أقسامُ المياهِ في الإسلامِ (بِشَكلٍ تفصيليٍّ)

تتناولُ هذه المقالةُ أقسامَ المياهِ في الإسلامِ وأحكامَها الشرعيةَ بالتفصيلِ، حيث تمَّ تقسيمُ المياهِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ رئيسيةٍ: الماءُ الطُّهورُ، وهو الماءُ النقيُّ الذي لم يتغيَّرْ بشيءٍ ويُستخدمُ في العباداتِ وجميعِ الأغراضِ، والماءُ الطَّاهرُ، وهو الذي تغيَّرَ بسببِ اختلاطِه بشيءٍ طاهرٍ ولا يصلحُ للاستخدامِ في العباداتِ، وأخيرًا الماءُ النَّجسُ، الذي اختلطَ بنجاسةٍ ويُحرَّمُ استخدامُه. تستعرضُ المقالةُ الأدلةَ الشرعيةَ، الأمثلةَ العمليةَ، والتطبيقاتِ المختلفةَ لهذه الأنواعِ، مع توجيهاتٍ هامَّةٍ حولَ استخدامِ المياهِ في الطهارةِ والحياةِ اليوميةِ وفقًا للشريعةِ الإسلاميةِ.

أقسامُ المياهِ في الإسلامِ (بِشَكلٍ تفصيليٍّ)
  • المُقدِّمةٌ

    الماءُ هو أَساسُ الحياةِ، ولهُ أَهميَّةٌ بالغةٌ في الإسلامِ، لا سيما في الطَّهارةِ التي تعدُّ شرطًا أَساسيًّا لصحَّةِ العباداتِ. وقد قسَّمَ الفقهاءُ الماءَ إلى ثلاثةِ أَقسامٍ لكلٍّ منها أَحكامٌ خاصَّةٌ بهِ. في هذهِ المقالةِ، سنشرحُ بالتَّفصيلِ أَقسامَ المياهِ معَ ذكرِ أَمثلةٍ وتطبيقاتٍ عمليَّةٍ معاصرةٍ.

  • أَوَّلًا: الماءُ الطَّهورُ

         تعريفُهُ: هو الماءُ النقيُّ المُطلقُ الذي لم يَختلطْ بهِ أَيُّ شيءٍ إِطلاقًا -سواءٌ كانَ طاهرًا أَوْ نَجسًا-، ولم يَتغيرْ لونُهُ أَوْ طَعمُهُ أَوْ رائحتُهُ بأيِّ شكلٍ منَ الأَشكالِ. ويُطلَقُ عليهِ أَيضًا اسمُ "الماءِ المُطلقِ".

         أَدلَّتُهُ:

         قولُهُ تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].

         قولُهُ تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأنفال: 11].

         حديثُ النبيِّ ﷺ: "إِنَّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنجسُهُ شيءٌ" (أَخرجهُ الإِمامُ أَحمدُ، وأَبو داودَ، والتِّرمذيُّ، والنسائيُّ بسندٍ صحيحٍ، عن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي اللهُ عنهُ).

         أَمثلةٌ:

         ماءُ المطرِ: الذي يَنزلُ منَ السَّماءِ طاهرًا نقيًّا.

         ماءُ زمزمَ: الذي يَخرجُ منْ بئرِ زمزمَ في مكةَ المكرمةِ، وهو ماءٌ مباركٌ طهورٌ.

         ماءُ النهرِ أَوْ البحرِ: قبلَ أَن يَتلوَّثَ بأيِّ شيءٍ، سواءٌ كانَ ذلكَ بسببِ مياهِ الصرفِ الصحيِّ أَوْ مخلفاتِ المصانعِ أَوْ غيرِها.

         الماءُ المُقطرُ: الذي يُنقى في المختبراتِ عن طريقِ التبخيرِ والتكثيفِ، ويكونُ خاليًا منْ أَيِّ شوائبَ.

         ماءُ البئرِ: الذي يَخرجُ منْ باطنِ الأرضِ نقيًّا طاهرًا.

         ماءُ العيونِ: الذي ينبعُ منَ الأرضِ طهورًا.

