الإدغام الكبير عند حفص عن عاصم: تعريفه وأمثلة تطبيقية من القرآن الكريم

تعرف في هذا المقال على مفهوم الإدغام الكبير عند حفص عن عاصم، مع بيان حقيقته اللغوية والتجويدية، وأشهر كلماته في القرآن الكريم مثل (تأمنا، أتحاجونّي، مكني)، مع تحليل دقيق لطريقة أدائه وضوابطه وأدلته، بأسلوب علمي متكامل.

الإدغام الكبير عند حفص عن عاصم: تعريفه وأمثلة تطبيقية من القرآن الكريم
الإدغام الكبير عند حفص
  • مقدمة

    يُعدّ علم التجويد من أهم العلوم الشرعية المتعلقة بالقرآن الكريم، إذ يُعنى بضبط مخارج الحروف وصفاتها وكيفية أدائها أداءً صحيحًا كما نُقل عن رسول الله ﷺ. ومن أبرز مباحثه الإدغام، الذي يُعدّ مظهراً من مظاهر التناسق الصوتي في اللغة العربية والقراءة القرآنية.
    ومن بين أنواعه الدقيقة الإدغام الكبير، وهو نوع قلَّ وقوعه في رواية حفص عن عاصم، ويحتاج إلى ضبط دقيق في الأداء ومعرفة تفصيلية بالرسم القرآني وأصول القراءة.

  • تعريف الإدغام الكبير

    الإدغام لغةً هو الإدخال، واصطلاحاً: «التقاء حرف ساكن بحرف متحرك بحيث يصيران حرفًا واحدًا مشددًا من جنس الثاني».
    أما الإدغام الكبير عند أهل الأداء فهو:

    "التقاء حرفين متحركين بحيث يُدغم الأول في الثاني فيصيران حرفًا واحدًا مشددًا من جنس الثاني."

    إلا أن هذا النوع من الإدغام لا يُكثر في رواية حفص، بل اقتصر على مواضع محدودة في كلمات معدودة في المتماثلين، بينما يظهر في القراءات الأخرى مثل أبي عمرو البصري بكثرة.

  • قاعدة حفص في الإدغام الكبير

    يتميز حفص عن عاصم بأنه يُظهر الحرف الأول إذا التقى متحركان سواء كانا متماثلين أو متجانسين أو متقاربين، كما في قوله تعالى:

    • ﴿فِيهِ هُدًى﴾
    • ﴿وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ﴾
    • ﴿الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾

    إذ يُظهر حفص الحرف الأول في مثل هذه المواضع، ولا يُدغم، على خلاف غيره من القراء الذين قد يُدغمون في مواضع مشابهة.

  • استثناءات حفص من قاعدة الإظهار

    استثناءات حفص من قاعدة الإظهار
    كلمات الإدغام الكبير عند حفص

    استثنى حفص من هذه القاعدة كلمات معدودة رسمت في المصحف بنون واحدة مشددة، فقرأها بالإدغام الكبير، وهي:

    قوله تعالى:

    ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾
    (يوسف: 11)
    أصل الكلمة: تأمنُنَا، فأُدغمت النون المضمومة في النون المفتوحة فصارت "تأمَّنا".
    وهذا إدغام مثلين كبير لأن النونين متحركتان في الأصل.
    ???? وقرأها حفص بالإدغام مع الإشمام (ضم الشفتين دون صوت)، أو بالإظهار مع الاختلاس أي الإتيان ببعض الحركة فقط.

    قوله تعالى:

    ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ﴾
    (الكهف: 95)
    أصل الكلمة: ما مكنَنِي، فوقع فيها إدغام للنون في مثلها.
    وقد رُسمت بنون واحدة مشددة في جميع المصاحف، دلالة على نية الإدغام، إلا المصحف المكي فرسمت بنونين.
    ???? قرأها حفص بالإدغام اتباعاً للرسم، بينما ابن كثير المكي أظهرها فقال: "مكنَنِي".

