حكم قراءة القرآن بالتجويد وأقوال العلماء فيه

ما حكم قراءة القرآن بالتجويد؟ وهل يجب على كل مسلم تعلمه؟ نستعرض في هذا المقال أقوال العلماء المتقدمين والمعاصرين في حكم التجويد، مع بيان الأدلة الشرعية وفضل تحسين التلاوة وقراءة القرآن على الوجه الصحيح الذي يرضي الله تعالى.

حكم قراءة القرآن بالتجويد وأقوال العلماء فيه
حكم قراءة القرآن بالتجويد وأقوال العلماء فيه
  • مقدمة

    القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، أُنزل بلسانٍ عربيٍ مبين، وتعبّدنا الله بتلاوته على الوجه الذي نزل به. ومن هنا جاءت أهمية التجويد، فهو الوسيلة التي تحفظ اللسان من الخطأ وتضمن أداء الحروف كما نطقها النبي ﷺ.
    لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل قراءة القرآن بالتجويد واجبة؟ أم مستحبة؟
    في هذا المقال نستعرض حكم التجويد في الإسلام، وأقوال العلماء فيه، ونبين ما يجب على المسلم تجاه هذا العلم الشريف.

  • ما هو علم التجويد؟

    التجويد لغةً: التحسين والإتقان.
    واصطلاحًا: كما عرّفه الإمام ابن الجزري رحمه الله:

    "إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبها مراتبها، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه من غير إسراف ولا تكلف."

    أي أن التجويد هو العلم الذي يعلمك كيف تنطق كل حرف من القرآن نطقًا صحيحًا كما سمعه الصحابة من النبي ﷺ.

  • الهدف من التجويد

    • صون اللسان من اللحن والتحريف.
    • تحقيق التلاوة الصحيحة كما نُقلت بالسند المتواتر.
    • التدبر والخشوع عند قراءة القرآن.
    • إجلال كلام الله تعالى بأدائه على أكمل وجه.

    ولهذا قال الإمام ابن الجزري:

    "وهو حلية التلاوة وزينة القراءة."

  • حكم تعلم التجويد

    اتفق العلماء على أن تعلم التجويد نظريًا فرض كفاية، أي إذا قام به من يكفي الأمة سقط الإثم عن الباقين، لأن الأمة تحتاج من يُعلّم القرآن كما أُنزل.

    أما تطبيق التجويد في القراءة العملية، فهو محل خلاف بين العلماء، وسنذكر أقوالهم بالتفصيل.

    القول الأول: وجوب قراءة القرآن بالتجويد

    ذهب جمهور علماء القراءات والقراء المتقدمين إلى أن التجويد واجب على كل مسلم يقرأ القرآن، لأن الله تعالى أمر بالترتيل، فقال:

    {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4].

    وقال أيضًا:

    {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121].

    وقد فسر ابن عباس رضي الله عنه قوله حق تلاوته بقوله: "يتبعونه حق اتباعه، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويقرؤونه كما أُنزل."

    كما ثبت في الصحيحين أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال عن قراءة النبي ﷺ:

    "كانت مَدًّا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمدّ ببسم الله، ويمدّ بالرحمن، ويمدّ بالرحيم."

    وهذا دليل على أن التجويد سنة عملية متواترة عن النبي ﷺ.

    ومن العلماء الذين قالوا بوجوبه:

    • الإمام ابن الجزري، حيث قال:

    "والأخذ بالتجويد حتم لازم، من لم يجود القرآن آثم."

    • أبو عمرو الداني، ومكي بن أبي طالب، ونصر الشيرازي وغيرهم.

    هؤلاء يرون أن ترك التجويد مع القدرة عليه إثم، لأنه إخلال بالصفة المنقولة عن النبي ﷺ، ولأن اللحن في القرآن تغيير للفظه، ولو كان يسيرًا.

    القول الثاني: استحباب التجويد وعدم وجوبه

    قال فريق آخر من العلماء: إن التجويد مستحب وليس واجبًا، وأن الواجب هو تصحيح الحروف بحيث لا يتغير المعنى، أما تفاصيل التجويد الدقيقة فليست واجبة.

