التخبيب في الإسلام: تعريفه وحكمه الشرعي وأضراره الاجتماعية الخطيرة

تعرف على مفهوم التخبيب في الإسلام ومعناه الشرعي، وحكم من يفسد العلاقة بين الزوجين أو يسعى للتفريق بينهما. مقال شامل يوضح الأدلة من القرآن والسنة، وأقوال العلماء في حرمة التخبيب، مع بيان أضراره الاجتماعية والنفسية على الأسرة والمجتمع، وأثره في فساد العلاقات الزوجية.

التخبيب في الإسلام: تعريفه وحكمه الشرعي وأضراره الاجتماعية الخطيرة
التخبيب في الإسلام: تعريفه وحكمه الشرعي وأضراره الاجتماعية الخطيرة
  • مقدمة

    مقدمة
    تحريم التخبيب

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد؛ فإن من أخطر الظواهر التي تُهدد كيان الأسرة المسلمة وتزعزع استقرار المجتمع ظاهرة التخبيب، وهي من كبائر الذنوب التي حذّر منها الإسلام تحذيرًا شديدًا، لأنها تفسد القلوب وتقطع الأواصر وتزرع العداوة بين الأزواج، وقد عدّها النبي ﷺ من أعمال الشيطان التي يُسرّ بها ويُقرب صاحبها منه.

  • معنى التخبيب لغةً واصطلاحًا وأنواعه

    المعنى اللغوي:

    التخبيب مأخوذ من مادة (خَبَبَ)، وهي تدل على الإفساد والمكر والخداع، ومنه قول العرب: خَبَّ الرجلُ المرأةَ أي أفسدها على زوجها وأغراها بتركه.

    المعنى الاصطلاحي:

    التخبيب في الاصطلاح الشرعي هو:

    «إفساد أحد الزوجين على الآخر، أو تحريض أحدهما على كراهة صاحبه أو طلب فراقه، أو إظهار مساوئه وإخفاء محاسنه».

    ويشمل التخبيب كذلك إفساد العبد على سيده بتحريضه على العصيان أو الهرب، كما ورد في نص الحديث الشريف.

    أنواع التخبيب وصوره في الواقع المعاصر

    التخبيب لا يقتصر على صورة واحدة، بل له أشكال متعددة قد لا ينتبه إليها كثير من الناس، ومن أبرز صوره:

    1.    تخبيب المرأة على زوجها:
    أن يحرضها أحد على كره زوجها أو طلب الطلاق منه، أو يُغريها بالانفصال بدعوى أنها تستحق الأفضل أو أن زوجها لا يليق بها.

    2.    تخبيب الرجل على زوجته:
    كأن تُحرِّض امرأةٌ أو صديقةٌ أو أحد الأقارب الرجل على ظلم زوجته أو تطليقها، أو أن تُظهر له عيوبها وتُخفي محاسنها.

    3.    تخبيب العبد على سيده:
    وإن كانت هذه الصورة قلّت بزوال الرق، إلا أن معناها يشمل اليوم الموظف أو العامل الذي يُغرى بمخالفة رئيسه أو خيانة عمله.

    4.    التخبيب الإلكتروني:
    ويقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حين يتقرب رجل إلى امرأة متزوجة بحجة النصيحة أو الصداقة، حتى يفسد علاقتها بزوجها، أو العكس، وهو من أخطر أشكال التخبيب في عصرنا.

  • النصوص الشرعية في تحريم التخبيب

    وردت نصوص كثيرة في السنة النبوية تُبين حرمة هذا الفعل وعِظَم جرمه، منها:

    1. حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

    قال رسول الله ﷺ:

    «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ»
    رواه أبو داود (رقم 2175) وأحمد في المسند، وصححه الألباني.

    وهذا الحديث صريح في التحريم الشديد للتخبيب، ويدل على أنه فعلٌ ينافي أخلاق المسلمين ويُخرج صاحبه من دائرة الاقتداء بالنبي ﷺ.

    2. حديث جابر رضي الله عنه:

    قال النبي ﷺ:

    «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ»
    رواه مسلم.

    وهذا الحديث يُظهر أن إفساد العلاقة الزوجية من أحب الأعمال إلى الشيطان، وأن التخبيب من صنائع أتباعه.

    3. حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

    قال النبي ﷺ:

    «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خَبٌّ»
    رواه أحمد في المسند، أي المخادع المفسد بين الناس.

  • حكم التخبيب في الإسلام، وحكم زواج المخبِّب بالمخَبَّبة

    الحكم الشرعي:

    اتفق العلماء على أن التخبيب حرام تحريمًا قطعيًا، وأنه من كبائر الذنوب لما فيه من الإفساد والبغي.

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

    "من خبّب امرأة على زوجها حتى يطلقها فقد أفسدها عليه، وهو من أعظم المحرمات".
    (الجواب الكافي لابن القيم، ص 123)

    وقال الحافظ المنذري رحمه الله:

    "في هذا الحديث تحذير من السعي في إفساد الزوجة على زوجها، وهو من الكبائر الموجبة للوعيد".

    اختلف الفقهاء في حكم زواج الرجل الذي خبّب امرأة على زوجها، بعد طلاقها، على قولين:

    1.    رأي الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة):
    يرون أن النكاح صحيح إذا توافرت شروطه الشرعية، لكن التخبيب نفسه حرام وكبيرة من الكبائر، ويُعزَّر فاعله ولا يُبطل نكاحه.

