حكم لبس المطلي بالذهب للرجال: دراسة شرعية متكاملة
تعرف على حكم لبس المطلي بالذهب للرجال في الإسلام، مع الأدلة من السنة النبوية وأقوال العلماء، وبيان الخلاف حول الذهب الأبيض والمطلي، وما يجوز للرجال من بدائل الزينة المباحة

-
مقدمة
الزينة من الفطرة التي جبل الله تعالى الناس عليها، وقد أباح الشرع للإنسان أن يتجمل بما أحل الله له، ونهى عن كل ما فيه إسراف أو تشبه أو خلط بين صفات الرجال والنساء. ومن أبرز المسائل التي كثر السؤال عنها في العصر الحديث: حكم لبس المطلي بالذهب للرجال، خصوصًا مع انتشار الساعات والخواتم والإكسسوارات المطلية بذهب خفيف أو طبقة رقيقة لا تساوي مالاً يذكر.
في هذا المقال سنتناول هذه القضية بعمق فقهي، مستعرضين الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء قديمًا وحديثًا، ثم نوضح الراجح في المسألة، ونجيب عن الأسئلة العملية التي تهم المسلم في حياته اليومية. -
الأصل في تحريم الذهب على الرجال
لم يأتِ في القرآن الكريم نص صريح بتحريم الذهب على الرجال، وإنما جاء التحريم في السنة النبوية الصحيحة، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وحي من الله، لقوله تعالى:
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
ومن أبرز الأحاديث الصحيحة:
- قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن هذين - أي الحرير والذهب - حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم" (رواه النسائي وأبو داود وأحمد). - وعن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال:
"يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده" (رواه مسلم). - وقال صلى الله عليه وسلم:
"من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة" (رواه أحمد).
وهذه النصوص قاطعة في تحريم الذهب الخالص على الرجال دون النساء.
- قول النبي صلى الله عليه وسلم:
-
حكم المطلي بالذهب عند الفقهاء
1- قول الجمهور (التحريم المطلق)
ذهب جمهور العلماء (المالكية والحنابلة في المعتمد، وبعض الشافعية) إلى تحريم لبس المطلي بالذهب مطلقًا، سواء كان الطلاء قليلاً أو كثيراً.
- علّلوا ذلك بأنه استعمال للذهب، ولو بقدر يسير.
- وفيه كسر لقلوب الفقراء الذين لا يستطيعون شراء الذهب.
- كما أن فيه شبهة التشبه بالنساء، والشرع شدّد في منع ذلك.
2- قول بعض الشافعية والحنابلة (التفصيل)
ذهب بعض أهل العلم إلى التفريق بين حالتين:
- إن كان يمكن فصل الطلاء الذهبي عن المعدن (بالنار أو الكشط) فهذا حرام، لأنه دليل على أن نسبة الذهب معتبرة.
- أما إذا كان مجرد لون رقيق لا يمكن فصله ولا يجتمع منه شيء، فيجوز، لأنه ليس ذهبًا حقيقيًا، وإنما مجرد صبغة معدنية.
3- فتاوى معاصرة
- اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ ابن باز: حرّموا المطلي بالذهب مطلقًا، وقالوا: "أحل الذهب لإناث أمتي وحرم على ذكورها".
- دار الإفتاء المصرية: فرّقت، فأجازت لبس المطلي إذا كان الذهب المستعمل فيه يسيراً جدًا لا قيمة له، بحيث لا يعد ذهبًا في العرف.
- الشيخ علي جمعة: فرّق بين الذهب الأبيض إذا كان بلاتينًا (جائز) أو خليطًا مع الذهب الأصفر (مكروه أو محرم).
- علّلوا ذلك بأنه استعمال للذهب، ولو بقدر يسير.
-
الحكمة من التحريم
- تمييز الرجال عن النساء: فالذهب زينة تناسب رقة النساء، لا رجولة الرجال.
- البعد عن الترف: الشريعة تربي الرجال على الجد والقوة، لا على الميوعة والمظاهر.
- البعد عن الشبهات: إذ قد يراه الناس ذهبًا خالصًا، فيقتدون به في لبسه.
قال تعالى:
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]،
وهو وصف حال النساء، مما يدل على أن الزينة المفرطة لا تليق بالرجال. - تمييز الرجال عن النساء: فالذهب زينة تناسب رقة النساء، لا رجولة الرجال.
-
التطبيقات المعاصرة
1- الساعات والنظارات المطلية بالذهب
- إذا كان الطلاء مجرد لون أو طبقة رقيقة لا قيمة لها → بعض الفقهاء أجازوا.
- إذا كان يمكن جمع الذهب منها واستخلاصه → فهي محرمة بالإجماع.
2- الذهب الأبيض
- إذا كان المقصود البلاتين → جائز بالإجماع.
- إذا كان المقصود خليط الذهب الأصفر مع معادن أخرى → محل خلاف، والأورع تركه.
3- الهدايا والبيع
- لا يجوز للرجل المسلم لبس المطلي بالذهب.
- يجوز بيعه أو إهداؤه للنساء، سواء كن مسلمات أو غير مسلمات، بشرط أن لا يكون القصد التشبه أو الفساد.
4- البدائل المباحة للرجال
- الفضة (الخاتم الفضي جائز، وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من فضة).
- البلاتين والتيتانيوم والمعادن الأخرى.
- الأحجار الكريمة مثل الماس والياقوت والزمرد (جائزة للرجال إذا لم تكن على هيئة حلي نسائية).
- إذا كان الطلاء مجرد لون أو طبقة رقيقة لا قيمة لها → بعض الفقهاء أجازوا.
-
الترجيح
بعد عرض الأقوال، يظهر أن الراجح هو القول بالتحريم المطلق، وذلك:
1. لأنه أبرأ للذمة.
2. ولأنه يوافق عموم النصوص الناهية.
3. ولأنه يبعد المسلم عن الشبهات والاقتداء بما يخالف الشرع.
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (رواه الترمذي والنسائي). -
الخاتمة
يتضح مما سبق أن لبس الذهب للرجال محرم شرعًا بنصوص صريحة من السنة، وهذا يشمل الذهب الخالص والمطلي به متى كان ظاهرًا أو يمكن استخلاصه. أما إذا كان مجرد لون معدني لا حقيقة له، فقد رخّص بعض العلماء فيه، لكن الورع والاحتياط تركه، صيانةً للدين والعرض.
الخلاصة: يجوز للنساء لبس الذهب مطلقًا، أما الرجال فالأصل فيهم التحريم، سواء كان ذهبًا خالصًا أو مطليًا، والأحوط لهم الابتعاد عن كل ما فيه شبهة ذهب، والاكتفاء بالبدائل المباحة من فضة أو معادن أخرى.