    ومن أبرز من قال بذلك:

    • شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
    • تلميذه ابن القيم.
    • الشيخ ابن باز رحمه الله.
    • الشيخ ابن عثيمين.
    • الشيخ عبد الرحمن السعدي.

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

    "التجويد تحسين للفظ، وتحسين اللفظ بالقرآن خير بلا شك، لكنه ليس بواجب؛ لأن الدليل على وجوبه غير قائم."

    وقال الشيخ ابن باز:

    "من قرأ القرآن قراءة صحيحة واضحة، بدون التزام بأحكام التجويد الدقيقة، فقراءته صحيحة، لكن الأفضل أن يعتني بتحسينها."

    واستدل أصحاب هذا القول بحديث النبي ﷺ:

    «زينوا القرآن بأصواتكم» (رواه أبو داود وصححه الألباني)،
    وقالوا: إن التحسين والتغني بالقرآن مطلوب على وجه الاستحباب لا الوجوب.

    كما قالوا إن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يعلمون الناس مخارج الحروف وصفاتها كما في كتب التجويد، وإنما كانوا يقرؤون بالسليقة العربية الصحيحة.

    الجمع بين القولين

    ذهب بعض العلماء إلى التفصيل والجمع بين القولين فقالوا:

    • إن التجويد واجب فيما يغير تركه المعنى أو يخل بنطق الحروف الصحيحة، كمن ينطق الذال زايًا أو الثاء سينًا.
    • وهو مستحب فيما لا يغيّر المعنى وإنما يجمل القراءة، مثل مقدار المد أو الإخفاء أو الغنة.

    وهذا القول هو الأقرب، لأنه يحقق المقصد الشرعي وهو صون المعنى دون تكلف.

  • آداب التلاوة الصوتية

    • تحسين الصوت بالقرآن سنة مؤكدة لقوله ﷺ:

    «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (رواه البخاري).

    • ينبغي أن يكون القارئ خاشعًا متدبرًا، لا يتكلف في إخراج الأصوات أو يتغنى بها على وجه ينافي الخشوع.
    • قال الإمام الغزالي:

    "من قدر على التعلم فقرأ باللحن فهو آثم، أما من عجز فقراءته صحيحة وله أجر المجتهد."

  • أقوال العلماء في حكم التطبيق العملي التجويد في قراءة القرآن

    ???? ابن الجزري:

    "من لم يجود القرآن آثم، لأنه به تُعرف القراءة الصحيحة."

    ???? ابن باز:

    "القراءة بغير تجويد صحيحة إذا خلت من اللحن، لكن ينبغي الحرص على التعلم لتحسين الأداء."

    ???? ابن عثيمين:

    "ليس من الواجب على المسلم أن يطبق جميع قواعد التجويد، ولكن يجب أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة بلا لحن."

    ???? الشيخ صالح الفوزان:

    "الواجب هو القراءة الصحيحة، وأما التجويد فهو من مكملات الأداء المستحبّة."

  • هل يأثم من ترك التجويد؟

    من ترك التجويد مع القدرة على تعلمه ووقع في لحن جلي يغيّر المعنى — فهو آثم لأنه غيّر كلام الله.
    أما من قرأ قراءة صحيحة مفهومة دون تطبيق دقيق لكل حكم تجويدي، فقراءته صحيحة وله أجر، لكنه فاتته فضيلة الكمال والإتقان.

  • الخاتمة

    التجويد ليس مجرد علم صوتي، بل هو عبادة قلبية ولسانية تُظهر تعظيم المسلم لكلام الله.
    والصواب أن التجويد واجب في قدر ما يصحح المعنى، ومستحب في ما عدا ذلك.
    فمن قرأ بلسانٍ عربيٍ سليم فقد أدى الواجب، ومن أتقن التجويد فقد بلغ درجة الإحسان.

    قال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} [البقرة: 121].