المسيح الدجال: حقيقته، صفاته، وفتنته العظمى في آخر الزمان
تناول المقال: حقيقة المسيح الدجال وصفاته وفتنته العظمى في آخر الزمان، مع الأدلة الشرعية من القرآن والسنة، وأقوال العلماء، ووسائل النجاة من فتنته في عصر الفتن المتلاحقة.
-
مقدمة
الوقاية من فتنة المسيح الدجال من أعظم ما حذّر منه النبي ﷺ أمته فتنة المسيح الدجال، تلك الفتنة التي وصفها بأنها «ما من نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال»، كما ورد في الصحيحين. إنّها فتنة تجمع بين الخداع العقدي، والاختبار الإيماني، والتضليل العقلي، حتى ليظن الجاهل أنه يملك من أمر الخلق شيئًا، بينما هو عبد لله يفتن الله به عباده ليميز المؤمن من المنافق.
ولذلك كان العلم به فرض كفاية على الأمة، إذ لا ينجو من فتنته إلا من عرف صفاته وأدلّته، وثبّت الله قلبه باليقين. -
حقيقة المسيح الدجال
الدجال رجل من بني آدم، ليس شيطانًا ولا جنًّا، بل بشر يأكل ويشرب ويتكلّم، إلا أن الله قدّر أن تكون على يديه خوارق عظيمة ليُبتلى بها الناس.
قال الإمام النووي رحمه الله:«أحاديث الدجال متواترة، وإجماع الأمة على خروجه، وأنه رجل بعينه يراه الناس» (شرح مسلم 18/58).
سُمّي "المسيح" لأن إحدى عينيه ممسوحة، وقيل لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في زمن يسير، وسُمّي "الدجال" من الدَّجْل أي الخلط والكذب والتلبيس، لأنه يُظهر الباطل في صورة الحق ويُزيّن الضلال.
وقد جعله الله فتنةً لضعفاء الإيمان الذين ينبهرون بالمظاهر والخوارق، فيتبعونه ظانين أنه إله، بينما المؤمنون يعلمون أنه بشر عاجز مخلوق.
-
مكان وزمان خروجه
ثبت في الحديث أن الدجال يخرج من جهة المشرق. قال النبي ﷺ:
«إنه يخرج من خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة»
رواه أحمد والترمذي.وفي رواية أخرى عند مسلم:
«يخرج من طريق بين الشام والعراق».
أما زمان خروجه، فيكون في آخر الزمان حين تكثر الفتن، ويعمّ الجهل، ويُرفع العلم، وتضعف الروابط الدينية، فينصرف الناس عن ربهم إلى الدنيا.
قال ﷺ:«من سمع بالدجال فلينأ عنه، فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه لما يبعث به من الشبهات»
رواه أبو داود (4319).وفي ذلك تنبيه للمسلم أن الفتن إذا انتشرت فليعتزلها، ولا يثق بعقله في مواجهة شبهات الباطل.
-
صفاته الجسدية
ورد في الصحيحين وصف دقيق لهيئة الدجال، حتى لا يلتبس أمره بالمؤمنين:
- أعور العين اليمنى، والعين الأخرى كالعنبة الطافية.
- مكتوب بين عينيه (كافر)، يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب.
- جسيم ضخم الجسد، عريض المنكبين، أحمر البشرة، جعد الشعر.
قال ﷺ:
«إن الله ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية»
رواه البخاري (7131) ومسلم (2934).فالمؤمن الحق لا يُفتن بمظهره، لأنه يعلم أن الله سبحانه منزه عن صفات النقص، وليس جسدًا يرى أو يوصف.
- أعور العين اليمنى، والعين الأخرى كالعنبة الطافية.
-
فتنته العظمى وأكاذيبه
من أشد ما يُبتلى به الناس في آخر الزمان أن يظهر الدجال بقدرات خارقة يراها الناس، فيظنون أنه ربّهم.
يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويُظهر خوارق كأن يحيي الموتى أو يخرج الكنوز من الأرض. لكن ذلك بإذن الله فتنةً وامتحانًا لا دلالة على صدقه.روى الإمام مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال:
«يأتي الدجال ومعه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار».
أي أنه يعكس الحقائق ليُضلّ الناس.
ويُفتن الناس به على مراتب:
- العامة وضعاف الإيمان يتبعونه لما يرونه من خوارق.
- العلماء والعارفون بالله يعرفون كذبه ويكفرون به.
قال ابن حجر في فتح الباري:
«ما خُصّ أحد من الأنبياء بالتحذير من شخص كما خُصّ نبينا ﷺ بالتحذير من الدجال، لعِظم فتنته».
- العامة وضعاف الإيمان يتبعونه لما يرونه من خوارق.
-
أعماله وزيف معجزاته
يدّعي الدجال أولًا الصلاح والولاية، ثم يدّعي النبوة، وأخيرًا يدّعي الألوهية.
