حسن التبعل والتودد للزوج في الإسلام

مقالة تفصيلية عن مفهوم حسن التبعل والتودد في الإسلام، مع الأدلة من القرآن والسنة، أقوال العلماء، ونماذج من الصحابيات والسلف الصالح، وكيفية اكتساب هذه الصفة وترسيخها لتحقيق الاستقرار الأسري والدخول إلى الجنة.

حسن التبعل والتودد للزوج في الإسلام
حسن التبعل والتودد للزوح
  • مقدمة

    إن مفهوم حسن التبعل والتودد من أهم المفاهيم التي أولى الإسلام العناية بها في بناء الأسرة المسلمة. فهي ليست مجرد لباقة أو وداع اجتماعي، بل عبادة وخلق يقرب الزوجة إلى ربها ويؤكد دورها الفعّال في ترابط الأسرة واستقرار المجتمع. ومن هنا تعدّ هذه الصفة بابًا من أبواب الجنة للنساء، كما جاء في الأحاديث النبوية. في هذا المقال نقدم لكِ دليلاً متكاملاً عن تعريف الصفة، أدلتها الشرعية، أقوال العلماء، نماذج من الصحابيات والتابعيات، وكيفية اكتسابها وتطبيقها خطوة بخطوة.

  • تعريف حسن التبعل والتودد

    • التبعل في اللغة: مشتق من البعل – الزوج – ويعني حسن العشرة والمصاحبة.
    • في الشرع: التودد للزوج بالكلمة الطيبة، والبسمة، والخدمة، ورعاية شؤون البيت، والاحتساب عند الصبر، والمجاملة بالقول والفعل.

    ابن منظور يبيّن في لسان العرب أن “أحسنتن تبعل أزواجكن” أي عاشرنهن معيشة طيبة، وحسن مؤانستهن في الزوجية والعشرة.

  • الأدلة الشرعية على حسن التبعل والتودد للزوج في الإسلام

    آيات قرآنية

    • ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]
    • ﴿فَالْصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: 34]
      • قال ابن تيمية: “هذه الآية تقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقًا في غير معصية، كما تجب طاعة الوالدين”[1].

    أحاديث نبوية

    1.   حديث الجنة للنساء:

    “ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودودُ الولود، العؤودُ على زوجها، التي إذا آذت أو أُوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول: لا أذوق غمضًا حتى ترضى”
    (رواه النسائي)

    2.   حديث الجهاد:

    “إذا أحسنت إحداكن تبعلها، وطلبت رضا زوجها، وأطاعته، كانت لها أجر المجاهد في سبيل الله”

    3.   حديث رضا الزوج:

    “أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة”
    (رواه الترمذي)

    4.   حديث الطاعة:

    “خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره”
    (رواه أبو داود)

  • أقوال العلماء في حسن التبعل

    • ابن تيمية: “يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقًا؛ من خدمة، وسفر معه، وتمكين له… كما تجب طاعة الوالدين”[1].
    • الشيخ ابن القيم: بيّن أن نصيحة الزوجة لزوجها، والدعاء له بظهر الغيب من صور التودد التي تقوي العلاقة وتؤجر عليها.
  • نماذج لحسن التبعل والتودد للزوج من السلف الصالح

    . أم سليم رضي الله عنها

    روت القصة أنّها جاءت لأبي طلحة بخبر وفاة ابنه، فحضّرت له العشاء، ثم بعد أن انصرف الحزن عمّر الله لهما ليلة حبَّبت قلب زوجها إليها، حتى ولدت ولداً جديدًا، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم:

    “بارك الله لكما في غابر ليلتكما”

    فكانت براعتها في إدارة الموقف واحتسابها عند الله سببًا لنمو الأسرة ورزقهما الذرية الصالحة[2].

    2. أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها

    كانت تعلف فرس زوجها الزبير وتعينه في خدمته رغم انشغالهما بالدعوة، وظلّت محتسبة عند الله، فكانت قدوة في الصبر والصلاة والعمل[3].

    3. شريح القاضي

    في قصة طويلة يروي كيف عاش عشرين عامًا مع زوجته دون أن يغضبه منها شيء، وذلك بعد اتفاقهما المسبق على حسن المعاملة وتوضيح المباح والمكروه، فكان حسن التبعل أساسًا لعشرة مباركة[4].

    4. أمامة بنت الحارث

    أوصت ابنتها عند زفافها بعشر خصال منها:

    • الصحبة بالقناعة
    • المعاشرة بحسن السمع والطاعة
    • التهذيب لموقع عين الزوج
    • التعهد لوقت طعامه
    • الهدوء عند نومه
      … وغيرها من الوصايا التي جعلت ابنتها أمًّا لسبعة ملوك بعد ذلك[5].
  • هل حسن التبعل والتودد للزوج صفة مكتسبة أم فطرية؟

    هي صفة فطرية ومكتسبة بنفس الوقت

    • فطرية: تظهر عند بعض النساء بغير تدريب.
    • مكتسبة:
      • بالتخلق بالأخلاق القرآنية والنبوية.
      • بالتربية الصالحة والرفقة الصالحة.
      • بالاطلاع على سير الصالحات والتأسي بهن.
      • بالممارسة المستمرة والمراجعة الذاتية.
  • كيفية تبعل وتودد المرأة لزوجها

    1.   الابتسامة والترحيب عند دخول البيت وخروجه.

    2.   التجمل والاعتناء بالمظهر بما يسر الزوج.

    3.   احترامه أمام أهله وأصدقائه وعدم انتقاده بالعلانية.

    4.   تهيئة الجوّ الهادئ قبل نومه وتوفر الطعام.

    5.   الاكتفاء بالبسيط من الزينة والحُلي وفق المستطاع.

    6.   الصفح عن الزلة وفتح باب الحوار البناء عند الخلاف.

    7.   سد حاجاته المادية والنفسية والدعاء له.

    8.   تربية الأولاد على احترام والديهم وسماع كلامهم.

  • أثر حسن التبعل في الأسرة والمجتمع

    • استقرار الحياة الزوجية وتقلّص الخلافات.
    • انتشار الرحمة والمودة في البيت.
    • رفع مكانة المرأة عند زوجها وأسرته.
    • بركة الرزق وفتح أبواب الخير.
    • قدوة للأجيال في حسن العشرة والبر.
  • خاتمة

    إن حسن التبعل والتودد للزوج عبادة كبيرة تُقوّي رباط الزوجية وتفتح أبواب الجنة على الزوجة الصالحة.
    فعلى المسلمة أن تحافظ على هذه الصفة، تحتسب الأجر عند الله، وتعمل بوصايا السلف الصالح. ولا تنسي أن رضا الزوج جزء من رضا البارئ، وأن ما تقدّمينه من إكرام وصبر ومحبة لن يضيع أجره عند الله.

    “وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله” [البقرة: 110].