكلها ولونها وحجمها من شخصٍ لآخر، وقد تكون خلقية يولد بها الإنسان، أو مكتسبة تظهر مع مرور الوقت نتيجة لعوامل وراثية أو بيئية أو هرمونية.
وقد تثير هذه العلامات تساؤلات فقهية عند البعض، خاصةً إذا كانت بارزة في الوجه وتسبب حرجًا أو تؤثر على المظهر العام، فيرغب الشخص في إزالتها طبيًّا أو تجميليًّا.
فما حكم إزالة الشامات أو الخال في الإسلام؟
هذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل الفقهي والطبي في هذا المقال. -
التمييز بين أنواع الشامات (الخال)
قبل بيان الحكم الشرعي، لا بد من التفريق بين أنواع الشامات:
1. شامات خلقية (فطرية): يولد بها الإنسان وتكون ثابتة منذ الصغر.
2. شامات مكتسبة: تظهر مع مرور الوقت نتيجة تغيّرات في الخلايا الصبغية أو العوامل الوراثية.
3. شامات مرضية أو ناتئة: تكون بارزة أو مؤلمة أو متغيرة الشكل، وقد تشير إلى خطر طبي وتحتاج إلى فحص متخصص.
هذا التفصيل مهم لأن الحكم الشرعي يختلف باختلاف سبب الإزالة وغرضها.
-
القاعدة الفقهية في إزالة الغدد والنواتئ الجلدية
فصّل العلماء في حكم إزالة الغدد أو الأورام الجلدية الصغيرة، كالخال أو الشامة، ضمن قاعدة "إزالة الضرر" و"رفع الشين"، وبيّنوا الأحكام التالية:
1. إذا ترتب على إزالتها خطر أو ضرر:
يجب تركها، لأن إزالة ما فيه خطر على النفس تعدّ إلقاء بالنفس إلى التهلكة، والله تعالى يقول:﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
2. إذا ترتب على بقائها ضرر أو خطر صحي:
فيجب إزالتها درءًا للخطر وحفاظًا على سلامة الجسد، لأن الشريعة جاءت بحفظ النفس.
قال النبي ﷺ:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (رواه ابن ماجه).
3. إذا لم يكن في بقائها ضرر، وإنما يراد إزالتها لتحسين المظهر أو إزالة التشوه:
فلا حرج في ذلك شرعًا، بشرط أن تُجرى العملية دون ضرر، وأن تكون الغاية رفع الشين لا تغيير خلق الله.قال الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله:
"لمستقل بأمر نفسه وهو الحر البالغ العاقل قطع (سِلعة) منه، وهي خراج كهيئة الغدة، ... لأن له غرضًا في إزالة الشين، إلا سلعة مخوفة قطعها فيمتنع عليه؛ لأنه يؤدي إلى هلاك نفسه..."
مغني المحتاج (4/200).وهذا نص فقهي دقيق يقرر أن إزالة ما فيه تشوّه أو أذى نفسي جائز، أما ما فيه خطر أو احتمال ضرر بالغ فمحرم.
-
حكم إزالة الشامات في الوجه من الناحية الشرعية
استنادًا إلى أقوال العلماء، يمكن تقسيم الحكم إلى ثلاث حالات:
1. إذا كانت الشامة مؤذية أو تحتمل خطورة طبية
فإن إزالتها واجبة أو مستحبة بحسب درجة الخطر، لأنها تدخل في باب التداوي المشروع.
وقد قال الفقهاء: "ما كان في بقائه ضرر وجب إزالته".
وفي هذه الحالة لا يُعتبر ذلك تغييرًا لخلق الله، بل حفظًا له وصيانةً للنفس التي أمر الله بحفظها.2. إذا كانت الشامة لا تسبب ضررًا لكنها تسبب تشوهًا أو حرجًا نفسيًا ظاهرًا
فلا حرج في إزالتها، لأن رفع الأذى النفسي والمعنوي مشروع، ولأن الجمال مقصد معتبر في الشرع ضمن قوله تعالى:
﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88].
كما قال النبي ﷺ:
«إن الله جميل يحب الجمال» (رواه مسلم).
فإذا كانت الشامة تشوه الوجه أو تسبب حرجًا اجتماعيًا، جاز إزالتها طبيًّا بشرط الأمان وعدم الضرر.
