من هم السمعوليون (الإسماعيليون) في سوريا وما هي عقيدتهم؟

تعرف على من هم السمعوليون في سوريا، أصول الطائفة الإسماعيلية وتاريخها، ومعتقداتهم الدينية والفكرية. قراءة تحليلية شاملة لأهم خصائص عقيدتهم، وموقعهم الجغرافي، ودورهم الثقافي والاجتماعي في المجتمع السوري، مع توضيح موقف الفقه الإسلامي منهم وأبرز فروعهم عبر التاريخ.

من هم السمعوليون (الإسماعيليون) في سوريا وما هي عقيدتهم؟
من هم السمعوليون في سوريا؟
  • مقدمة

    تُعدّ الطائفة الإسماعيلية، والتي يُطلق عليها في اللهجة المحلية السورية أحياناً السمعوليين أو أبناء السلمية، إحدى الطوائف الإسلامية التي تمتد جذورها التاريخية إلى صدر الإسلام، وتُشكّل فرعاً من فروع المذهب الشيعي. وتُعتبر سوريا من أبرز مواطنها في المشرق العربي منذ القرون الأولى للهجرة، لما تمثله من مركز روحي ودعوي قديم في تاريخ هذه الطائفة.

  • التعريف بالطائفة الإسماعيلية ونشأتها في سوريا

    تنتسب الإسماعيلية إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، وهو الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق، الإمام السادس عند الشيعة. وقد وقع الخلاف بين الشيعة بعد وفاة الإمام جعفر حول من يستحق الإمامة من بعده، فتبعت جماعة الإمام إسماعيل واعتبرته الإمام السابع، ومن هنا سُمّيت بـ"الإسماعيلية"، بينما اتبع آخرون ابنه موسى الكاظم، فكانوا "الاثنا عشرية".

    دخلت الدعوة الإسماعيلية إلى سوريا في القرن الثالث الهجري تقريباً، وازدهرت في العهد الفاطمي الذي كان إسماعيلي المذهب، إذ لعب دعاتها دوراً مهماً في نشر الفكر الفاطمي، خصوصاً في منطقة السلمية التي أصبحت مركزاً للدعوة، ثم امتدت إلى مصياف والقدموس ووادي الخوابي في الساحل السوري.

  • التوزع الجغرافي والديموغرافي للإسماعيليين في سوريا

    يُقدر عدد الإسماعيليين السوريين اليوم بما يقارب 250 ألف نسمة، أي نحو 1% من سكان البلاد، وفق تقديرات مستقلة. ويتركّز وجودهم في مثلث جغرافي يضمّ:

    • مدينة السلمية في ريف حماة الشرقي، وهي مركزهم التاريخي والروحي الأهم.
    • مصياف والقدموس في ريف حماة الغربي وطرطوس.
    • وادي الخوابي في محافظة طرطوس، وبعض القرى الصغيرة في ريف حمص.

    وقد شكلت مدينة السلمية تحديداً عاصمة ثقافية للطائفة، إذ انطلقت منها الدعوة الإسماعيلية الأولى، وكانت مركزاً فكرياً مؤثراً في العهد الفاطمي. كما يُعرف عن سكان هذه المناطق ميلهم إلى التعليم والاعتدال والابتعاد عن الصراعات الطائفية.

  • العقيدة الإسماعيلية وأصولها الفكرية

    تقوم العقيدة الإسماعيلية على مفهوم الإمامة كركنٍ أساسي من أركان الدين، وهي عندهم ليست مجرد خلافة سياسية، بل ولاية إلهية يُختار لها الإمام بعناية إلهية، ويكون معصوماً من الخطأ في التفسير والتشريع.

    1. الإمامة عند الإسماعيلية

    يرى الإسماعيليون أن الإمامة انتقلت من علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أبنائه، حتى وصلت إلى الإمام جعفر الصادق، ثم إلى ابنه إسماعيل، الذي يعدّونه الإمام السابع، ومن ذريته تستمر الإمامة إلى اليوم، في سلسلة متصلة من الأئمة المستورين والظاهرين.
    وهذا ما يميّزهم عن الشيعة الاثني عشرية الذين يعتقدون أن الإمامة انتقلت إلى موسى الكاظم بعد جعفر الصادق.

    2. العلم الباطني والتأويل

    يولي الإسماعيليون أهمية كبرى لما يسمّونه العلم الباطني أو التأويل الداخلي للنصوص. فالنصوص القرآنية عندهم تحمل ظاهرًا وباطنًا؛ الظاهر للعامة والباطن للعارفين من أتباع الإمام. ويرون أن الإمام هو المفسّر المعصوم الذي يكشف الباطن ويفسّر أسرار الدين.
    وهذا المنهج جعل الفكر الإسماعيلي متميزًا بالعمق الفلسفي، وقد تأثر بالفكر العقلي والفلسفة اليونانية والإسلامية، خصوصاً في العهد الفاطمي حيث ازدهرت مدارس الحكمة.

    3. العبادات والشعائر

    تتشابه العبادات الأساسية عند الإسماعيلية مع بقية المسلمين في الجملة، فهم يؤدون الصلاة والصوم والزكاة والحج، لكن لديهم خصوصيات فقهية في بعض التفاصيل. ويختلف تنظيمهم الديني تبعاً لفرعهم، فالإسماعيليون في سوريا غالباً يتبعون الفرع النزاري بقيادة الآغا خان المقيم في الخارج.