         حكمُهُ:

         طاهرٌ في نفسِهِ: أَي لا يحتاجُ إِلى تطهيرٍ.

         مُطهِّرٌ لغيرِهِ: أَي يُستخدمُ في إزالةِ النجاسةِ، وفي الوضوءِ والغُسلِ.

         يجوزُ استخدامُهُ في الأغراضِ جميعِها: مثلَ الشربِ والطَّبخِ والتنظيفِ.

         تطبيقاتٌ عمليةٌ:

         في المستشفياتِ: يُستخدمُ الماءُ الطهورُ لتعقيمِ الأَدواتِ الطبيةِ والجراحيةِ وغُرَفِ العملياتِ لمنعِ انتشارِ العدوى.

         في صناعةِ الأَدويةِ والعقاقيرِ: يُستخدمُ الماءُ الطهورُ في تحضيرِ الأَدويةِ والمحاليلِ الطبيةِ لضمانِ سلامتِها وفاعليتِها.

         في الصناعاتِ الغذائيةِ: يُستخدمُ الماءُ الطهورُ في بعضِ الصناعاتِ الغذائيةِ التي تتطلبُ درجةً عاليةً منَ النقاءِ، مثلَ صناعةِ العصائرِ ومشروباتِ الأَطفالِ.

         في المختبراتِ: يُستخدمُ الماءُ المقطرُ في التجاربِ العلميةِ والأبحاثِ لضمانِ دقةِ النتائجِ.

         في المنازلِ: يُستخدمُ الماءُ الطهورُ في الشربِ والطَّبخِ وتنظيفِ الأواني والأطعمةِ.

  • ثانيًا: الماءُ الطاهرُ

         تعريفُهُ: هو الماءُ الذي كانَ طهورًا في الأَصلِ، ثمَّ تغيرتْ إِحدى صفاتِهِ (اللونُ أَو الطَّعمُ أَو الرائحةُ) بسببِ اختلاطِهِ بشيءٍ طاهرٍ، مثلَ إِضافةِ صابونٍ أَو ماءِ وردٍ أَوْ سقوطِ ماءِ الوضوءِ عليهِ. ويُطلقُ عليهِ أَيضًا اسمُ "الماءِ المُستعملِ" أَو "الماءِ المُتغيرِ".

         أَدلَّتُهُ:

         إِجماعُ الفقهاءِ على أَنَّ الماءَ الذي تغيرتْ إِحدى صفاتِهِ بسببِ شيءٍ طاهرٍ يبقى طاهرًا في نفسِهِ، لكنَّهُ لا يُطهرُ غيرَهُ.

         أَمثلةٌ:

         ماءُ الوضوءِ: بعدَ استخدامِهِ في الوضوءِ، فإِنَّهُ يُصبحُ طاهرًا غيرَ مُطهِّرٍ.

         ماءُ غَسلِ الملابسِ: بعدَ غَسلِ الملابسِ النظيفةِ، فإِنَّهُ يُصبحُ طاهرًا غيرَ مُطهِّرٍ.

         ماءٌ خُلطَ بماءِ وردٍ أَوْ عصيرِ فواكهَ: حتى تغيرَ لونُهُ أَوْ طعمُهُ، فإِنَّهُ يُصبحُ طاهرًا غيرَ مُطهِّرٍ.

         ماءُ الشايِّ والقهوةِ: بعدَ غليِ أَوراقِ الشايِّ أَوْ حبوبِ القهوةِ في الماءِ الطهورِ، فإِنَّهُ يُصبحُ طاهرًا غيرَ مُطهِّرٍ.

         ماءٌ خُلطَ بموادِّ التنظيفِ: مثلَ الصابونِ ومسحوقِ الغسيلِ وماءِ الجليِّ، فإِنَّهُ يُصبحُ طاهرًا غيرَ مُطهِّرٍ.

         حكمُهُ:

         طاهرٌ في نفسِهِ: أَي لا يضرُّ استخدامُهُ في أُمورِ الحياةِ العامةِ.

         لا يُطهرُ: أَي لا يجوزُ استخدامُهُ في إزالةِ النجاسةِ، أَوْ في الوضوءِ والغُسلِ.