3. إذا كانت الشامة عادية لا تؤذي ولا تشوّه
فالأفضل تركها، إذ الأصل في الجسد أن يُحافظ على خلقته ما لم يكن في بقائها ضرر أو أذى ظاهر.
ومع ذلك، لو أزالها الشخص لغرض تجميلي بسيط دون قصد التغيير المذموم، فالأمر فيه سعة عند جمهور الفقهاء. -
حكم إزالة الشامات من الوجه للنساء
يجوز للمرأة إزالة الشامات إذا كانت تسبب تشوّهًا ظاهرًا في وجهها، بشرطين أساسيين:
1. أن يكون الطبيب المعالج امرأة مسلمة مختصة، فإن تعذر ذلك جاز الذهاب إلى طبيب رجل مع الالتزام بالضوابط الشرعية كالستر وعدم الخلوة.
2. ألا تكون الإزالة ناتجة عن وسوسة أو تقليد أعمى لمعايير الجمال الغربية، بل لغرض مشروع كرفع الحرج.
وقد نصّ أهل العلم على أن إزالة العيب لا تُعدّ تغييرًا لخلق الله، بخلاف من يغير ملامحه الأصلية بقصد التحايل على الخِلقة أو الغرور.
-
التوجيه الطبي في إزالة الشامات
من الناحية الطبية، ينبغي مراجعة طبيبة جلدية مختصة قبل اتخاذ القرار، لأن بعض الشامات قد تحمل مؤشرات على تغيرات خلوية خطيرة مثل سرطان الجلد.
ويجب عدم اللجوء إلى مراكز تجميل غير مرخصة أو استعمال الوصفات الشعبية؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى التهابات أو تشوهات دائمة.???? التوصية الطبية:
استشارة مختصّة، تحليل طبي للشامة عند الشك، واختيار طريقة إزالة آمنة كـ الليزر أو الجراحة الدقيقة. -
التوازن بين الجمال والرضا بخلق الله
إن الإسلام لا يمنع الإنسان من تحسين مظهره ضمن الحدود الشرعية، لكنه يربي المسلم على الرضا بخلق الله تعالى، وعدم الانسياق وراء أوهام الجمال المثالي.
فمن ابتلي بعلامة في وجهه أو جسده، فعليه أن يتذكر قول الله تعالى:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4].
ثم يسعى بعد ذلك إلى التجمّل المباح الذي لا يتعارض مع سلامة البدن ولا مع مقاصد الشرع.
-
الخلاصة
- يجوز إزالة الشامات (الخال) إذا كانت تسبب ضررًا صحيًا أو تشوهًا ظاهرًا أو أذى نفسيًا، بشرط أن يتم ذلك بطريقة آمنة على يد مختص.
- لا يجوز إزالتها إن كان في ذلك خطر أو ضرر بالغ.
- يفضل أن تتولى الطبيبة المسلمة معالجة المرأة.
- لا يدخل هذا في باب تغيير خلق الله، لأن المقصود إزالة العيب لا تبديل الخلقة.
قال العلماء:
“كل ما يُقصد به إزالة العيب، فهو جائز، وما يُقصد به تغيير الخِلقة الأصلية من غير حاجة، فهو داخل في النهي.”
- يجوز إزالة الشامات (الخال) إذا كانت تسبب ضررًا صحيًا أو تشوهًا ظاهرًا أو أذى نفسيًا، بشرط أن يتم ذلك بطريقة آمنة على يد مختص.
-
التوصيات الشرعية والطبية
1. استشارة طبيبة جلدية مختصة لتقييم الحالة.
2. التأكد من خلو الشامات من أي تغيّرات خبيثة.
3. التوكل على الله مع الرضا بخلقه بعد الأخذ بالأسباب المشروعة.
4. الابتعاد عن المراكز غير الطبية أو التجميلية غير المرخصة.
5. مراعاة النية، فالمباح يصبح محمودًا بالنية الصالحة ومذمومًا بالنية السيئة.
-
الخاتمة
إن الإسلام دين الجمال والاعتدال، لا يمنع التجمّل المشروع ولا يدعو إلى إهمال المظهر، لكنه يضع ضوابط تحفظ الجسد والعقيدة معًا.
فمن أرادت إزالة الشامات من وجهها، فلتفعل ذلك بنية رفع الحرج لا التفاخر أو التقليد، مع مراعاة الأمان الطبي والالتزام بالضوابط الشرعية.والله تعالى أعلم.