  • فروع الطائفة الإسماعيلية

    تفرّعت الإسماعيلية إلى عدة فرق، أهمها:

    1.    النزارية (الآغاخانية):
    وهم أتباع الإمام نزار بن المستنصر بالله، ويُعدّون اليوم أوسع فروع الإسماعيلية انتشاراً، ويُعرفون بتقديرهم للآغا خان كإمام معاصر. أغلب إسماعيليي سوريا ينتمون إلى هذا الفرع.

    2.    الطيبية (البهرة):
    ينتشر أتباعها في الهند واليمن، ولا وجود يُذكر لهم في سوريا.

    3.    المستعلية:
    كانت تاريخياً في مصر واليمن، وتقلص وجودها مع مرور الزمن.

  • الوضع الاجتماعي والسياسي للطائفة في سوريا

    يُعتبر الإسماعيليون في سوريا من الفئات الاجتماعية المتعلمة والمعتدلة، إذ يتميزون بالانفتاح الفكري والابتعاد عن التطرف الديني والسياسي. ويُعرف عنهم اهتمامهم الكبير بالتعليم والثقافة والعمل الإداري.

    سياسيًا، تميل الطائفة إلى الحياد في النزاعات، ولا تشارك عادة في التوترات الطائفية، كما ظهر خلال الأزمة السورية الأخيرة، إذ فضّلت الجماعة التركيز على حماية مناطقها والحفاظ على تماسكها الاجتماعي.

    وقد أشار موقع Syria.tv إلى أن الطابع العقلاني والميول المدنية جعلت الإسماعيليين من أكثر الطوائف السورية اندماجًا في المجتمع، حيث تعيش الطائفة بانسجام مع محيطها السني والمسيحي والعلوي في المناطق المجاورة.

  • واقع الطائفة اليوم

    لم تعد السمعولية الحديثة مقتصرة على الالتزام التقليدي بالعقيدة القديمة، بل شهدت تجديداً في الفهم والممارسة. حيث تراجع الاعتماد على السرّية العقائدية القديمة، وأصبح الانتماء للطائفة أكثر وضوحاً من الناحية الاجتماعية والثقافية.
    تتبنّى المؤسسات الإسماعيلية اليوم منهجاً يقوم على العقلانية والتعليم والانفتاح، وتعتبر أن العلم والعمل الخيري جزء من العبادة. كما يشرف الإمام الحالي للطائفة (الآغا خان الرابع) على مؤسسات تعليمية وصحية وخيرية واسعة تُعرف باسم شبكة الآغا خان للتنمية (Aga Khan Development Network)، وتمتلك حضوراً فاعلاً في سوريا منذ منتصف القرن العشرين.

  • الممارسات الدينية في الفكر السمعولي الحديث

    تتميّز الممارسات الدينية لدى السمعوليين المحدثين بخصوصية واضحة؛ فهم يؤدّون ما يُعرف بـ الدعاء الثلاثي ثلاث مرات في اليوم، بدلاً من الصلوات الخمس المفروضة في الإسلام التقليدي، وهو دعاء يحتوي على آيات من القرآن الكريم وتلاوات خاصة مقرونة بولاء الإمام.
    ولا تشترط بعض المجتمعات السمعولية التقيد بالحجاب التقليدي، إذ يُعتبر الحجاب لديهم خياراً ثقافياً أكثر من كونه فريضة إلزامية، مع التأكيد على "طهارة القلب" و"العفة السلوكية" بوصفها جوهر الستر في منظورهم الروحي.
    كما أن مفهوم العبادة لديهم لا يقتصر على الشعائر، بل يمتد إلى العمل والإنتاج وخدمة المجتمع، وهي مبادئ يُروّج لها قادتهم المعاصرون كجزء من "التديّن الواعي".

  • الهوية الثقافية والسياسية للسمعوليين المعاصرين

    في المشهد السوري الراهن، يُعتبر السمعوليون طائفة مسالمة ومنظَّمة، تتبنّى مبدأ الحياد السياسي والنأي عن الصراعات المذهبية، مع الحفاظ على الولاء الوطني للدولة السورية.
    ساهم العديد من أبناء الطائفة في مجالات الثقافة، التعليم، الطب، والإدارة العامة، ما جعلها تُعد من الفئات المؤثرة ثقافياً رغم قلّة عددها السكاني.
    كما أن مؤسساتهم الاجتماعية والتعليمية أصبحت تلعب دوراً محورياً في دعم الاستقرار المحلي في مناطقهم، من خلال مبادرات تنموية تموّلها هيئات إسماعيلية عالمية.

  • نقد وملاحظات شرعية

    من منظور الفقه الإسلامي التقليدي، يُؤخذ على السمعوليين المحدثين بعض الممارسات التي لا تتوافق مع أركان الإسلام المعروفة، كترك الصلوات الخمس المفروضة أو التخفف من مظاهر الحجاب، مما جعل العلماء يُدرجون طريقتهم ضمن المذاهب الباطنية الخارجة عن الفقه المألوف.

  • الخلاصة

    يمكن القول إن السمعوليين في سوريا اليوم يُمثّلون نموذجاً فريداً لطائفة دينية استطاعت أن تتكيّف مع التغيّرات المعاصرة دون أن تتخلى عن جذورها العقائدية، مع الاحتفاظ بهويتها الفكرية المستقلة.
    ورغم الجدل الفقهي حول بعض ممارساتهم، فإنهم يُعدّون جزءاً أصيلاً من النسيج السوري المتنوّع، وأسهموا في تطوير الوعي الثقافي والاجتماعي في مناطقهم عبر مؤسسات فاعلة وبرامج تنموية وتعليمية متقدمة.