فضل أواخر سورة الحشر – الأحاديث الصحيحة والضعيفة ومعانيها العميقة

تُعدّ أواخر سورة الحشر من أكثر المواضع القرآنية التي يتداول المسلمون قراءتها طلبًا للبركة والحماية، خاصة في الصباح والمساء، إذ انتشرت أحاديث كثيرة في فضلها، منها ما يذكر نزول سبعين ألف ملك يصلّون على القارئ، ومنها ما يتحدث عن نيل الشهادة أو دخول الجنة.
إلا أن الدراسة العلمية الدقيقة تكشف أن معظم هذه الأحاديث ضعيفة السند، وأن الفضل الحقيقي لهذه الآيات يكمن في معانيها العميقة وأثرها الإيماني، لا في النصوص غير الثابتة.
في هذا المقال المتكامل نعرض لكِ الحقيقة العلمية والشرعية حول فضل أواخر سورة الحشر، مع تحليل موثوق للأحاديث وأقوال العلماء، وفوائد عملية لتدبّر هذه الآيات.

وردت عدة أحاديث منسوبة إلى النبي ﷺ في فضل قراءة أواخر سورة الحشر، ومن أبرزها:

1. حديث معقل بن يسار

«من قال حين يصبح ثلاثًا: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكلّ الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة».
 رواه الترمذي والطبراني وضعّفه المحدّثون.

2. حديث أنس بن مالك

«من قرأ سورة الحشر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».
 رواه الثعلبي في تفسيره، وهو حديث ضعيف لا يثبت.

3. حديث أبي أمامة

«من قرأ خواتيم سورة الحشر في ليل أو نهار فمات من يومه أو ليلته فقد أوجب الله له الجنة».
 رواه الديلمي في “مسند الفردوس”، وهو ضعيف جدًا.

4. حديث “اسم الله الأعظم”

جاء في بعض الروايات أن اسم الله الأعظم موجود في آخر سورة الحشر، وهي أقوال اجتهادية لا يصح فيها حديث مرفوع صحيح.

أجمع العلماء المحدثون والهيئات الشرعية على أن جميع الأحاديث الخاصة بفضل أواخر سورة الحشر لا تصح، ومن ذلك:

·        موقع الإسلام ويب: “لم يصحّ في فضل آخر سورة الحشر حديث مرفوع إلى النبي ﷺ، وجميع الروايات الواردة فيها ضعيفة السند.”
???? فتوى رقم 126229 - إسلام ويب

·        الشيخ ابن باز رحمه الله: “الحديث في فضل قراءة آخر سورة الحشر ضعيف، لا يصحّ عن النبي ﷺ، لكن قراءة القرآن عمومًا من أفضل الأعمال.”
???? موقع ابن باز الرسمي

·        موقع الإسلام سؤال وجواب: “الحديث المشهور في فضل أواخر سورة الحشر حديث ضعيف لا يُعمل به إلا على سبيل الذكر العام لا الفضيلة الخاصة.”
???? فتوى رقم 41031 - الإسلام سؤال وجواب

إذن، لا يصحّ تخصيص أواخر سورة الحشر بفضل محدد، بل تُقرأ كسائر سور القرآن لما فيها من ذكر لله وموعظة للمؤمنين.

رغم ضعف الأحاديث الخاصة، إلا أن القيمة الإيمانية والتربوية لأواخر سورة الحشر عظيمة جدًّا، لما تحمله من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فهي تبدأ من قوله تعالى:

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾
(سورة الحشر: الآية 22)

ثم تتوالى الآيات في عرض جلال الله وكماله، حتى تختم السورة بقوله تعالى:

﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
(سورة الحشر: الآية 24)

هذه الخواتيم تمثل لوحة توحيدية فريدة تجمع بين المعرفة بالله، وتعظيمه، واستحضار معاني العبودية والخشوع.

1.    تعميق التوحيد
تحتوي الآيات على أسماء الله وصفاته، وهي من أقوى وسائل ترسيخ الإيمان في القلب، إذ تُعلِّم المسلم كيف يعرف ربَّه بأسمائه الحسنى.

2.    تزكية النفس
تدعو الآيات إلى التأمل في صفات الله “الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن...” مما يزرع في النفس صفاءً ونقاءً روحيًا.

3.    تحقيق الطمأنينة والسكينة
قراءة هذه الآيات بتدبر تجعل القلب مطمئنًا بذكر الله، قال تعالى:

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28)

4.    إحياء الوعي الإيماني اليومي
يمكن للمسلم أن يجعل من قراءة خواتيم سورة الحشر عادة صباحية أو مسائية لتجديد علاقته بالله دون اعتقاد بفضل خاص لم يثبت.

5.    الاستزادة من الذكر والدعاء
بعد قراءة الآيات، يُستحب ذكر الله وتسبيحه بأسمائه المذكورة فيها، فيقول القارئ: “سبحان الله القدوس السلام، سبحان الله المؤمن المهيمن”.

يمكن تطبيق الفوائد الإيمانية في الحياة اليومية من خلال الخطوات التالية:

1.    القراءة اليومية بتدبر:
خصصي وقتًا صباحًا أو مساءً لتلاوة آخر ثلاث آيات من السورة.

2.    التأمل في الأسماء الحسنى:
اقرئي كل اسم من أسماء الله وتأملي أثره في حياتك، مثل: الرحمن – رحمة الله تشمل كل شيء.

3.    الربط بين الآيات والسلوك:
اجعلي تدبرك لهذه الأسماء دافعًا لتحسين أخلاقك وسلوكك مع الناس.

4.    التدوين الروحي:
اكتبي كل يوم صفة من صفات الله وتأملي كيف يمكنك أن تعيشي معناها عمليًا.

5.    نشر الخير:
شاركي هذه المعاني في مواقع التواصل لتعمّ الفائدة وتنتشر ثقافة التدبر الواعي.

على المسلم أن يعلم أن الأحاديث التي تتحدث عن ثواب محدد لأواخر سورة الحشر لم تثبت صحتها، لذا يُقرأ القرآن بنية التعبد العام لا الفضل الخاص، قال النبي ﷺ:

«اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»

 رواه مسلم (804)

فالفضل الأعظم في القرآن كله لا يختص بسورة أو آيات معينة إلا بدليل صحيح.

• لا يصحّ في فضل أواخر سورة الحشر حديث مرفوع صحيح.
• قراءتها جائزة ومستحبة كجزء من تلاوة القرآن وتدبر معانيه.
• تحتوي على أسماء الله الحسنى التي تغرس في القلب التوحيد واليقين.
• لا يجوز اعتقاد الثواب الخاص المذكور في الأحاديث الضعيفة.
• الأفضل أن تُقرأ بتدبر نية القرب من الله، لا انتظار ثواب مخصوص.

تختتم سورة الحشر بآيات عظيمة تُظهر كمال صفات الله وأسمائه الحسنى، وهي دعوة مفتوحة للمسلم أن يعيش مع الله بوعي وإخلاص.
ورغم ضعف الأحاديث الخاصة بفضلها، إلا أن تدبرها عبادة عظيمة تعمق الإيمان وتزكي القلب.
فاحرصي على قراءتها يوميًا، واستحضري معانيها لا فضائلها غير الثابتة، لتكوني من الذين ﴿يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: 24).