مد التمكين: تعريفه، أنواعه، أحكامه، وأمثلة من القرآن الكريم

يُعد مدّ التمكين أحد أنواع المد الطبيعي، وهو من الدقائق التجويدية التي تُظهر جمال اللغة القرآنية، وتمنع اللبس في اللفظ والمعنى. ورغم بساطة مظهره، إلا أنه يُسهم بدور مهم في بيان الحروف ومنع إدغام أو إسقاط ما يجب إثباته. في هذه المقالة، نستعرض مد التمكين بتفصيل شامل، مع أمثلة قرآنية وبيان أحكامه، ليفيد دارسو علم التجويد والقراءة على رواية حفص عن عاصم.

مد التمكين هو نوع من المدود الطبيعية، يأتي لتمكين النطق بياء أو واو مديتين عند التقائهما بحرف مماثل، مثل ياء بعدها ياء أو واو بعدها واو، منعًا من إدغام أحد الحرفين في الآخر أو سقوطه.

تعريفه عند علماء التجويد:
هو المد الذي يُؤتى به حين تأتي ياء مدية بعدها ياء مشددة أو متحركة، أو واو مدية بعدها واو مشددة أو متحركة، فيُمد الحرف الأول مدًّا طبيعيًا بمقدار حركتين.

وفي رواية حفص عن عاصم، لا يُمد مد التمكين أكثر من حركتين، ويُلحق بالمد الطبيعي، وليس له سوى وجه القصر.

سُمي هذا المد بـ"التمكين" لعدة أسباب:

• لأن الشدة تمكّن القارئ من النطق بالحرف بشكل واضح، فيُثبت الحرف المدّي ولا يُدغم.
• لأن المد الطبيعي يُمكّن من النطق بالحرفين المتشابهين دون التباس.
• لأن الشدة الواقعة قبل المد تجعل الحرف المدّي ظاهرًا متمكنًا من اللسان، فلا يسقط.

• حكمه: واجب في المواضع التي يتحقق فيها شرطه، ويُلحق بالمد الطبيعي.
• مقداره: حركتان فقط، أي بمقدار النطق بحرفين قصيرين كالفتحة.

الحالة الأولى: ياء مشددة مكسورة تسبقها ياء مدية

وهذه هي أوضح صور مد التمكين، ويكون الحرف الأول (ياء المد) ساكنة مكسور ما قبلها، ويأتي بعدها ياء مشددة مكسورة.

أمثلة قرآنية:

• ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا﴾ – حيِّيتم
• ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾ – النبيِّين
• ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ﴾ – الْحواريِّين
• ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ – علِّيِّين
• ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ – الأميِّين

الحالة الثانية: واو ساكنة مضموم ما قبلها، بعدها واو متحركة

في هذه الحالة، تأتي الواو المدية متبوعة بواو متحركة، فتُمدّ الأولى تمكينًا للحرف من الظهور.

أمثلة قرآنية:

• ﴿قَالُوا وَأَقْبَلُوا﴾ – قالوا وأقبلوا
• ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ – واو التمكين
• ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ﴾ – توبوا

الحالة الثالثة: ياء ساكنة مكسور ما قبلها، بعدها ياء متحركة

مثل الحالة الأولى، ولكن هنا لا تكون الياء مشددة، بل متحركة فقط، وتُمدّ الأولى منعًا من الإدغام.

أمثلة قرآنية:

• ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ﴾ – الذي يوسوس
• ﴿لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ﴾ – يستحيي
• ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ – يُحيي

• إظهار جمال التلاوة القرآنية.
• حماية المعنى من التحريف نتيجة الإدغام.
• تمييز بين الحرفين المتماثلين.
• تحقيق الترتيل والتبيين في القراءة.

يُعتبر مد التمكين من الأسرار الدقيقة في علم التجويد، التي تُظهر عناية الأمة القرآنية باللفظ والمعنى، وتجعل القارئ واعيًا لحركات الحروف وتراكيبها. وهو مدٌ طبيعي من حيث الحكم والمقدار، لكنه ذو أثر بلاغي وصوتي كبير. وعلى القارئ والمدرّس والطالب أن يتقن هذا المد، وأن يُدرج أمثلته في تلاوته، لينال فضل الإتقان والتجويد.