حكم قراءة القرآن وأنت مستلقٍ أو على السرير

تعرف على الحكم الشرعي في قراءة القرآن وأنت مستلقٍ على السرير أو على الجنب، مع الأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء، وبيان آداب التلاوة وشروطها لتحقيق الخشوع والأجر العظيم.

حكم قراءة القرآن وأنت مستلقٍ أو على السرير
حكم قراءة القرآن وأنت مستلقٍ أو على السرير
  • مقدمة

    تُعَدّ تلاوة القرآن الكريم من أجلِّ القربات وأعظم الطاعات التي يُتقرب بها إلى الله تعالى، فهي سبب لنور القلب وسكينة النفس، ورفعة الدرجات في الدنيا والآخرة. ومع نمط الحياة المعاصر الذي يشهد انشغال الناس وتعب الأبدان، يكثر السؤال عن جواز قراءة القرآن أثناء الاستلقاء أو الجلوس على السرير، وهل يتعارض ذلك مع تعظيم كلام الله؟ هذا السؤال يتكرر من محبي القرآن الراغبين في الجمع بين الراحة الجسدية والعبادة القلبية. وفي هذه المقالة نعرض الحكم الشرعي بدقة مع الأدلة من القرآن والسنة، وأقوال العلماء، مع بيان آداب القراءة وأفضل الأحوال التي يُثاب عليها المسلم.

  • الأصل في قراءة القرآن أنها ذكر لله

    أوضح الله سبحانه وتعالى أن عباده الصالحين يذكرونه في جميع أحوالهم، فقال جل شأنه:

    ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 191].

    وهذه الآية أصل في جواز ذكر الله في جميع الأوضاع، لأن الذكر لا يختص بحالة دون أخرى، بل يشمل القراءة والدعاء والتسبيح.
    وقد قال المفسرون إن المقصود بـ الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم أي في كل أحوالهم، حتى حال الاضطجاع والنوم، فدل ذلك على جواز قراءة القرآن في تلك الحالات كلها، لأن القرآن من أعظم الذكر.

  • الأدلة من السنة النبوية

    ثبت في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:

    "كان رسول الله ﷺ يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن."

    وهذا الحديث الشريف دليل واضح على أن النبي ﷺ قرأ القرآن وهو في حالة اتكاء، ولم يكن جالسًا على هيئة معينة، مما يدل على جواز القراءة حال الاستلقاء أو الاضطجاع، لأن الاتكاء صورة من صور الاستلقاء.

  • أقوال العلماء في حكم قراءة القرآن أثناء الاضطجاع

    1. مذهب جمهور العلماء

    ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز قراءة القرآن في كل حال، سواء كان القارئ قائمًا أو جالسًا أو مضطجعًا، ما دام ذلك على طهارة القلب والبدن، ولا يتضمن امتهانًا للمصحف الشريف.

    2. رأي العلماء المعاصرين

    أكد كبار العلماء المعاصرين كـ الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء أنه لا حرج في قراءة القرآن وأنت مستلقٍ على السرير أو على جنبك، مستدلين بقوله تعالى في سورة النساء:

    ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103].

    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

    "لا حرج في قراءة القرآن وأنت مضطجع على جنبك أو على ظهرك، لأن الله جل وعلا أثنى على عباده الذاكرين له قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، والقرآن من الذكر، والحمد لله."

  • هل يجوز القراءة على الجانب الأيسر أو الأيمن؟

    يجوز للمسلم أن يقرأ وهو على أي من الجانبين، الأيمن أو الأيسر، لأن النصوص جاءت مطلقة ولم تفرق بين الجانبين.
    لكن الأفضل أن يقرأ المسلم وهو على جانبه الأيمن اقتداءً بالسنة، لأن النبي ﷺ كان يحب التيامن في شأنه كله، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:

    "كان النبي ﷺ يحب التيامن في شأنه كله."
    (رواه البخاري ومسلم)

    فمن قرأ القرآن على جانبه الأيمن فقد جمع بين الجواز والاتباع، ومن قرأ على جانبه الأيسر فلا حرج عليه.

  • حكم القراءة على البطن

    الاضطجاع على البطن منهيٌّ عنه في السنة، فقد روى الإمام الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال:

    "مرّ بي النبي ﷺ وأنا مضطجع على بطني، فركضني برجله وقال: يا جنيدب، إنما هذه ضجعة أهل النار."
    (حديث حسن)

    وعليه، لا يُستحب القراءة في هذه الهيئة، لأنها من الضجعات المكروهة، ولو قرأ في تلك الحالة صحَّت القراءة ولم يأثم إن لم يقصد بها استهانة، لكن الأفضل تجنبها لما ورد من النهي الصريح.

  • قراءة القرآن في السرير قبل النوم

    من السنة أن يختم المسلم يومه بذكر الله وقراءة القرآن، فقد كان النبي ﷺ إذا أوى إلى فراشه قرأ سور الإخلاص والمعوذتين ونفث في يديه ومسح بهما جسده.
    وفي ذلك دلالة على جواز القراءة في السرير قبل النوم، سواء كانت من المصحف أو مما يحفظه القارئ، مادام القصد هو التقرب إلى الله.
    وقد سُئلت دار الإفتاء المصرية عن هذا فقالت:

    "لا مانع من قراءة القرآن وأنت جالس على السرير أو مضطجعًا عليه، لأن قراءة القرآن عبادة قلبية ولسانية لا تتوقف على هيئة معينة."

  • خاتمة

    خلاصة القول:
    إن قراءة القرآن الكريم جائزة في كل حالٍ وهيئةٍ، سواء كان المسلم قائمًا أو جالسًا أو مستلقيًا على جانبه، لأن المقصود هو دوام الذكر واستحضار كلام الله في جميع الأحوال.
    لكن الأفضلية تكون لمن قرأ وهو على طهارة، مستقبل القبلة، بوقار وخشوع.
    أما القراءة على البطن فهي مكروهة لما ورد من النهي عنها.
    وفي كل الأحوال، من أخلص النية لله في تلاوته، وأحسن الأدب مع القرآن، فله الأجر العظيم، قال تعالى:

    ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: 29].