حكم امتناع الزوجة عن فراش الزوج في الإسلام

دليل فقهي وصحي ونفسي شامل حول حكم امتناع الزوجة عن فراش الزوج في الإسلام، يوضح الموانع الشرعية والطبية وأصول التفاهم الأسري لتعزيز المودة والرحمة.

حكم امتناع الزوجة عن فراش الزوج في الإسلام
حكم امتناع الزوجة عن فراش الزوج في الإسلام
  • مقدمة

    يُعدّ الزواج في الإسلام ميثاقًا غليظًا، يقوم على السكن والمودة والرحمة، ويشمل حقوقًا وواجبات متبادلة بين الزوجين. ومن أبرز هذه الحقوق: حقّ الاستمتاع، الذي شرعه الله تعالى للزوجين لتحقيق العفة وغضّ البصر، والامتناع عن الوقوع في الحرام. وقد بيّنت الشريعة حكم امتناع الزوجة عن فراش زوجها، وحدود هذا الامتناع، والآثار الشرعية المترتبة عليه، مراعية بذلك العدل والرحمة والطبيعة البشرية.

  • حقّ الزوج في الاستمتاع بزوجته

    أجمع العلماء على أن من حقّ الزوج الاستمتاع بزوجته إذا لم يكن هناك مانع شرعي، كحيض أو نفاس أو مرض. قال الشيخ مرعي الكرمي: "وللزوج أن يستمتع بزوجته كل وقت، على أي صفة كانت، ما لم يضرها، أو يشغلها عن الفرائض."

    وهذا الحقّ لا يعني التسلّط أو الجبر على غير وجه حقّ، بل يكون ضمن إطار الرحمة والمودة والمعاشرة بالمعروف، كما قال تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" [النساء: 19].

  • موقف المذاهب الفقهية وابن تيمية من تقدير الكثرة

    • إذا بالغ الزوج في طلب الجماع بما يضر المرأة أو يشقّ عليها، فلا حرج عليها في الامتناع، ويُشرع لهما الاتفاق على قدر مناسب للطرفين. قال المرداوي: "إذا زاد الرجل على المرأة في الجماع، صولح على شيء منه." وأكد ذلك القاضي بقوله: "يرجعان في التقدير إلى اجتهاد الحاكم، كما تُقدّر النفقة."

    • راي الفقهاءفي تقدير كثرة الجماع
    • الحنفية: لا تقدير محدّد، ويرجعان إلى الرأي الحاكم.
    • المالكية: ترجيح المصلحة، فإذا لمس القاضي ضررًا أو مصلحة بيّن قدرًا مناسبًا.
    • الشافعية: يرى الإمام النووي أنّ الأنسب هو التوسط بين الإفراط والتفريط.
    • الحنابلة: تشدد في عدم الإضرار أولًا، ثم تقدير العدد بما يرضي الطرفين.

    مثال تطبيقي: حكم المصالحة بين الزوجين على أربع ليالٍ في الأسبوع بدل الليل والنهار المطلق إذا شعرت الزوجة بالتعب المتكرر.

    راي ابن تيمية وابن القيم في مراعاة المصلحة

    • ابن تيمية: لا مبرر لمنع الجماع بغير عذر، وأي مضرّة جسدية تُقدِّر برأي الطبيب أو القاضي.
    • ابن القيم: يحثّ على الرأفة والرأفة المضاعفة في الجماع، ويعتبره من أبواب الرحمة الإلهية.
  • متى يجوز للمرأة الامتناع عن الجماع

    1. وجود عذر شرعي

    يُعدّ وجود عذر شرعي مبيحًا للامتناع، مثل:

    • الحيض والنفاس، لقول الله تعالى: "فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن" [البقرة: 222].
    • المرض أو الضرر المؤكد من الجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" (رواه ابن ماجه).
    • الإرهاق الشديد من كثرة الأعمال أو التعب الجسدي.

    2. انشغالها بفرض من الفروض

    مثل أداء الصلاة في وقتها، فلا يجوز للزوج أن يشغلها عن الفريضة، وهذا داخل في معنى المعاشرة بالمعروف.

    3. تقصير الزوج في النفقة

    النفقة واجبة على الزوج، فإذا امتنع عنها ولم يسلّم حق زوجته، سقط حقّه في الاستمتاع. قال الفقهاء: "النفقة بدل الاستمتاع، فإذا لم يُعطَ العوض سقط المُعوَّض."

     لا عذر بعدم القدرة على الاغتسال

    بعض النساء تتذرع بعدم القدرة على الاغتسال لرفض الجماع، وهذا غير معتبر شرعًا. فلو تعذر استعمال الماء، وجب التيمم، ولا يجوز الامتناع بذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس للمرأة أن تمنع زوجها من الجماع. بل له أن يجامعها فإن قدرت على الغسل وإلا تيممت."

  • حكم الامتناع بغير عذر

    إذا دعا الرجل زوجته إلى الفراش ولم يكن ثمة مانع شرعي، وامتنعت، كانت آثمة. وقد شدّد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    "
    إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح." (متفق عليه).

    وقد عده العلماء من الكبائر، ووجه ذلك أن امتناع المرأة يُعرّض الزوج للفتنة والوقوع في الحرام.

  • توليفات عصرية ودراسات طبية

    • الدراسات الحديثة: أكدت بعض الأبحاث الطبيّة أن الجماع المنتظم يعزّز من إفراز الأوكسيتوسين (“هرمون المحبة”) ويقلّل مستويات التوتر، بشرط ألا يتسبب بأضرار صحّية.(راجع: مجلة الصحة الزوجية، 2023)
    • تغذية وصحة: نظام غذائي غني بالأوميغا-3 والفيتامين D يساهم في زيادة الطاقة والقدرة على المعاشرة.
  • وسائل معالجة النزاع بالمعاشرة

    1.    التفاهم والحوار

    o       وضع جدول تفاهم: مثال – يختار الزوج ليلة واحدة في الأسبوع بموعد محدد، ويتفقان على تبادل الرأي.

    2.    الاستعانة بحَكم أو وسيط

    o       اللجوء إلى قاضٍ أو شيخ ثقة ليقدّر الحدّ المناسب من الجماع، كما في قول المرداوي.

    3.    توزيع الأدوار المنزلية

    o       مشاركة بين الزوجين في الأعمال، لتخفيف إرهاق الزوجة وزيادة الرغبة المتبادلة.

    4.    الأنشطة الترفيهية

    o       قضاء وقت مشترك خارج المنزل لرفع معنويات الطرفين وتعزيز التواصل العاطفي.

  • خاتمة

    إن العلاقة الزوجية في الإسلام ليست علاقة جسدية فقط، بل هي عبادة يُثاب عليها الطرفان إذا التزما حدود الله فيها. وقد جاءت الشريعة ببيان دقيق لحكم امتناع المرأة عن الفراش، مراعيةً حاجة الرجل، وقدرة المرأة، وظروفها الصحية والشرعية. فلتكن العلاقة بين الزوجين قائمة على الرحمة والتراحم، لا على الإكراه والجفاء، وليتقِ الله كلٌّ منهما في الآخر.