فضل قول: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» وأسرار هذا الذكر العظيم
تعرف على فضل قول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وأسرار هذا الدعاء العظيم الذي نجّى الله به نبيه يونس عليه السلام، وكيف يكون سببًا لتفريج الكرب والهم وتيسير الأمور. اكتشف معناه، حكم ترديده، وضوابط نشره وعدد مرات قوله، مع الأدلة من القرآن والسنة.

جدول المحتويات
- مقدمة
- أصل الدعاء وقصته في القرآن الكريم
- الحديث النبوي في فضل هذا الدعاء
- المعاني العميقة في دعاء يونس عليه السلام
- حكم نشر هذا الدعاء وتحديد ثوابه بعدد معين
- فضل هذا الذكر في تفريج الكربات
- علاقة هذا الذكر بالاستغفار والرجوع إلى الله
- متى يُقال هذا الدعاء؟
- عجائب الدعاء وأثره في حياة المسلم
- ضوابط ترديد هذا الدعاء
- رسالة إيمانية
- خاتمة
-
مقدمة
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين مكتوب يمرّ الإنسان في حياته بمواقف متعددة تجمع بين الفرح والضيق، والسعادة والابتلاء، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن طبيعة الحياة الدنيا قائمة على الكبد والمشقة، فقال تعالى:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4].
وفي ظل هذا الصراع اليومي بين الهمّ والرجاء، يبرز الدعاء كوسيلة ربانية تمنح الإنسان الطمأنينة والسكينة، وأعظم الأدعية ما نُقل إلينا عن أنبياء الله ورسله، الذين ألهمهم الله كلمات تجمع بين التوحيد والتسبيح والتوبة.
ومن بين هذه الأدعية المضيئة، يبرز قول سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت:
﴿لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]،
دعاءٌ جمع كمال التوحيد، ونقاء الاعتراف بالذنب، والتسليم المطلق لأمر الله تعالى. -
أصل الدعاء وقصته في القرآن الكريم
ورد هذا الدعاء في سياق قصة نبي الله يونس عليه السلام عندما ترك قومه غاضبًا قبل أن يأذن له ربه، فابتلاه الله بأن التقمه الحوت، فقال تعالى:
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87-88].تأمل قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾، فهذه بشارة عظيمة أن هذا الدعاء ليس خاصًا بيونس عليه السلام، بل هو وعد لكل مؤمن دعا الله به في كرب أو همّ أو ضيق، أن يستجيب الله له ويفرج كربه.
-
الحديث النبوي في فضل هذا الدعاء
فضل لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين في السنة النبوية ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال:
«دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له».
(رواه الترمذي والنسائي والحاكم، وصححه الألباني).هذا الحديث النبوي الشريف يوضح أن الدعاء مفتوح لكل مسلم في كل زمان ومكان، وأنه وسيلة عظيمة لاستجلاب الرحمة ودفع البلاء وتفريج الكرب، بشرط صدق النية والإخلاص.
-
المعاني العميقة في دعاء يونس عليه السلام
يتضمن هذا الدعاء ثلاث مقامات إيمانية عظيمة:
1. التوحيد الخالص:
قوله: «لا إله إلا أنت»، إثباتٌ لوحدانية الله ونفيٌ لكل شريك أو ندّ له سبحانه.
إنه إقرار بأن الله وحده المالك المتصرف في الكون، وهو وحده القادر على الفرج بعد الشدة.2. التنزيه والتسبيح:
قوله: «سبحانك»، أي تنزيه الله عن كل نقص وعيب، فهو الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله، ولا يُنسب إليه الظلم أو الخطأ أو الجهل.3. الاعتراف بالذنب:
قوله: «إني كنت من الظالمين»، فيه التواضع والاعتراف بالتقصير، وهو مفتاح القبول، إذ قال النبي ﷺ:«التائب من الذنب كمن لا ذنب له».
فهذا الدعاء يجمع بين التوحيد، والتسبيح، والاعتراف بالذنب، وهي أعظم مفاتيح استجابة الدعاء.
-
حكم نشر هذا الدعاء وتحديد ثوابه بعدد معين
انتشر في بعض وسائل التواصل منشورات تقول:
“من قال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين كتب الله له ثلاثين ألف حسنة.”
وهذا القول لا أصل له في السنة، ولم يثبت في أي حديث صحيح، كما أكد العلماء في موقع إسلام ويب أنه لا يجوز تحديد عدد للحسنات دون دليل شرعي.
فالثواب الجزيل لهذا الذكر لا يُقاس بالأرقام، وإنما بعظم الإخلاص وحضور القلب عند الذكر، فالله وحده يجزي من يشاء بغير حساب.