يقول للناس: أنا ربكم الأعلى، ويجري الله على يديه أمورًا عجيبة ليُختبر الناس، فيأمر الأرض فتنبت، ويقتل رجلًا ثم يزعم أنه يحييه.
قال ﷺ:«يأتي الدجال إلى الرجل فيقول: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك»
رواه ابن ماجه (4077).وهذه أعظم مظاهر التضليل في التاريخ البشري، حيث يُلبَّس على العقول بالصور والمشاهد المحسوسة.
-
مدة مكثه في الأرض
يبقى الدجال في الأرض أربعين يومًا، كما أخبر النبي ﷺ:
«يمكث في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم»
رواه مسلم (2937).وهذه الأيام تدل على اضطراب الزمن في تلك المرحلة، وكأن الكون كله يتبدل.
وفي هذا التفاوت إشارة إلى عِظم الفتنة، إذ يعيش الناس في زمنٍ مضطرب يفقدون فيه التقدير والاتزان. -
نهايته على يد عيسى بن مريم عليه السلام
حين يبلغ الدجال أقصى فتنته، يُنزِل الله عيسى بن مريم عليه السلام من السماء عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيطلب الدجال حتى يدركه في باب لُدّ بفلسطين فيقتله.
قال ﷺ:«فيخرج الله المسيح ابن مريم، فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله»
رواه مسلم (2937).وتكون تلك النهاية إعلانًا لانتصار الحق على الباطل، وبداية عصر الإيمان قبل أن تقوم الساعة.
-
الحكمة من خلقه وفتنته
خلق الله الدجال فتنةً عظيمة لحِكمٍ بالغة، منها:
1. تمييز المؤمن الصادق من المنافق، فمن عرف الله لم يُفتن بالخوارق.
2. إظهار ضعف البشرية أمام قدرة الله، فمهما بلغت الوسائل، يبقى الإله واحدًا لا شريك له.
3. ابتلاء القلوب بالإيمان بالغيب، إذ لا ينجو من الدجال إلا من آمن بالغيب إيمانًا راسخًا.
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3].
فالمؤمن الحق لا يحتاج إلى رؤية المعجزات ليؤمن، بل يؤمن لأن الله قال.
-
طرق النجاة من فتنة الدجال
دلّ النبي ﷺ أمته على طرق واضحة للنجاة من فتنة الدجال، وهي من رحمة الله بعباده:
1. الاعتصام بالله
بالدعاء المشروع في الصلاة:«اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال»
رواه مسلم (588).2. الابتعاد عن لقائه
فقد أمر النبي ﷺ بقوله:«من سمع بالدجال فلينأ عنه»
رواه أبو داود.3. العلم الشرعي الراسخ
لأن الجاهل يُخدع بسهولة، أما العالم فيدرك كذب الدجال.4. قراءة أوائل سورة الكهف
قال ﷺ:«من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال»
رواه مسلم (809).5. التمسك باليقين بالله تعالى
فالمؤمن يعلم أن الرزق والحياة والموت بيد الله وحده، لا يملكها بشر مهما أوتي من سلطان. -
الدجال وفتن العصر الحديث
من تأمّل في وصف فتنة الدجال يدرك أن العصر الحديث يحمل ملامح تشبه فتنته من حيث القدرة على تضليل العقول.
فاليوم تُستعمل التكنولوجيا والإعلام لخلق صور خيالية وخداع بصري يجعل الباطل يبدو حقًّا.
ولذلك قال بعض العلماء:“إن أعظم ما يُهيئ الناس لفتنة الدجال هو ضعف البصيرة، والانبهار بالماديات”.
ومن هنا فإن تربية الإيمان القلبي، وغرس مفهوم التوحيد في الجيل الجديد، ضرورة لمواجهة فتن ما قبل الدجال.
-
وجوب الإيمان بخروجه
أجمع أهل السنة على أن الإيمان بخروج الدجال فرض من فروض العقيدة، وأن من أنكره فقد خالف النصوص المتواترة.
قال ابن تيمية رحمه الله:«خروج الدجال مما تواتر به الحديث عن النبي ﷺ، والإيمان به واجب، ومن أنكره فقد ضل».
والإيمان بخروجه جزء من الإيمان بالغيب وعلامات الساعة الكبرى، التي أخبر بها النبي ﷺ نصحًا لأمته.
-
تأملات إيمانية وخاتمة
تُعلّمنا فتنة الدجال دروسًا عميقة:
- أن اليقين بالله أعظم درع ضد الفتنة، فلا تنطلي على المؤمن خديعة مهما بلغت.
- أن الإيمان ليس كلمات تُقال، بل ثبات في الأزمات.
- أن الله لا يترك عباده، بل يرسل لهم النور والهداية قبل كل فتنة.
فالمؤمن الصادق حين يسمع بأمر الدجال، لا يضطرب، بل يزداد يقينًا بوعد الله، ويستعدّ بالعلم والعمل والذكر والقرآن.
قال تعالى:﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27].
- أن اليقين بالله أعظم درع ضد الفتنة، فلا تنطلي على المؤمن خديعة مهما بلغت.