ما هي الغنوصية؟ تعريفها ونشأتها ومعتقداتها بالتفصيل
اكتشف ما هي الغنوصية، وكيف نشأت، وما أبرز معتقداتها وأفكارها حول الإله والإنسان والكون. مقال شامل ومبسط يوضح معنى الغنوصية وجذورها الفكرية وأثرها في الأديان القديمة والفلسفات.
 
                                    - 
                                مقدمةفي عالمٍ امتلأ بالمذاهب الفكرية والتيارات الدينية المتعددة، برزت الغنوصية (Gnosticism) كأحد أكثر المذاهب غموضًا وإثارةً للجدل عبر التاريخ. فهي ليست مجرد ديانة، بل منظومة فكرية فلسفية وروحية حاولت الجمع بين الدين والفلسفة، وبين الإيمان والعقل، وبين الروح والمادة. ولكن، ما هي الغنوصية بالضبط؟ ومن أين جاءت؟ وما أبرز معتقداتها التي جعلتها محل نقاش واسع في الفكر القديم والمعاصر؟ 
- 
                                تعريف الغنوصيةالغنوصية مأخوذة من الكلمة اليونانية "غنوسيس" (Gnosis) وتعني المعرفة أو العلم الروحي. 
 ويقصد بالغنوصية: الاعتقاد بأن الخلاص لا يتحقق إلا بالمعرفة الباطنية الخاصة، أي أن الإنسان لا ينجو بالإيمان الظاهري أو الطقوس، بل بمعرفة أسرار الكون والإله والنفس التي لا يدركها إلا الخاصة من الناس.وبذلك، فالغنوصية تقوم على المعرفة السرية التي تكشف العلاقة بين الإنسان والإله والكون، وتعدّ هذه المعرفة هي السبيل الوحيد للتحرر من سجن المادة والجهل. 
- 
                                نشأة الغنوصيةتعود جذور الغنوصية إلى القرن الأول الميلادي، أي في الزمن القريب من ظهور المسيحية. 
 وقد تداخلت فيها عدة مصادر فكرية وفلسفية، منها:- الفلسفة اليونانية، وخاصة أفكار أفلاطون حول ثنائية الروح والمادة.
- الديانات الشرقية القديمة مثل الزرادشتية والمجوسية، التي تحدثت عن صراع الخير والشر.
- الفكر اليهودي المتأخر، خصوصًا أفكار القبّالة والتأويل الرمزي للنصوص.
- المسيحية الأولى، إذ حاول بعض المفكرين الغنوصيين تأويل الكتاب المقدس بطريقة رمزية بعيدة عن الظاهر.
 وبهذا، نشأت الغنوصية كحركة فكرية تمزج بين الدين والفلسفة والتصوف، وتزعم امتلاك المعرفة التي تفسر سر الوجود. 
- الفلسفة اليونانية، وخاصة أفكار أفلاطون حول ثنائية الروح والمادة.
- 
                                أهم معتقدات الغنوصيةتتميز الغنوصية بمجموعة من المعتقدات التي تجعلها مختلفة جذريًا عن الأديان السماوية. ومن أبرزها: 1. ثنائية الإله والمادةيرى الغنوصيون أن هناك إلهًا أعلى مطلقًا لا يُدرك بالعقل ولا بالعين، وأن هذا الإله لم يخلق العالم المادي مباشرة، بل خلق عقولًا (أيونات)، ومن أحدها صدر كائن أدنى يسمى ديميورج (Demiurge) وهو خالق العالم المادي. 
 ويرون أن هذا الإله الأدنى هو سبب الشرور والمادة الفاسدة، لذلك فالعالم المادي في نظرهم سجن للروح.2. الإنسان روح إلهية سجينةيعتقد الغنوصيون أن الإنسان يحتوي على شرارة إلهية من العالم العلوي، لكنها محبوسة داخل الجسد المادي. 
 ولهذا يسعون إلى تحرير الروح من سجن الجسد من خلال المعرفة الغنوصية، أي معرفة أصل الروح وطريق عودتها إلى الإله الأعلى.3. المعرفة وسيلة الخلاصفي الفكر الغنوصي، المعرفة (Gnosis) هي الخلاص. 
 فهم لا يؤمنون بالإيمان البسيط أو الطاعة الظاهرة، بل بالعلم الباطني الذي يكشف أسرار الكون والوجود.
 ومن خلال هذه المعرفة، يستطيع الإنسان تجاوز المادة والوصول إلى العالم الروحي النوراني.4. رفض ظاهر النصوص الدينيةيؤول الغنوصيون النصوص المقدسة تأويلًا رمزيًا، ويزعمون أن للكتب السماوية معاني خفية لا يعرفها إلا أهل الغنوص. 
 فهم لا يأخذون بالظواهر، بل يبحثون عن “الأسرار” التي يرون أنها مخفية عن عامة الناس.5. نظرتهم إلى الأنبياءيرى الغنوصيون أن الأنبياء لم يأتوا بشريعة فحسب، بل جاؤوا ليكشفوا المعرفة الباطنية التي تخلص الروح. 
 لكنهم يعتقدون أن كثيرًا من أتباع الأنبياء حجبوا هذه المعرفة الحقيقية، وحولوها إلى طقوس وشعائر ظاهرية.
- 
                                كتب الغنوصية ومصادرهاتم اكتشاف أهم نصوص الغنوصية في مخطوطات نجع حمادي في مصر سنة 1945م، وتضم مجموعة من الكتب الغنوصية مثل: - إنجيل توما
- إنجيل مريم المجدلية
- إنجيل الحقيقة
- إنجيل المصريين
 وهذه الكتب تُظهر أن الغنوصيين كانوا يعيدون كتابة النصوص الدينية بطريقة رمزية، لبيان معتقداتهم الخاصة. 
- إنجيل توما
- 
                                الغنوصية والمسيحيةظهرت الغنوصية في البيئة المسيحية الأولى، لكنها اعتُبرت هرطقة (بدعة) من قِبل الكنيسة. 
 فقد رفضت الكنيسة الفكر الغنوصي لأنه:- ينكر أن الله خلق العالم المادي مباشرة.
- يقلل من قيمة الإيمان والنعمة الإلهية.
- يفرّق بين المؤمنين العاديين و"العارفين" الذين يملكون المعرفة السرية.
 ومن أشهر من ردّوا على الغنوصية: - القديس إيريناوس في كتابه ضد الهرطقات.
- ترتليانوس وهيبوليتوس وغيرهما من آباء الكنيسة.
 