         تطبيقاتٌ عمليةٌ:

         ريُّ المزروعاتِ: يمكنُ استخدامُ الماءِ الطاهرِ في ريِّ المزروعاتِ والأشجارِ والمحاصيلِ الزراعيةِ.

         تنظيفُ المنازلِ والشوارعِ: يمكنُ استخدامُهُ في تنظيفِ المنازلِ والشوارعِ والمرافقِ العامةِ.

         بعضُ الصناعاتِ: يمكنُ استخدامُهُ في بعضِ الصناعاتِ التي لا تتطلبُ ماءً طهورًا، مثلَ صناعةِ الورقِ والمنسوجاتِ.

         غَسلُ السياراتِ: يمكنُ استخدامُ الماءِ الطاهرِ في غَسلِ السياراتِ والمركباتِ.

         إطفاءُ الحرائقِ: في بعضِ الحالاتِ، يمكنُ استخدامُ الماءِ الطاهرِ في إطفاءِ الحرائقِ إِذا لم يتوفرْ الماءُ الطهورُ.

  • ثالثًا: الماءُ النَّجسُ

         تعريفُهُ: هو الماءُ الذي اختلطتْ بهِ نجاسةٌ، مثلَ البولِ أَوِ الدمِ أَوْ الغائطِ، وأَصبحَ بذلكَ غيرَ طاهرٍ، ولا يجوزُ استخدامُهُ في أَيِّ شيءٍ.

         أَدلَّتُهُ:

         قولُهُ تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6].

         قولُهُ تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [المائدة: 6].

         أَحاديثُ كثيرةٌ عن النبيِّ ﷺ تَنهى عن التَّبولِ في الماءِ الرَّاكدِ.

         أَمثلةٌ:

         ماءٌ فيهِ بولٌ أَوْ غائطٌ: سواءٌ كانَ ذلكَ منَ الإنسانِ أَوِ الحيوانِ.

         ماءٌ فيهِ دمٌ: سواءٌ كانَ ذلكَ منَ الإنسانِ أَوِ الحيوانِ.

         ماءٌ فيهِ جيفةُ حيوانٍ: أَي جسدُ حيوانٍ ميتٍ.

         ماءٌ فيهِ خمرٌ: فالخمرُ نجسةٌ ويُنجسُ الماءَ الذي يَختلطُ بها.

         ماءٌ فيهِ ميتةٌ: أَي حيوانٌ ماتَ دونَ ذبحٍ شرعيٍّ.

         حكمُهُ:

         نجسٌ: أَي يَحرمُ استخدامُهُ في العباداتِ، وفي جميعِ أُمورِ الحياةِ، حتى في التنظيفِ.

         تطبيقاتٌ عمليةٌ:

         محطاتُ معالجةِ مياهِ الصرفِ الصحيِّ: يُعالَجُ الماءُ النجسُ في محطاتِ معالجةِ مياهِ الصرفِ الصحيِّ لإزالةِ النجاساتِ والموادِّ الضارةِ وإعادةِ استخدامِهِ في ريِّ المزروعاتِ، أَوْ في بعضِ الصناعاتِ التي لا تتطلبُ ماءً طهورًا.

  • ملاحظات هامَّة

         يُشترط في الماء الطَّهور أن يكون مُطلقًا، أي غيرَ مقيَّدٍ بصفةٍ معيَّنةٍ، مثلَ ماءِ الوردِ أو ماءِ العنبِ، فهذه الأنواع تُعتبرُ طاهرةً وليست طهورةً.

         إذا شككتَ في نوعِ الماءِ، فالأصلُ أنَّه طَهورٌ حتَّى يثبتَ العكسُ.

         إذا اختلطَ الماءُ الطَّهورُ بماءٍ طاهرٍ، فإنَّهُ يبقى طَهورًا ما دامت صفاتُ الماءِ الطَّهورِ لم تتغيرْ.

         إذا اختلطَ الماءُ الطَّاهرُ بماءٍ نَجِسٍ، فإنَّهُ يُصبح نَجِسًا.

         إذا زالت النَّجاسةُ من الماءِ النَّجِسِ بنفسهِ أو بإضافةِ ماءٍ طَهورٍ إليهِ، فإنَّهُ يعود طَهورًا.

