حكم قراءة الحائض للقرآن ومس المصحف

تعرف على حكم قراءة الحائض للقرآن الكريم ومس المصحف في الإسلام، مع بيان أقوال المذاهب الأربعة، ورأي ابن تيمية وابن باز، وأحكام القراءة من الهاتف وكتب التفسير، والترجيح الفقهي بالأدلة.

حكم قراءة الحائض للقرآن ومس المصحف
حكم قراءة الحائض للقرآن ومس المصحف
  • مقدمة

    المصحف الشريف هو أعظم كتاب أنزله الله تعالى على البشرية، وهو المصدر الأول للتشريع والهداية، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. وقد أجمعت الأمة على وجوب تعظيمه وصيانته من الامتهان. ومن المسائل التي يكثر السؤال عنها: كيفية تعامل المرأة الحائض مع المصحف الشريف، خاصة في عصر تزايدت فيه الحاجة إلى الحفظ والتلاوة والتعليم.

    في هذا المقال سنعرض أقوال الفقهاء في مسألة مس المصحف للحائض، ونوضح أحكام التلاوة والمراجعة، ونستخلص الضوابط الشرعية التي تحفظ للمصحف مكانته وقدسيته، مع مراعاة احتياجات المرأة المسلمة في التعلم والحفظ.

  • حكم مس المصحف للحائض والاستثناءات

    1. مذهب الجمهور

    ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا يجوز للحائض مس المصحف مباشرة بلا حائل. واستدلوا بقول الله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» رواه أحمد والنسائي والدارقطني، وصححه جمع من أهل العلم.

    2. مس المصحف بواسطة حائل

    • الحنفية والحنابلة: أجازوا مس المصحف بحائل منفصل، مثل القفاز أو الغلاف أو الكيس، بشرط أن لا يكون الحائل متصلاً بالمصحف اتصالاً دائماً (كالجلد المخيط به).
    • المالكية والشافعية: منعوا ذلك مطلقاً، ورأوا أن الحائل لا يغيّر الحكم، مستندين إلى أن العبرة بالمباشرة والمعنى، وأن الحائل خفيف أو شفاف لا يُعد فاصلاً معتبراً.

    3. الخلاصة في مسألة الحائل

    الأقرب – كما رجحه ابن تيمية وابن باز وغيرهما – أن الحائض يجوز لها مس المصحف بحائل عند الحاجة، خاصة في حال التعليم أو المراجعة، لأن المس هنا للحائل وليس للمصحف مباشرة، ولأن منعها من ذلك يؤدي إلى مشقة وانقطاعها عن القرآن.

    • الاستثناء: أجاز بعض العلماء مس المصحف للحائض إذا كان ذلك بقصد التعلم أو التعليم، استنادًا لما ذكره الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" من جواز حمل المصحف ومسّه للمتعلمة والمعلمة، ولو كانت حائضًا.
    • بالواسطة الحديثة: لا يدخل في حكم المصحف الأجهزة الإلكترونية التي تحوي القرآن الكريم مثل الجوالات والحواسيب وأسطوانات الليزر، لأن القرآن ليس مكتوبًا عليها حقيقة، بل معروض على الشاشة أو مخزن على شكل بيانات. ولهذا قال العلماء: يجوز مس الهواتف والكتب التي فيها تفسير القرآن للحائض ولغير المتوضئ، لأن الغالب عليها ليس اسم "المصحف".
  • حكم قراءة الحائض للقرآن

    1. قول الجمهور بالمنع

    ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى منع الحائض من قراءة القرآن، سواء من المصحف أو عن ظهر قلب، مستدلين بحديث علي رضي الله عنه:

    "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة".
    رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

    وقالوا: الحائض مثل الجنب، بل حدثها أغلظ وأطول، فينبغي أن تُمنع من القراءة قياسًا عليه.

    2. القول بالجواز

    ذهب بعض العلماء إلى جواز قراءة القرآن للحائض دون الجنب، وهو مذهب الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد، وأحد قولين للشافعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكذا أفتى به العلامة ابن باز رحمه الله.

    وحجتهم:

    • أن الحيض أمر يطول على النساء، بخلاف الجنابة التي يمكن رفعها في أي وقت.
    • أن منع المرأة من التلاوة قد يؤدي إلى نسيان ما تحفظه من القرآن.
    • أن حديث النهي عن قراءة القرآن للحائض لم يثبت بإسناد صحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة".

    كما قال ابن القيم: "النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض من قراءة القرآن، وحديث: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن) حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث".

