هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً (مالاً)أم يتعين الإطعام؟

هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا بدل الطعام؟ تعرف على آراء المذاهب الأربعة وأدلة الفقهاء المعاصرين، من ابن باز وابن عثيمين إلى ابن تيمية، مع تحليل شامل وفق المصادر الشرعية.

1. مقدمة

مع قرب نهاية شهر رمضان المبارك، يتكرر سؤال جوهري يشغل بال الكثير من المسلمين:
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا بدلًا من الطعام؟

هذه المسألة قديمة، لكنها أصبحت أكثر إلحاحًا في العصر الحديث، خاصة مع تغير أنماط الحياة واحتياجات الفقراء. والملفت أن الفقهاء قد اختلفوا فيها عبر العصور، فأجازها بعضهم، ورفضها آخرون، ولكل فريق أدلته ومقاصده الشرعية.

في هذا المقال، نقدم لك تحليلًا فقهيًا دقيقًا يجمع بين أقوال المذاهب الأربعة، وآراء كبار العلماء المعاصرين كابن تيمية وابن باز وابن عثيمين، مع تفصيل الأدلة الشرعية والرؤية المقاصدية للمسألة.

2. المذهب الحنفي - الإباحة والجواز مطلقًا

يعد المذهب الحنفي هو الأكثر مرونة في هذه المسألة، حيث أجاز إخراج زكاة الفطر نقدًا بلا تقييد، بل واعتبر ذلك أولى في بعض الحالات، لما فيه من تحقيق مصلحة الفقير.

الأقوال من كتب المذهب:

·        قال الإمام المرغيناني في الهداية:

"ويجوز إخراج القيمة في الزكاة، لأنها أيسر على المعطي، وأنفع للفقير".

·        وقال القدوري:

"ويجزئه أن يعطي القيمة من الدراهم".

·        وذكر الكاساني في بدائع الصنائع:

"جواز دفع القيمة في زكاة الفطر تحقيقًا للغرض، وهو سدّ خَلّة الفقير".

تعليل المذهب:

  • المقصد من الزكاة هو إغناء الفقير، والنقود أكثر نفعًا وأيسر في التصرف.
  • التيسير على الناس في الإخراج، خصوصًا في المجتمعات التي تعتمد على المال كوسيلة تبادل رئيسية.

3. المذهب المالكي - المنع مع استثناءات

يرى المالكية أن الأصل هو إخراج زكاة الفطر من الطعام، ولا يجوز إخراجها نقدًا، إلا في حالات محدودة كمصلحة الفقير أو إذن الإمام.

نصوص المالكية:

·        قال خليل في مختصره:

"ولا يُجزئ غير القوت إلا إذا غلب نفعه".

·        وجاء في التاج والإكليل:

"لا يجوز إخراج القيمة إلا في حالة الضرورة أو غلبة المصلحة".

الاستثناء المالكي:

  • إذا رأى الحاكم أو ولي الأمر أن النقود أنفع للفقراء، جاز إخراجها حينئذ من باب السياسة الشرعية.

4. المذهب الشافعي - التشديد والمنع المطلق

اتخذ الشافعية موقفًا أشد وضوحًا في المنع، حيث يرون عدم جواز إخراج زكاة الفطر إلا من الطعام، عملًا بظاهر النصوص النبوية.

دليلهم:

  • حديث ابن عمر رضي الله عنه:

"فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير..." (رواه البخاري ومسلم).

قال الإمام النووي في المجموع:

"لا يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر، لأنه خلاف المنصوص عليه من الطعام".

5. المذهب الحنبلي - التمسك بالنص والمنع من إخراج القيمة

الحنابلة كالشافعية، يرون أن إخراج زكاة الفطر يجب أن يكون من الأصناف المنصوص عليها، ولا يُجزئ إخراج النقود.

دليلهم:

  • التمسك بالنص، دون تجاوز لمقصود الشارع.
  • قال ابن قدامة في المغني:

"ولا يجزئ إخراج القيمة، لأنه خلاف ما أمر به النبي ﷺ".

6. أقوال الفقهاء المعاصرين في إخراج زكاة الفطر نقدًا

???? الإمام ابن باز – المنع

  • رأى رحمه الله أن إخراج الطعام فقط هو الواجب، تأسّيًا بفعل النبي ﷺ.
  • قال:

"الواجب أن تخرج من الطعام كما فعل النبي ﷺ، ولا يُعدل عنه إلى القيمة إلا لضرورة".

???? الشيخ ابن عثيمين – الجواز عند الحاجة

  • كان يرى المنع في بداية أمره، ثم غيّر رأيه لاحقًا وقال بالجواز عند ظهور المصلحة.
  • قال:

"إذا رأى الإمام أو ولي الأمر أن إخراج القيمة أنفع للفقراء، فلا بأس بذلك".

???? شيخ الإسلام ابن تيمية – الجواز للمصلحة

  • من أكثر الفقهاء وضوحًا في هذا الباب، حيث قال:

"إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، قد قال به جماعة من العلماء إذا كان ذلك أرفق بالمساكين أو أنفع لهم".

7. نظرة تحليلية مقاصدية

النقاش حول هذه المسألة لا يقف عند ظاهر النصوص، بل يتعدى إلى مقاصد الشريعة في الزكاة، وهي:

  • إغناء الفقير في وقت محدد (قبل العيد).
  • تعميم النفع في مجتمع تتنوع حاجاته (ليس الطعام فقط).
  • الواقعية الشرعية: ففي بعض المجتمعات، يكون المال أنفع وأسرع وصولًا.

8. بين النص والمصلحة

يمكن تلخيص المسألة في القول:

  • من أراد اتباع ظاهر السنة، فليُخرج طعامًا كما فعل النبي ﷺ.
  • ومن أراد تحقيق المصلحة للفقير، وكانت النقود أيسر وأنفع، فله في المذهب الحنفي ومن قال به من الأئمة سعة.

وقد راعى العلماء المعاصرون الواقع المعاش، ورأوا أن الفقير في كثير من الأحيان أحوج إلى المال لقضاء ديونه أو شراء ما يحتاجه، لا سيما في المدن والمجتمعات غير الزراعية.

9. الرأي الراجح – باختصار

  • إن إخراج زكاة الفطر من الطعام هو الأصل والأفضل.
  • ولكن يجوز إخراجها نقدًا، خصوصًا إذا تحققت به مصلحة ظاهرة للفقراء، وهذا قول له قوة بدليل فعله ومقاصد الشريعة، وأفتى به كبار أهل العلم في هذا العصر.