هل يؤجر من قرأ القرآن بلا تدبر؟ حكم قراءة القرآن دون فهم أو تدبر وأقوال العلماء
هل يؤجر المسلم إذا قرأ القرآن دون تدبر؟ توضح هذه المقالة الحكم الشرعي لقراءة القرآن بلا فهم أو خشوع، مع بيان أقوال العلماء والأدلة من القرآن والسنة حول فضل التلاوة وأهمية التدبر، والفرق بين القراءة من المصحف والجوال، وكيفية الجمع بين التلاوة والتفكر لتحقيق الأجر الكامل.
-
مقدمة
القرآن الكريم هو مصدر الهداية الإلهية، ومورد الإيمان الأول الذي ينهل منه المؤمن السكينة واليقين. وقد ربط الله تعالى بين تلاوة القرآن وبين التدبر، فقال سبحانه:
"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" [ص: 29].
لكن السؤال الذي يتردد كثيرًا بين المسلمين: هل يؤجر القارئ إذا قرأ القرآن من غير تدبر؟ وهل تكون قراءته ناقصة الأجر أم باطلة؟
في هذا المقال سنتناول هذه المسألة بعمق فقهي وعلمي، مع بيان المقاصد الشرعية من التلاوة والتدبر، وفقًا لما قرره العلماء والفقهاء، مع الاستدلال بالأدلة الشرعية الصحيحة.
-
فضل تلاوة القرآن الكريم
جعل الله عز وجل لتلاوة كتابه فضلاً عظيماً، فقد ورد في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
"من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"
(رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).يدل هذا الحديث بوضوح على أن مجرد التلاوة عبادة مستقلة يُثاب عليها المسلم، سواء فهم المعنى أم لم يفهمه، لأن القراءة عمل صالح مقصود لذاته، يشمل كل مسلم قادر على النطق بالحروف.
-
التدبر غاية التلاوة ومقصد من مقاصد الوحي
رغم أن التلاوة في ذاتها عبادة، إلا أن التدبر هو المقصد الأعلى منها، لأنه الوسيلة لفهم الخطاب الإلهي، وتزكية النفس، وإصلاح القلب، كما قال تعالى:
"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" [محمد: 24].
وقال سبحانه أيضًا:
"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ" [ص: 29].
فاللام في قوله تعالى ليدبروا هي لام التعليل، وتدل على أن الغاية من إنزال القرآن ليست التلاوة الصوتية فقط، بل التفكر في المعاني، والعمل بالأوامر، واجتناب النواهي.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة:
"لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين... فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها".
-
هل يؤجر القارئ بلا تدبر؟
اتفقت كلمة العلماء على أن من قرأ القرآن دون تدبر يؤجر على التلاوة، ولكن يفوته خير التدبر الذي هو لبّ القرآن وروحه.
قالت اللجنة الدائمة للإفتاء:
“من قرأ القرآن بغير تدبر فله أجر القراءة، لكنه يفوته أجر التدبر، والفهم، والعمل بالآيات.”
وقال الإمام النووي في التبيان في آداب حملة القرآن:
“ينبغي لقارئ القرآن أن يكون شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، فذلك المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، ولكن من قرأ ولم يتدبر فله ثواب التلاوة دون ثواب التفكر.”
إذن، القراءة بلا تدبر ليست إثماً، بل هي عبادة ناقصة الكمال، لا كاملة الأجر.
-
هل يُحاسَب من سهى أثناء التلاوة؟
كثير من القراء – خصوصًا من يطيل القراءة – قد يسرح ذهنه أو يذهب فكره عن المعنى، فهل يكون آثمًا؟
الجواب: ليس آثمًا ما دام قصده القراءة والتقرب إلى الله، لأن السهو من طبيعة البشر، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
لكن يُستحب أن يجاهد القارئ نفسه على حضور القلب، كما قال تعالى:"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" [آل عمران: 191].
وقد نص العلماء على أن من كان يقرأ ويسهو أو ينشغل فقراءته صحيحة ومأجور عليها، لكن يُنصح بتقليل الملهيات، وقراءة القرآن في مكان هادئ يعين على التركيز والتدبر.
