حكم الزواج من عائلة فيها مرض البرص
تعرف على حكم الزواج من عائلة يوجد بها مرض البرص في الإسلام، وهل شفاء البرص معجزة خاصة بسيدنا عيسى عليه السلام؟ اقرأ المقال لتتعرف على الأدلة الشرعية والعلمية التي تؤكد إمكانية علاج البرص والتداوي منه شرعاً وطباً.

جدول المحتويات
- مقدمة
- حكم الزواج من عائلة يوجد بها مرض البرص
- البرص في السنة النبوية
- هل علاج البرص معجزة خاصة بسيدنا عيسى عليه السلام؟
- هل يعني ذلك أن البرص لا يُعالج إلا بمعجزة؟
- شواهد من السنة والواقع على إمكان شفاء البرص
- النظرة الإسلامية للمرض والابتلاء
- موقف الإسلام من التداوي والبحث عن العلاج
- هل يجوز الدعاء للشفاء من البرص؟
- النظرة العلمية الحديثة لمرض البرص
- الخلاصة
- الخاتمة
-
مقدمة
يُعد مرض البرص (البهاق) من الأمراض الجلدية التي تثير القلق لدى بعض الأسر، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالزواج من عائلة يُعرف عنها وجود هذا المرض. ويتساءل كثير من الناس: هل في ذلك حرج شرعي؟ وهل علاج البرص معجزة خاصة بسيدنا عيسى عليه السلام، فلا يمكن علاجه إلا بمعجزة؟
في هذا المقال سنعرض الرؤية الشرعية والعلمية المتكاملة حول هذه المسألة، مدعّمة بالأحاديث النبوية والأدلة القرآنية، لنبيّن الموقف الصحيح للإسلام من الزواج، والمرض، والبحث عن العلاج. -
حكم الزواج من عائلة يوجد بها مرض البرص
1. لا حرج شرعي في الزواج من عائلة بها مرض وراثي
اتفق العلماء على أنه لا يوجد تحريم شرعي في الزواج من شخصٍ أو من عائلةٍ بها مرض البرص، لأن الأصل في الزواج الإباحة ما لم يثبت مانع شرعي صريح.
وقد ورد في فتوى أهل العلم أنه لا حرج في ذلك، لكن يُستحب إجراء الفحوص الطبية للتأكد من سلامة الطرفين، خصوصًا مع توفر وسائل الطب الحديث القادرة على الكشف عن الأمراض الوراثية.قال العلماء: "لا حرج في الزواج ممن به أو في أهله برص، ولكن ينبغي التحري والفحص قبل الزواج، لأن ذلك من الأخذ بالأسباب المشروعة."
2. الحكمة من الفحص الطبي قبل الزواج
الفحص لا يعارض التوكل على الله، بل هو من الأخذ بالأسباب التي أمر بها الشرع، مصداقًا لقوله ﷺ:
"تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء."
(رواه أحمد)ويدخل الفحص الطبي في هذا المعنى، إذ يُقصد به الوقاية وحماية النسل من الأمراض الوراثية، مما يحقق مقصدًا شرعيًا عظيمًا من مقاصد الشريعة وهو حفظ النسل.
-
البرص في السنة النبوية
جاء في الأحاديث النبوية ذكر البرص ضمن الأمراض التي كان رسول الله ﷺ يستعيذ منها، لا على سبيل الذم للمريض، بل طلبًا للسلامة من البلاء.
قال النبي ﷺ:
"اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيئ الأسقام."
(رواه أبو داود)وهذا الدعاء يدل على أن البرص بلاء من أقدار الله، يُبتلى به بعض عباده لحكمة، وليس دليل غضب أو نقص، بل هو اختبار من الله تعالى لعبده في الصبر والرضا.
-
هل علاج البرص معجزة خاصة بسيدنا عيسى عليه السلام؟
1. معجزة عيسى عليه السلام في شفاء الأكمه والأبرص
ورد في القرآن الكريم أن من معجزات نبي الله عيسى عليه السلام أنه:
﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾
(سورة آل عمران: 49)ومعنى ذلك أن الله سبحانه أكرمه بقدرة خارقة للعادة، فكان يشفي الأكمه (من ولد أعمى) والأبرص بمجرد الدعاء أو اللمس بإذن الله، دون استعمال دواء أو علاج مادي.
وهذه هي المعجزة: حصول الشفاء المباشر دون سبب طبي. -
هل يعني ذلك أن البرص لا يُعالج إلا بمعجزة؟
كلا. فشفاء الأبرص على يد عيسى عليه السلام كان معجزة خاصة له في الطريقة، لا في أصل الشفاء.