         إذا بلغَ الماءُ النَّجِسُ كميةَ "الكُرِّ" (216 كيلوجرامًا تقريبًا) واندفعتْ فيه النَّجاسةُ وزالتْ أوصافُها، فإنَّهُ يَطهُرُ.

         يُكرهُ استعمالُ الماءِ الطَّاهرِ في العباداتِ خروجًا منَ الخلافِ واحتياطًا للطَّهارةِ.

         يجب على المسلمِ أن يتعلَّمَ أحكامَ المياهِ ليُحسنَ استخدامها في مختلف جوانبِ حياتِه.

  • الخاتمةُ

         تُعدُّ المياهُ من أهمِّ النِّعَمِ التي أنعم اللَّه بها على الإنسانِ، وهي ضروريَّةٌ لحياةِ جميعِ الكائناتِ الحيَّةِ،

         وقد بيَّنَ الإسلامُ أحكامًا خاصَّةً باستخدامِ المياهِ في مختلفِ الأغراضِ، منها الطَّهارةُ والشُّربُ والزراعةُ والصناعةُ وغيرها،

         ولقد قسَّم الفقهاءُ المياهَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ رئيسيَّةٍ: الماءِ الطَّهورِ والماءِ الطَّاهرِ والماءِ النَّجِسِ، ولكلِّ قسمٍ منها حكمُهُ الشَّرعيُّ الخاصُّ به.

         فالماءُ الطَّهورُ هو الماءُ النَّقيُّ الذي لم يختلطْ بهِ أيُّ شيءٍ، ويجوزُ استخدامُهُ في جميعِ الأغراضِ،

         أمَّا الماءُ الطَّاهرُ فهو الماءُ الذي كانَ طَهورًا ثمَّ تغيَّرَ بسببِ اختلاطِه بشيءٍ طاهرٍ، وهو طاهرٌ في نفسهِ لكنَّهُ لا يُطهِّرُ غيرَهُ،

         بينما الماءُ النَّجِسُ فهو الماءُ الذي اختلطتْ بهِ نَجاسةٌ ويحرُمُ استخدامُهُ في جميعِ الأحوالِ.

         وعلى المسلمِ أن يحرصَ على استخدامِ الماءِ الطَّهورِ في العباداتِ وأن يتجنَّبَ الماءَ النَّجِسَ، وأن يعرفَ أحكامَ الماءِ الطَّاهرِ ليستخدمَهُ في الأغراضِ التي يجوزُ فيها استخدامُهُ.

         كما يجب علينا جميعًا أن نحافظَ على الماءِ ونرشِّدَ استهلاكَهُ، فهو نعمةٌ من نعمِ الله علينا يجب أن نشكرَ الله عليها دائمًا.

  • ملخصُ المقالةِ (بإيجازٍ):

         أنواعُ المياهِ:

         الماءُ الطهورُ: نقيٌّ تمامًا، لم يَختلطْ بهِ شيءٌ. يُستخدمُ في كلِّ شيءٍ.

    أَمثلةٌ: ماءُ المطرِ، ماءُ زمزمَ.

         الماءُ الطاهرُ: كانَ طهورًا وتغيرَ بشيءٍ طاهرٍ. طاهرٌ في نفسِهِ، لكنْ لا يُستخدمُ في العباداتِ.

    أَمثلةٌ: ماءُ الوضوءِ، ماءٌ بهِ صابونٌ.

         الماءُ النجسُ: اختلطَ بنجاسةٍ. يَحرمُ استخدامُهُ.

    أَمثلةٌ: ماءٌ بهِ بولٌ، ماءٌ بهِ دمٌ.

         أَحكامٌ هامةٌ:

         الماءُ الطهورُ يُطهرُ غيرَهُ.

         الماءُ الطاهرُ لا يُطهرُ.

         الماءُ النجسُ يُطهرُ إِذا زالتْ نجاستُهُ، وعادَ إِلى صفاتِهِ الأَصليةِ.

         الأَصلُ في الماءِ الطهارةُ.

         يجبُ الحفاظُ على الماءِ وترشيدُ استهلاكِهِ.

    تنبيه هام:

    إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةٌ بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.