    2.    رأي المالكية وبعض الحنابلة:
    يرون أن النكاح باطل عقوبةً له على فعله، ويُفرَّق بينهما معاملةً له بنقيض قصده؛ لأنه تسبب في فساد أسرة وإثمٍ عظيم.

    والراجح:

    أن النكاح صحيح مع وجوب تعزير المخبب ومعاقبته بما يراه القاضي الشرعي مناسبًا، لأن الشريعة لا تُبطل عقد النكاح الصحيح إلا بدليل واضح، والتخبيب مع كونه كبيرة لا يُعد مانعًا من صحة العقد.

  • أضرار التخبيب ومفاسده

    1. هدم الأسرة المسلمة:

    التخبيب يؤدي إلى انهيار الأسر المستقرة، ويُنتج أبناءً يعانون من التشتت والضياع وفقدان الأمان الأسري.

    2. زرع العداوة والبغضاء:

    يُفسد القلوب ويزرع الكراهية بين الأزواج والأقارب، ويُورث الحقد بين الأسر والعائلات.

    3. نشر الفاحشة في المجتمع:

    حين تُهدم الروابط الزوجية وتُفتح أبواب العلاقات المحرمة، تنتشر الفواحش باسم العواطف أو “الحرية الشخصية”.

    4. إغضاب الله ومخالفة أمره:

    لأن التخبيب من عمل الشيطان، ومن شارك فيه فقد أعان إبليس في مهمته، والله تعالى يقول:

    ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ [المائدة: 91].

  • العقوبة الشرعية للتخبيب

    ليس في القرآن أو السنة عقوبة مقدّرة للتخبيب، لكنه يُعاقب بـالتعزير، وهي عقوبة يقدّرها الحاكم أو القاضي بحسب نوع الجرم وأثره، وتشمل:

    • الحبس المؤقت أو التغريب.
    • التشهير بالمخبِّب إذا كان ذا خطر في المجتمع.
    • ردّ المرأة إلى زوجها إن كان الطلاق رجعيًا، مع منع المخبب من الزواج بها فترة زمنية زجرًا له.

    قال الدكتور حشمت محمد، أستاذ الشريعة بجامعة المنيا:

    “التخبيب جريمة اجتماعية وإن لم يرد لها نص جنائي محدد، إلا أن الشريعة توجب ردّ المظالم ومعاقبة المفسد بالحبس تعزيرًا، لأنه ينشر الفساد في الأرض.”

  • الوقاية من التخبيب في الحياة الزوجية

    1.   تعزيز الثقة بين الزوجين وبناء علاقة قائمة على الحوار والاحترام.

    2.   عدم إفشاء أسرار الحياة الزوجية لأي أحد مهما كان، لأن أكثر التخبيب يبدأ من نقل الشكوى إلى طرف ثالث.

    3.   الابتعاد عن العلاقات المشبوهة عبر الإنترنت أو الهاتف، فهي من أعظم أبواب التخبيب في عصرنا.

    4.   الرجوع إلى أهل العلم أو المستشارين الشرعيين عند وقوع الخلاف، بدلًا من اللجوء إلى أصدقاء السوء أو الغرباء.

    5.   غرس القيم الدينية في الأبناء والبنات منذ الصغر ليعرفوا حرمة بيوت الناس وعِظم الإفساد فيها.

  • التخبيب من منظور اجتماعي وأخلاقي

    التخبيب لا يُهدد فقط استقرار الأسرة، بل يُعتبر جريمة أخلاقية تُمزق نسيج المجتمع. فالمجتمعات التي يشيع فيها التخبيب تنتشر فيها الخيانة، وتضعف فيها الثقة، ويكثر فيها الطلاق والتفكك الأسري، وهو ما يُشكل خطرًا مباشرًا على الأمن الاجتماعي.

    كما أن المؤسسات الدينية – وفي مقدمتها الأزهر الشريف – أكدت مرارًا أن التخبيب حرام شرعًا ومنكر اجتماعي، ويدخل في باب الفساد في الأرض الذي يُعاقب عليه شرعًا وقانونًا.

  • الخلاصة

    التخبيب فعل شنيع، يجمع بين الظلم، والإفساد، والخيانة، وهو من كبائر الذنوب التي تُغضب الله تعالى وتُفرح الشيطان.
    فالواجب على المسلم أن يحذر من الوقوع فيه، أو المشاركة فيه بأي صورة، وأن يكون ناصحًا أمينًا، ساعيًا للإصلاح لا للإفساد، كما قال الله تعالى:

    ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].

    ولْيَتذكّر كل من تُسول له نفسه تخبيب زوجة أو زوج، أن عقوبة هذا الفعل ليست فقط في الدنيا، بل قد تكون في الآخرة حرمانًا من الجنة، كما قال النبي ﷺ:

    «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خَبٌّ».

  • الخاتمة

    إنّ الحفاظ على البيوت وصونها من التخريب واجب شرعي ومجتمعي، ودرء الفتنة بين الزوجين عبادة يتقرب بها المؤمن إلى الله. فليكن شعارنا دائمًا الإصلاح لا الإفساد، والمحبة لا الحسد، والستر لا الفضيحة.
    وكفى بالتخبيب تحريمًا أنه من عمل الشيطان، وكفى بالتحذير زجرًا أنه مما يُخرج صاحبه من صفوف المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بقوله:

    ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: 170].