- ينكر أن الله خلق العالم المادي مباشرة.
- 
                                الغنوصية والفلسفة الإسلاميةعند انتقال الفكر الفلسفي إلى العالم الإسلامي، تسللت بعض الأفكار الغنوصية إلى التصوف والفكر الفلسفي عبر الترجمات الإغريقية والفارسية. 
 لكن علماء الإسلام ميّزوا بين المعرفة الإيمانية الصافية المبنية على الوحي، وبين المعرفة الباطنية الغنوصية التي تنكر ظواهر النصوص.وقد حذّر العلماء من هذا الفكر لأنه يُبطل النصوص الشرعية ويقدّم التأويل الشخصي على الوحي، وهو ما يخالف منهج الإسلام في معرفة الله والوجود. 
- 
                                رموز الغنوصيةاعتمد الغنوصيون رموزًا خاصة للتعبير عن فلسفتهم، مثل: - الثعبان: يرمز عندهم إلى الحكمة والمعرفة، لا إلى الشر كما في الديانات السماوية.
- النور والظلمة: رمز للصراع بين الروح والمادة.
- السلم أو الدرجات: يرمز إلى مراحل صعود الروح نحو الإله الأعلى.
 
- الثعبان: يرمز عندهم إلى الحكمة والمعرفة، لا إلى الشر كما في الديانات السماوية.
- 
                                الغنوصية في الفكر الحديثأعاد بعض المفكرين الغربيين في العصر الحديث إحياء الفكر الغنوصي، مثل يونغ (Carl Jung) الذي رأى أن الغنوصية تعبّر عن رحلة النفس في اكتشاف ذاتها. 
 كما نجد أثرها في بعض الحركات السرية والرموز الفلسفية الغربية التي تؤمن بأن الحقيقة لا يدركها إلا القلة.
- 
                                الخاتمةإن الغنوصية تمثل محاولة الإنسان القديمة لفهم سر الوجود والإله والنفس عبر معرفة باطنية بعيدة عن ظاهر الدين. 
 لكنها مع ذلك، تعارض جوهر الأديان السماوية التي تدعو إلى الإيمان الصادق والعمل الصالح، لا إلى الأسرار الغامضة والعلوم الخفية.
 ومن المهم أن نفهم الغنوصية كجزء من التاريخ الفكري للبشرية، لكنها تبقى فكرًا لا يستند إلى وحي، بل إلى تأملات بشرية تبحث عن الإله خارج منهج الوحي والنبوة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                            