-
التدبر واجب على قدر الاستطاعة
التدبر ليس خاصاً بالعلماء، بل هو واجب عام على كل مسلم بقدر ما يستطيع، لأن الخطاب القرآني موجه إلى "أولي الألباب"، أي أصحاب العقول المتفكرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“الناس في تدبر القرآن على قدر علومهم، فمن عرف اللغة والتفسير تدبر أعمق، ومن قلّ علمه تدبر بحسب طاقته، ولا يُعذر أحد بالإعراض عن التدبر بالكلية.”
أما من يجيد القراءة ولا يجيد اللغة أو التفسير، فليس مكلفًا بفهم كل المعاني الدقيقة، لكنه مأمور بالسعي إلى الفهم العام، عبر قراءة التفاسير الميسرة، مثل تفسير السعدي أو تفسير ابن كثير.
-
الفرق بين التلاوة والتدبر
الوجه
التلاوة
التدبر
المعنى
قراءة الحروف والآيات على الوجه الصحيح
فهم المعاني والتفكر في المقاصد
الغاية
نيل أجر التلاوة وذكر الله
تزكية النفس والإيمان والعمل بالآيات
الحكم
عبادة مستحبة تؤجر عليها
مأمور بها شرعًا بقدر الاستطاعة
الأثر
زيادة الحسنات
زيادة الإيمان والعلم واليقين
فمن جمع بين التلاوة والتدبر، فقد جمع بين الأجرين: أجر اللسان وأجر القلب.
-
نصائح عملية لتحقيق التدبر
1. تهيئة القلب قبل التلاوة بنية خالصة لله.
2. اختيار الوقت الهادئ، كآخر الليل أو بعد الفجر، حيث صفاء الذهن.
3. قراءة تفسير ميسر للآيات المقروءة.
4. الوقوف عند كل آية مؤثرة ومحاولة استحضار المعنى العملي منها.
5. تكرار الآية كما كان السلف يفعلون، فقد ردد أحدهم قول الله تعالى:
"إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" [الفاتحة: 5]
حتى الفجر تفكرًا وتأملًا.6. التطبيق العملي: اجعل كل قراءة وسيلة لتقويم السلوك.
-
الجمع بين التلاوة والتدبر طريق إلى صلاح القلب
أجمع السلف على أن التدبر هو سر حياة القلب، وأن الهجر الحقيقي للقرآن هو ترك تدبره، قال ابن مسعود رضي الله عنه:
“لا تهذوا القرآن هذّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.”
وقال ابن القيم رحمه الله:
“قراءة آية بتفكر وتفهم خير من ختمة بغير تدبر.”
فالتلاوة بلا تدبر كجسد بلا روح، فيها أجر الحروف، لكنها تفتقر إلى أثر الإيمان العميق.
-
الخاتمة
يتبين من مجموع الأدلة أن:
- قراءة القرآن بلا تدبر عمل صالح يؤجر عليه صاحبه، لعموم النصوص الدالة على فضل التلاوة.
- لكن التدبر هو المقصود الأعلى من التلاوة، وبدونه تفقد القراءة ثمرتها الإيمانية والروحية.
- ولا إثم على القارئ إذا قرأ دون تدبر أو سهى أثناء القراءة، لكن يُستحب له أن يجاهد نفسه على فهم الآيات واستحضار معانيها.
- والأكمل أن يجمع المسلم بين التلاوة والتدبر والعمل، فبذلك يتحقق المقصود من قوله تعالى:
"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" [الإسراء: 9].
- قراءة القرآن بلا تدبر عمل صالح يؤجر عليه صاحبه، لعموم النصوص الدالة على فضل التلاوة.
-
مقالات ذات صلة
حكم قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت | آراء العلماء والأدلة الشرعية الكاملة
حكم قراءة القرآن وأنت مستلق أو على السرير
هل يؤجر من يقرأ القرآن دون تحريك اللسان؟
هل يؤجر من قرأ القرآن دون تدبر ؟
حكم قراءة القرآن بالمقامات الموسيقية
حكم قراءة القرآن الكريم من الهاتف او الكمبيوتر وهل يختلف الأجر عن المصحف الورقي؟