لماذا يسمّي الدروز أنفسهم "بني معروف" و"الموحدين"؟ القصة الكاملة وراء التسمية وأصل اسم "الدروز"

تعرف في هذا المقال على المعاني الروحية والتاريخية لتسميات الدروز: لماذا يسمّون أنفسهم "بني معروف"؟ ولماذا يلقّبون بـ"الموحدين"؟ وما أصل اسم "الدروز"؟ تحليل شامل لجذور الهوية الدرزية وأبعادها الفكرية والاجتماعية.

لماذا يسمّي الدروز أنفسهم "بني معروف" و"الموحدين"؟ القصة الكاملة وراء التسمية وأصل اسم "الدروز"
لماذا يسمّي الدروز أنفسهم
  • مقدمة

    يُعدّ الدرزيون أو كما يسمّون أنفسهم "الموحدين" إحدى الطوائف الدينية التي ظهرت في المشرق الإسلامي خلال العهد الفاطمي في القرن الحادي عشر الميلادي. ومع مرور الزمن، تبلورت لديهم هوية خاصة تُعبّر عن مزيج من المفاهيم الدينية والروحية والفلسفية. من أبرز ما يميزهم استخدامهم لتسميات ذات دلالات عميقة مثل "بني معروف" و**"الموحدين"**، في حين شاع بين الناس لقب "الدروز" الذي ارتبط بشخصية تاريخية محددة.
    في هذا المقال، نسلط الضوء على أسباب هذه التسميات ومعانيها التاريخية والروحية والاجتماعية، لفهم كيف تشكلت هوية الدروز عبر القرون.

  • لماذا يسمّي الدروز أنفسهم "بني معروف"؟

    1. "المعروف" بمعنى "المعرفة"

    تُشتق كلمة "معروف" في اللغة العربية من الجذر (ع ر ف)، الذي يدل على العلم والمعرفة والإدراك. ويرى الدروز أن المعرفة الروحية تمثل جوهر الدين الحقيقي. لذلك، فإنهم عندما يسمّون أنفسهم "بني معروف"، فإنهم يشيرون إلى كونهم أهل المعرفة، أي جماعة تسعى إلى الوعي الباطني وفهم أسرار التوحيد.
    المعرفة في العقيدة الدرزية ليست مجرد علم ظاهري، بل هي علم روحي يتناقل عبر طبقة العلماء (العُقّال)، وهي أسمى درجات الوعي في نظرهم.

    2. الانتماء الرمزي إلى شخصية "معروف"

    يرتبط الاسم أيضًا بشخصيات تاريخية حملت اسم "معروف"، مثل الشيخ معروف بن ناصر الدين، الذي كان له تأثير كبير في تنظيم شؤون الطائفة الدرزية في مراحلها الأولى. ومن هنا اكتسبت تسمية "بني معروف" بعدًا رمزيًا، يدل على الانتماء إلى سلالة روحية أو مدرسة فكرية متميزة.

    3. المعروف الاجتماعي والأخلاقي

    يحمل الاسم أيضًا بعدًا اجتماعيًا وأخلاقيًا؛ فـ"المعروف" في الثقافة العربية يعني الخير والإحسان. والدروز يعتزون بسمعتهم كجماعة تتصف بالكرم والوفاء والصدق، ويتعاون أفرادها لحماية بعضهم البعض. ومن هذا المنطلق، فإن "بني معروف" تعني "أهل الخير والمعروف" الذين يسعون لتمثيل القيم النبيلة في سلوكهم الاجتماعي.

    4. دلالة الاحترام والترابط الاجتماعي

    تعبّر تسمية "بني معروف" أيضًا عن الانتماء الجماعي المتماسك الذي يميّز المجتمع الدرزي، فهم يرون أنفسهم أسرة واحدة يجمعها الإيمان المشترك والتاريخ الموحد، ويتميزون بولاء عميق لأعرافهم وتقاليدهم الاجتماعية.

  • لماذا يسمّي الدروز أنفسهم "الموحدين"؟

    1. التوحيد المطلق لله

    يُعدّ التوحيد محور العقيدة الدرزية وأساسها الفلسفي. يؤمن الدروز أن الله واحد لا شريك له، لا يُرى ولا يُدرك بالحواس، وأن صفاته لا تنفصل عن ذاته. فهم يرفضون التشبيه والتجسيم، ويرون أن التوحيد الكامل لله هو ذروة الإيمان.
    من هذا المنطلق، يُسمّون أنفسهم "الموحدين" للدلالة على نقاء عقيدتهم في توحيد الله بشكل لا يختلط بأي شكل من الشرك أو التعدد.