  • قراءة الحائض للقرآن عن ظهر قلب

    • عند الجمهور: ممنوعة.
    • عند المالكية وابن تيمية وابن القيم وابن باز: جائزة، لعدم وجود دليل صريح يمنع، ولحاجة المرأة إلى مراجعة حفظها.
    • والراجح عند كثير من المحققين: أن الحائض يجوز لها قراءة القرآن عن ظهر قلب، أو من غير مس المصحف مباشرة، خاصة إذا خافت نسيان ما حفظت، أو كانت تتعلم أو تعلّم.
  • قراءة القرآن للحائض من كتب التفسير أو الأجهزة وللذكر والدعاء

    • كتب التفسير: يجوز مسها وقراءتها للحائض والمحدث، لأن الغالب عليها ليس القرآن بل الشرح والتفسير، كما قرر ذلك ابن عثيمين في "الشرح الممتع".
    • الهواتف والأجهزة اللوحية: يجوز قراءة القرآن منها بلا إشكال، سواء كانت المرأة على طهارة أو في حيض، لأن هذه الأجهزة لا تعد مصحفًا.

      تطبيقات عملية

      1.   الحفظ والمراجعة: يجوز للحائض مراجعة حفظها من القرآن عن ظهر قلب أو عبر الهاتف والكمبيوتر.

      2.   التعلم والتعليم: يجوز مس المصحف عند الحاجة الماسة للتعليم أو التعلم، مع وجود قول معتبر يجيز ذلك.

      3.   الذكر والدعاء: يجوز للحائض قراءة الآيات بقصد الذكر والدعاء، مثل آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذات، وخاصة الأذكار المشروعة قبل النوم.

      4.   التفسير والمطالعة: يجوز لها قراءة كتب التفسير، ومؤلفات تجمع بين القرآن والشرح.

  • صور تعامل الحائض مع المصحف الشريف

    1. الحفظ والمراجعة

    يجوز للحائض المراجعة غيباً من حفظها دون إشكال، وهذا متفق عليه. أما المراجعة من المصحف:

    • فالأحوط أن تكون بواسطة حائل كالقفاز أو غلاف المصحف.
    • أو من خلال المصاحف الإلكترونية على الهاتف أو التابلت، حيث لا تُعد هذه الأجهزة مصحفاً في ذاتها.

    2. التعليم والتدريس

    إذا كانت المرأة معلمة أو متعلمة، فلها أن تمس المصحف بحائل عند الحاجة، أو تعتمد على الوسائل التقنية الحديثة، وذلك رفعاً للحرج وحفاظاً على استمرارية التعليم الشرعي.

    3. الاستماع للقرآن

    لا خلاف في أن الاستماع للقرآن مشروع للحائض، بل فيه فضل كبير، لأنه لا يتطلب مس المصحف ولا التلاوة.

    4. مس الأجزاء المتصلة وغير المتصلة

    • يحرم مس ورق المصحف المكتوب أو الحواشي البيضاء أو الجلد المتصل به، لأنه يعد جزءاً من المصحف.
    • أما الغلاف المنفصل أو الكيس، فيعتبر حائلاً جائزاً عند من أجاز ذلك.
  • الضوابط الشرعية للتعامل مع المصحف للحائض

    1.   عدم مس المصحف مباشرة بلا حائل، التزاماً بقول الجمهور.

    2.   جواز مسه بحائل منفصل عند الحاجة، وخاصة في الحفظ والتدريس.

    3.   استعمال المصاحف الإلكترونية كخيار آمن وواسع الانتشار.

    4.   جواز قراءة القرآن دون مس المصحف على القول الراجح، دفعاً للحرج والمشقة.

    5.   الاحتياط والورع: الأفضل للحائض تجنب مس المصحف قدر الإمكان، إلا عند الضرورة.

    6.   تعظيم حرمة القرآن: بعدم إدخاله إلى أماكن غير لائقة، وعدم التهاون في التعامل معه.

    7.   تجديد النية: بأن غاية التعامل مع القرآن هي التقرب إلى الله تعالى بالذكر والعبادة، لا مجرد العادة.

  • مقاصد الشريعة في هذا الباب

    إن الأحكام الشرعية المتعلقة بمس المصحف للحائض ليست مجرد ضوابط فقهية جامدة، بل وراءها مقاصد عليا، منها:

    • تعظيم كتاب الله وصيانته من الامتهان.
    • رفع الحرج والمشقة عن النساء، خاصة مع طول مدة الحيض.
    • الحفاظ على الحفظ والمراجعة حتى لا تهجر المرأة القرآن.
    • تحقيق التوازن بين النصوص الشرعية والواقع الذي تعيشه المرأة المسلمة.
  • خاتمة

    إن المرأة الحائض مطالبة بتعظيم كتاب الله والالتزام بالضوابط الشرعية في التعامل مع المصحف الشريف. والراجح من أقوال أهل العلم جواز قراءتها للقرآن من غير مس مباشر، مع جواز مسه بواسطة حائل عند الحاجة. أما في الحالات العادية، فالأولى لها أن تراجع من حفظها أو من خلال التطبيقات الإلكترونية، تحقيقاً للورع وصيانة لحرمة كلام الله.

    وبذلك تكون المرأة قد جمعت بين الحرص على تعظيم القرآن، وبين الاستفادة من أحكام التيسير التي جاءت بها الشريعة، مصداقاً لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].