حكم أكل الثوم والبصل وما في معناهما من ذي الرائحة الكريهة وحكم التخلف عن الجماعة بسببها
تعرف على الحكم الشرعي في أكل الثوم والبصل والكراث قبل الصلاة، وهل يُعذر من أكلها بالتخلف عن صلاة الجماعة؟ مع بيان أقوال العلماء وأحاديث النبي ﷺ في النهي عن دخول المسجد لمن له رائحة كريهة، وشرح حكم شارب الدخان وحكم التخلف عن الجمعة والجماعة، وفق فتاوى ابن باز والعلماء.
 
                                    جدول المحتويات
- مقدمة
- الأحاديث الواردة في النهي عن أكل ذي الرائحة الكريهة عند حضور المساجد
- حكمة النهي
- القياس على الثوم والبصل: حكم ما في معناهما من الروائح الكريهة
- هل من أكل هذه الأشياء معذور في التخلف عن صلاة الجماعة؟
- هل الكراهة هنا كراهة تحريم أم تنزيه؟
- الفرق بين من أكلها عفواً ومن أكلها عمداً لمنع نفسه من الصلاة
- الآداب الشرعية المتعلقة بالرائحة والنظافة للمصلين
- الطريقة المثلى لنصح من يأتي للمسجد برائحة كريهة
- الخلاصة
- الخاتمة
- 
                                مقدمةمن رحمة الشريعة الإسلامية ودقتها في رعاية مصالح العباد أنّها لم تغفل حتى أدق التفاصيل التي تمسّ نظافة المسلم وسلامة المجتمع من الأذى، فجاءت الأوامر والنواهي الشرعية متوازنة تراعي المقاصد الكبرى للدين، ومن ذلك ما ورد في النهي عن قرب المسجد لمن أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا، لما في ذلك من أذى للمصلين والملائكة. 
 وقد دلّت الأحاديث الصحيحة على هذا المعنى بوضوح، مما يدل على عناية الإسلام بآداب الجماعة وتعظيم حرمة المساجد ومكانتها.
- 
                                الأحاديث الواردة في النهي عن أكل ذي الرائحة الكريهة عند حضور المساجدثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «مَن أكل من هذه البقلة - الثوم - وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» 
 رواه البخاري (808) ومسلم (875، 876).وفي رواية عند الإمام أحمد ومسلم أيضًا: «من أكل ثومًا أو بصلًا فلا يقربن مسجدنا وليصل في بيته» 
 رواه أحمد في مسنده (14483)، ومسلم (874).فهذه النصوص الصحيحة الصريحة تبيّن أن أذى الرائحة الكريهة سبب كافٍ لمنع حضور المسجد، حمايةً لحرمة المكان وراحة المصلين والملائكة. 
- 
                                حكمة النهيإنّ النهي في الحديث لا يعود إلى ذات المأكول، فالثوم والبصل مباحان في أصلهما، بل إلى ما يترتب على أكلهما من رائحة مؤذية تنفر الناس والملائكة. 
 قال النبي ﷺ كما في الصحيحين:«إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم». 
 فكما أنّ الناس يتأذون من الروائح الكريهة، فإنّ الملائكة تتأذى منها أيضًا، وهي مخلوقات طاهرة تحب الطيب والنظافة.قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: "في هذا الحديث كراهة أكل الثوم والبصل والكراث ونحوها قبل حضور المسجد، وكراهة حضور المسجد لمن أكلها حتى تذهب رائحتها." 
- 
                                القياس على الثوم والبصل: حكم ما في معناهما من الروائح الكريهةألحق العلماء بالثوم والبصل كل ما له رائحة كريهة تؤذي الناس والملائكة، ومن ذلك: 1. الدخان (التبغ): وهو أولى بالمنع، لأنه محرم في ذاته لما فيه من الضرر والخبث. 
 قال الشيخ ابن باز رحمه الله:"كل ما له رائحة كريهة حكمه حكم الثوم والبصل، كشارب الدخان ومن له رائحة في إبطيه أو غيرهما، فإنه يكره له أن يصلي مع الجماعة وينهى عن ذلك حتى يزيل هذه الرائحة." 
 (مجموع فتاوى ابن باز 12/83)وأضاف رحمه الله: "أما التدخين فهو محرم مطلقًا ويجب تركه لما فيه من الأضرار الكثيرة في الدين والبدن والمال." 2. العطور الثقيلة أو المركّبة المؤذية للأنوف إذا سببت ضيقًا للناس في الصفوف أو للمصلين. 3. العرق الشديد ورائحة الإبط أو القدمين إذا كانت مؤذية، فينبغي إزالة الرائحة قبل دخول المسجد. فالقاعدة في ذلك ما قرره العلماء: "كل ما يؤذي المصلين أو الملائكة من روائح أو أفعال فيكره لصاحبه شهود الجماعة حتى يزول الأذى." 
- 
                                هل من أكل هذه الأشياء معذور في التخلف عن صلاة الجماعة؟أجمع الفقهاء على أن من أكل ثومًا أو بصلًا لا إثم عليه في ترك الجماعة في المسجد مؤقتًا حتى تزول رائحته، لورود الإذن بذلك في الحديث النبوي. قال ابن عبد البر في التمهيد: "وفي هذا الحديث من الفقه أن حضور الجماعة ليس بفرض عين، لأنه لو كان فرضًا ما كان أحد ليباح له ما يحبسه عن الفرض، وقد أباحت السنة لآكل الثوم التأخر عن الجماعة." إلا أن العلماء فصلوا بين صلاة الجماعة وصلاة الجمعة: - صلاة الجماعة: لا إثم في التخلف عنها لمن أكل ثومًا أو بصلًا حتى تزول الرائحة.