    2. التوحيد المعرفي والروحي

    التوحيد عند الدروز لا يقتصر على المفهوم الإلهي، بل يشمل توحيد الوجود والمعرفة. أي أن الإنسان في نظرهم يمكنه عبر المعرفة الروحية أن يتصل بالحقيقة الإلهية، فيتوحد مع مصدر النور والمعرفة.
    لذلك، يُعتبر العلم الباطني (العرفان) وسيلة لتحقيق التوحيد، ومن هنا جاءت تسميتهم بالموحدين الذين يسعون إلى وحدة الحقيقة والمعرفة.

    3. الوحدة الإنسانية والأخلاقية

    يتجاوز مفهوم التوحيد عندهم العلاقة بين الإنسان والله، ليشمل التوحيد بين البشر أيضًا. فهم يؤمنون بأن الإنسانية وحدة واحدة، وأن كل إنسان مدعو إلى السلوك وفق القيم الكونية كالعدل والمحبة والصدق، وهي امتداد عملي لمبدأ التوحيد في الحياة.

    4. رفض التعددية الدينية والشرك

    يُظهر تمسّك الدروز باسم "الموحدين" موقفهم الرافض لكل أشكال الشرك، سواء في العبادة أو في فهم الألوهية. كما أنهم لا يقدسون الأشخاص أو الرموز، بل يوجهون عبادتهم مباشرة إلى الله الواحد الأحد، في إطار فلسفة توحيدية صارمة.

  • أصل تسمية "الدروز"

    1. الاسم نسبة إلى أحمد بن إسماعيل الدرزي

    ترجع تسمية "الدروز" إلى شخصية تاريخية تُدعى أحمد بن إسماعيل الدرزي، وهو أحد دعاة العقيدة الجديدة الذين ظهروا في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القرن الحادي عشر الميلادي.
    كان الدرزي من أوائل من دعا إلى هذه التعاليم الجديدة، ونشرها في بلاد الشام ومصر، ولذلك أُطلق على أتباعه اسم "الدروز" نسبةً إليه.

    2. الجدل حول الاسم ورفض الدروز له

    رغم شيوع الاسم في المصادر التاريخية، إلا أن الدروز أنفسهم يرفضون هذه التسمية، معتبرين أنها لا تمثلهم بدقة، لأن العقيدة لم تُؤسس من قبل أحمد الدرزي وحده، بل كانت ثمرة جهود دعاة آخرين مثل حمزة بن علي بن أحمد الزوزني، الذي يُعتبر المؤسس الفكري والروحي الحقيقي للعقيدة الدرزية.
    من هنا، فإنهم يرون أن اسم "الموحدين" أصدق وأعمق من حيث الدلالة العقائدية.

    3. التحول من التسمية التحقيرية إلى الاسم العام

    في بدايات الدعوة، استُخدم لفظ "الدروز" بطابع سلبي أو تحقيري من قبل خصومهم، لكنه مع مرور الزمن أصبح مصطلحًا متداولًا في الكتابات التاريخية للدلالة على هذه الجماعة. واليوم، رغم رفضهم له دينيًا، يُستخدم الاسم اجتماعيًا وسياسيًا للدلالة عليهم.

  • الأبعاد الثقافية والاجتماعية للتسميات

    تعكس هذه التسميات الثلاث (بني معروف – الموحدون – الدروز) مزيجًا من الهوية التاريخية والروحية والاجتماعية التي تميّز الدروز عن غيرهم:

    • "بني معروف" تعبّر عن البعد الأخلاقي والاجتماعي.
    • "الموحدون" تعبّر عن العقيدة والفلسفة الدينية.
    • "الدروز" تعبّر عن الجذور التاريخية وظهور الجماعة في العهد الفاطمي.

    كل اسم منها يحمل دلالة متكاملة في بناء صورة مجتمع يؤمن بالتوحيد، ويعتز بمعرفته الروحية، ويحافظ على تماسكه الداخلي عبر قيم الكرامة والوفاء والتقوى.

  • الخاتمة

    في النهاية، تتجاوز تسميات الدروز حدود اللغة لتصبح مرآة لهويتهم الدينية والفكرية.
    فـ"بني معروف" يشير إلى مجتمع يقوم على المعرفة والفضيلة، و"الموحدون" يعبّر عن التوحيد المطلق لله، أما "الدروز" فهو الاسم التاريخي الذي التصق بهم رغم تحفظهم عليه.
    هذه الأسماء الثلاثة معًا تشكل سردية متكاملة عن أمة صغيرة ذات إرث فكري وروحي عميق، استطاعت عبر قرون من العزلة والحكمة أن تحافظ على جوهرها الفلسفي الفريد ومكانتها في تاريخ الأديان في المشرق.