أي أن الله تعالى قدّر أن يُشفى المرضى بدعاء نبيه دون دواء، لكن هذا لا يمنع أن يُشفى غيرهم بالأسباب الطبيعية التي خلقها الله في الكون.والدليل على ذلك قول النبي ﷺ:
"ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله."
(رواه البخاري)وهذا يشمل كل الأمراض، ومن ضمنها البرص. فالله تعالى هو الشافي، وقد جعل لكل داء دواء، سواءً عُرف في زمنٍ ما أو اكتُشف لاحقًا.
-
شواهد من السنة والواقع على إمكان شفاء البرص
ثبت في صحيح مسلم أن الغلام صاحب الأخدود كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وهذا بعد زمن عيسى عليه السلام.
كما ورد أن أويس القرني رضي الله عنه كان به برص فشفاه الله منه إلا موضع درهم، دلالة على أن الشفاء ممكن بقدرة الله تعالى.وفي الواقع الحديث، أثبت الطب إمكانية التقليل من آثار البرص أو علاجه جزئيًا من خلال الأدوية الحديثة والعلاجات الضوئية والجراحية، وكلها من رحمة الله وعلمه الذي أودعه في خلقه.
-
النظرة الإسلامية للمرض والابتلاء
الإسلام ينظر إلى المرض — ومنه البرص — نظرة رحمة وتكفير للذنوب، لا نظرة احتقار أو نقص، وقد قال ﷺ:
"ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه."
(متفق عليه)فالمريض مبتلى تكريماً له، فإن صبر نال الأجر العظيم، كما قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
(الزمر: 10) -
موقف الإسلام من التداوي والبحث عن العلاج
الإسلام دين يحث على التداوي والسعي للشفاء، فقد جاء في الحديث:
"تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم."
(رواه الترمذي وأحمد)فالأمر بالتداوي عبادة وأخذ بالأسباب، لا يتعارض مع الإيمان بالقدر، بل هو جزء منه.
فمن الخطأ أن يظن المريض أنه لا يجب عليه طلب العلاج لأن المرض معجزة أو قدر لا يُرد، بل الواجب عليه الصبر والسعي معًا: يصبر قلبه، ويأخذ بالأسباب بعقله وجسده. -
هل يجوز الدعاء للشفاء من البرص؟
نعم، بل هو من أعظم ما يُستحب، لأن الدعاء سبب مباشر للشفاء بإذن الله، وقد كان النبي ﷺ يستعيذ من البرص كما مرّ، مما يدل على جواز بل واستحباب الدعاء بالسلامة والشفاء منه.
قال الله تعالى:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
(غافر: 60)فمن دعا الله موقنًا بالإجابة، وتوكل عليه، فإن الله قادر على أن يشفيه بما شاء من الأسباب، سواء بالدواء أو الدعاء أو كليهما.
-
النظرة العلمية الحديثة لمرض البرص
من منظور الطب الحديث، فإن البرص أو البهاق مرض ناتج عن نقص أو اختلال في صبغة الميلانين المسؤولة عن لون الجلد، وقد توصل الأطباء إلى وسائل فعّالة لتحسين الحالة مثل:
- العلاج الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية (UVB).
- الكريمات الهرمونية والمناعية.
- الزرع الخلوي أو ترقيع الجلد في بعض الحالات.
وهذا التقدم الطبي يُعد من سنن الله في الكون، إذ جعل لكل داء دواء يُكتشف بمرور الزمان.
- العلاج الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية (UVB).
-
الخلاصة
- لا حرج شرعًا في الزواج من عائلة فيها مرض البرص، مع استحباب الفحص الطبي قبل الزواج.
- علاج البرص ليس خاصًا بسيدنا عيسى عليه السلام، وإنما كانت معجزته أنه يشفيه بمجرد الدعاء دون علاج.
- البرص من الأمراض التي يمكن علاجها أو التخفيف منها بإذن الله تعالى.
- الدعاء والرضا بقضاء الله من أعظم ما يرفع البلاء.
- البحث عن العلاج واجب شرعي وعقلي، لأن الله تعالى أمرنا بالأخذ بالأسباب ووعد بالشفاء لمن توكل عليه.
- لا حرج شرعًا في الزواج من عائلة فيها مرض البرص، مع استحباب الفحص الطبي قبل الزواج.
-
الخاتمة
الإيمان لا يتعارض مع العلم، والتوكل لا يلغي التداوي.
فمن ابتُلي بمرض البرص فليعلم أن الله هو الشافي وحده، وأن العلاج مهما كان لا يُثمر إلا بإذنه.
فليجمع المؤمن بين اليقين والدعاء والأخذ بالأسباب، فإن الله تعالى قال:﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾
(الشعراء: 80)