    قوله تعالى:

    ﴿قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ﴾
    (الأنعام: 80)
    أصل الكلمة: أتحاجونَنِي.
    فأدغم حفص النون في النون على نية الإدغام الكبير، تبعاً لرسم المصحف الذي جاء فيه بنون واحدة مشددة.
    ???? بعض القراء قرأها بنون واحدة مخففة (بدون إدغام)، بينما حفص شدد النون اتباعًا للرسم العثماني.

    قوله تعالى:

    ﴿نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ﴾
    (النساء: 58)
    أصلها: نِعْمَ مَا، فأُدغمت الميمان إدغامًا كبيرًا.
    وقد أجمع القراء على هذا الإدغام لأنه وارد في الرسم العثماني، واختلفوا في حركة العين.
    ???? حفص يقرأها بكسر النون والعين: نِعِمَّا.

  • علاقة الإدغام الكبير بالإشمام والاختلاس

    من خصائص أداء الإدغام الكبير عند حفص أنه يُقترن غالبًا بـ الإشمام أو الاختلاس:

    ·        الإشمام: هو ضم الشفتين بعيد النطق، دون إخراج صوت، إشارة إلى أن الحرف المحذوف كان مضمومًا.
    ???? مثال: في "تأمَّنا" يُشمُّ ضم الشفتين بعد النطق بالنون المشددة.

    ·        الاختلاس: هو النطق ببعض الحركة لا بكاملها، كما في قراءة بعض القراء "تأمنا" مع الإظهار الجزئي للحركة الأولى.

    وهذه الظواهر الصوتية الدقيقة تُبرز جمال الأداء القرآني ودقته الفونولوجية في نقل الحركات والحروف بأمانة تامة.

  • موقع الإدغام الكبير من حيث النوع

    ينقسم الإدغام من حيث حركة الحرف الأول إلى:

    • إدغام كبير: التقاء متحركين (كـ تأمنَّا – أتحاجونِّي – مكنِّي).
    • إدغام صغير: التقاء ساكن بمتحرك (كـ ربحت تجارتهم، من يعمل، من واق).

    وحفص لا يدغم الكبير إلا في الكلمات التي ورد فيها الإدغام اتباعًا للرسم العثماني، بينما يُظهر في سائر المواضع.

  • سر ندرة الإدغام الكبير في رواية حفص

    يُرجع علماء التجويد ندرة هذا الإدغام في رواية حفص إلى أن حفص التزم بالرسم القرآني العثماني، فلا يدغم إلا ما جاء في المصحف على صورة الإدغام (بحرف واحد مشدد).
    أما إذا رُسم الحرفان ظاهرين، فإنه يظهر الأول ولا يدغم، تحقيقًا لمبدأ الاتباع للرسم، الذي يُعد من قواعد الأداء المعتبرة عند القراء.

  • مقارنة بين حفص وغيره من القراء

    • أبو عمرو البصري: أكثر القراء استعمالاً للإدغام الكبير، في المتماثلين والمتجانسين والمتقاربين.
    • حفص عن عاصم: يقتصر على المواضع المذكورة فقط، اتباعاً للرسم، فلا يتوسع في الإدغام الكبير.
    • ابن كثير المكي: يخالف حفص في موضع (مكنِّي)، حيث أظهر النون ولم يدغمها.
  • الخاتمة

    يتبيّن مما سبق أن الإدغام الكبير عند حفص عن عاصم من الظواهر النادرة الدقيقة التي تميزت بها روايته، إذ اقتصر فيها على كلمات معدودة: (تأمنا، أتحاجونّي، مكنّي، نعِمّا)، وكلها وردت بالرسم العثماني على نية الإدغام، مما يعكس دقة حفص في الالتزام برسم المصحف وضبط الأداء القرآني.
    ويبقى فهم هذه القاعدة وضبطها نطقًا وأداءً من أصول الإتقان في تلاوة كتاب الله تعالى، وركيزة من ركائز علم التجويد.