- صلاة الجمعة: لا يجوز تعمد أكل ما يمنع حضورها بعد النداء، لأنها فرض عين ولا يجوز التسبب في تركها.
 قال الدردير المالكي في شرحه لمختصر خليل: "وحرم أكله يوم الجمعة على من تلزمه، لأنه يمنعه من واجب." وقال ابن قاسم الشافعي في حاشيته على التحفة: "من أكله بقصد الإسقاط كره له في الجماعة، وحرم عليه في الجمعة ولم تسقط عنه." 
- صلاة الجماعة: لا إثم في التخلف عنها لمن أكل ثومًا أو بصلًا حتى تزول الرائحة.
- 
                                هل الكراهة هنا كراهة تحريم أم تنزيه؟بيّن العلماء أن النهي عن أكل الثوم والبصل ليس نهيًا تحريميًا، وإنما كراهة تنزيه، لأن النبي ﷺ أكل منهما مطبوخين. فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: "بعث النبي ﷺ إليه بطعام فلم يأكل منه، فقال له: يا رسول الله أحرام هو؟ قال: لا، ولكنني أكرهه من أجل ريحه." 
 رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.قال ابن قدامة في المغني: "وليس أكلها محرمًا، وإنما كره لأجل الرائحة المؤذية، ولذلك نهي عن قربان المساجد حتى تزول الرائحة." وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية تفصيلًا جميلًا فقال: "لا يكره أكلها لمن قدر على إزالة ريحها، ولا لمن لم يرد الاجتماع بالناس، ويحرم أكلها بقصد التخلف عن واجب كالجمعة." 
- 
                                الفرق بين من أكلها عفواً ومن أكلها عمداً لمنع نفسه من الصلاةمن أكل الثوم أو البصل دون قصدٍ للتخلف عن الجماعة فلا حرج عليه، لكنه يمنع من المسجد حتى تذهب الرائحة. 
 أما من تعمد أكلها بقصد التخلف عن الجماعة أو الجمعة فقد ارتكب إثمًا؛ لأن هذا تحايل على الواجب الشرعي.قال العلماء: "التحيل على ترك الواجب لا يرفع الإثم، بل يجمع بين المعصية والنفاق." فمن أكلها قبل صلاة الجمعة متعمدًا ليمنع نفسه من الذهاب فقد وقع في الحرام، ولا تسقط عنه الجمعة، كما نص على ذلك ابن عبد البر وغيره. 
- 
                                الآداب الشرعية المتعلقة بالرائحة والنظافة للمصلينإنّ المسلم مأمورٌ شرعًا أن يكون طيب الرائحة، حسن المظهر، خاصة في مواضع العبادة، قال الله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]. وقال ﷺ: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة» 
 رواه مسلم.فمن الزينة المطلوبة: نظافة الثوب، والبدن، والريح، لأن ذلك من احترام المسجد وأهله والملائكة. قال العلماء: - يستحب السواك قبل دخول المسجد.
- يستحب استخدام العطور الطيبة.
- يجب إزالة أي رائحة كريهة في الفم أو البدن.
- يحرم إحداث ما يؤذي المصلين، لقوله ﷺ: 
 «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها.» 
- يستحب السواك قبل دخول المسجد.
- 
                                الطريقة المثلى لنصح من يأتي للمسجد برائحة كريهةمن الآداب الإسلامية الرفيعة أن يكون النصح بلطفٍ وأدبٍ، بعيدًا عن التوبيخ أو الإحراج. 
 ومن الوسائل المناسبة لذلك:1. تعليق فتوى العلماء أو حديث النبي ﷺ في المسجد في موضع يراه الجميع. 2. تخصيص كلمة قصيرة من الإمام أو الخطيب يذكّر فيها الناس بآداب المساجد. 3. النصح الفردي برفق لمن تكررت منه المخالفة، مع بيان أن الأمر تعبدي مقصده احترام الملائكة وراحة المصلين. 
- 
                                الخلاصةالحالة الحكم أكل الثوم أو البصل دون قصد التخلف عن الجماعة مباح مع الكراهة، ويمنع من المسجد حتى تزول الرائحة أكلها عمداً للتخلف عن صلاة الجماعة مكروه تحريمًا أكلها عمداً للتخلف عن صلاة الجمعة بعد النداء حرام، ولا تسقط عنه الجمعة التدخين أو ما في معناه من الروائح الكريهة محرم مطلقًا أكلها ث٩م إزالة الرائحة بالطبخ أو تنظيف الفم جائز ولا كراهة 
- 
                                الخاتمةإنّ الإسلام دين النظافة والطهارة، يعلّم الإنسان أن يكون راقيًا في سلوكه حتى في تفاصيل حياته اليومية. 
 فكما حرص على نقاء القلب والنية، حرص على نقاء الجسد والريح.
 ومن النبل أن يمتنع المسلم عن حضور الجماعة مؤقتًا إذا كان في حضوره أذى لإخوانه، وأن يسعى في إزالة ما يكرهه الله وملائكته.فيا من تحرص على المساجد، تأدب بآدابها، وتطهّر لملائكتها، وتذكر قول النبي ﷺ: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.» 
 نسأل الله أن يرزقنا الأدب مع الله ومع خلقه، وأن يجعلنا من أهل الطيب ظاهرًا وباطنًا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                                                                                                                             
                                                                                                                                             
                                                                                                                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                            