وعليه، يجوز نشر الدعاء والتذكير به، لكن دون تحديد عدد أو وعد بثوابٍ معين، لأن ذلك يدخل في البدع المحدثة التي لم ترد عن النبي ﷺ.
-
فضل هذا الذكر في تفريج الكربات
أجمع العلماء على أن هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي تُقال عند الكرب والضيق، فقد ثبت عن ابن القيم رحمه الله أنه قال في زاد المعاد:
“في هذا الدعاء من كمال التوحيد والتنزيه لله عز وجل، واعتراف العبد بذنبه، ما هو من أنفع أدوية الكرب والغمّ والهمّ والحزن.”
كما قال الله تعالى بعد قصة يونس عليه السلام:
﴿وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾، أي كما نجينا يونس من ظلمات بطن الحوت، ننجي المؤمنين من ظلمات الهموم والابتلاءات.إنه وعدٌ رباني صادق لكل عبدٍ لجأ إلى الله بهذا الدعاء موقنًا بالإجابة.
-
علاقة هذا الذكر بالاستغفار والرجوع إلى الله
العبد المؤمن حين يكرر هذا الدعاء، فإنه في الحقيقة يستغفر الله ضمنًا، لأن قوله: «إني كنت من الظالمين» يتضمن التوبة والاعتراف بالذنب.
وقد ربط القرآن بين الاستغفار والفرج، فقال تعالى:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12].فالاستغفار والدعاء بهذا الذكر العظيم يفتح أبواب الرزق والطمأنينة والبركة، ويزيل الهموم ويجلب السعادة الروحية.
-
متى يُقال هذا الدعاء؟
لا يُشترط أن يُقال فقط في أوقات الكرب، بل هو ذكر مشروع في كل حين، كما جاء في الفتوى رقم (283006) من موقع إسلام ويب:
“يجوز للمسلم أن يقول هذا الدعاء في أي وقت، لأن الذكر عبادة مشروعة في كل الأوقات، ولم يرد عن النبي ﷺ تحديد زمن أو عدد معين لترديده.”
فمن قاله صباحًا أو مساءً، أو عند السجود، أو في خلوته، فهو على خير عظيم، لأن الله تعالى قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42]. -
عجائب الدعاء وأثره في حياة المسلم
ذكر أهل التجربة والصالحون من قبل أن هذا الدعاء سببٌ لتيسير الأمور وتفريج الهموم، ومن عجائبه:
- يورث القلب راحة وسكينة لا تضاهيها لذة دنيوية.
- يفتح أبواب الرزق، ويدفع البلاء.
- يبعث في النفس الأمل والثقة برحمة الله.
- يعالج القلق والاكتئاب الروحي، إذ يربط العبد بخالقه.
- يجدد الإيمان في القلب ويذكّر بالتوبة والإنابة.
وقد قال الإمام ابن عطاء الله السكندري:
“ما طرق عبد باب الله إلا فُتح له، ولو بعد حين.”
- يورث القلب راحة وسكينة لا تضاهيها لذة دنيوية.
-
ضوابط ترديد هذا الدعاء
1. لا يجوز تحديد عددٍ لترديده كقول: “قلها 30 مرة أو 100 مرة”، لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ.
2. يستحب قولها بتدبر وخشوع لا مجرد تكرارٍ باللسان.
3. لا تُجعل بديلاً عن سائر الأذكار، بل ضمن منظومة الأذكار المشروعة.
4. لا يُنشر في منشورات تتضمن وعودًا محددة بالأجر دون دليل.
-
رسالة إيمانية
أيها المؤمن، إن دعاء يونس عليه السلام هو مدرسة في التوحيد والصبر والاعتراف بالذنب، وهو رسالة من الله لكل مكروبٍ أو مهموم: أن الفرج قريب، وأن الله يسمع دعاءك ولو كنت في ظلماتٍ ثلاث.
فاجعل هذا الذكر وردًا في يومك، وردده بوعيٍ وإخلاص، واستشعر أنك تناجي الله الواحد الأحد الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
-
خاتمة
دعاء «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو عقيدة وإيمان وتوبة وانكسار بين يدي الله تعالى.
فمن لازم هذا الذكر بيقينٍ وخشوعٍ، رُزق راحة البال وطمأنينة القلب، وفتح الله له أبواب الفرج من حيث لا يحتسب.قال تعالى:
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].فأكثروا من هذا الذكر العظيم، وأذيعوا فضله بين الناس دون تحديدٍ أو مبالغة، فهو من الأذكار الجامعة لأصول العبودية، ومن مفاتيح القرب من الله جل جلاله.