حكم قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت | آراء العلماء والأدلة الشرعية الكاملة

تعرف على حكم قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت من منظور فقهي دقيق، مع بيان أقوال العلماء والأدلة من الكتاب والسنة، ورأي دار الإفتاء المصرية والشيخ ابن عثيمين، وهل تصل ثواب القراءة إلى الميت أم لا، مع التفريق بين البدعة والسنة في ذلك.

حكم قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت | آراء العلماء والأدلة الشرعية الكاملة
حكم قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت | آراء العلماء والأدلة الشرعية الكاملة
  • مقدمة

    من القضايا التي يتداولها المسلمون كثيرًا بعد وفاة أحبتهم مسألة قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت، وهل يصل الثواب إليه أم أن ذلك من البدع المحدثة؟
    اختلف العلماء في هذه المسألة بين مانع ومجوِّز، وتنوّعت الأدلة بين نصوص قرآنية وأحاديث نبوية وآثار عن السلف، وسنستعرض هنا القول الراجح مع توضيح ضوابطه الشرعية.

  • الأصل في الأعمال وثوابها

    قال الله تعالى:

    ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]

    وهذه الآية أصل عند من يرى أن الإنسان لا ينال من العمل إلا ما باشره بنفسه، واستدل بها الإمام مالك والإمام الشافعي على أن العبادات البدنية المحضة – كالصلاة وقراءة القرآن – لا يصل ثوابها إلى الميت.

    أما الفريق الآخر – ومنهم الإمام أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وجماعة من السلف – فقالوا: إن الله تعالى لم يمنع أن يُهدى الثواب للميت، لأن السعي المقصود في الآية هو أصل الملكية والثواب، أما الإهداء فهو من باب التبرع والكرم، فيجوز شرعًا.

  • الأحاديث النبوية في وصول ثواب العمل للميت

    جاء في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال:

    "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم).

    وقد فهم بعض العلماء أن هذا الحديث يدل على أن العمل لا يصل إلى الميت إلا من هذه الثلاثة، بينما ذهب جمهور المحققين إلى أن الحديث يصف انقطاع العمل الذاتي للميت، وليس انقطاع انتفاعه بعمل غيره، لأن الأدلة الأخرى تثبت وصول ثواب بعض الأعمال.

    ومن هذه الأدلة:

    • قوله ﷺ: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" (متفق عليه).
    • وقوله ﷺ للمرأة التي سألت عن أمها المتوفاة: "نعم، صلي عنها" (رواه مسلم).
    • وحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: "إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك" (رواه أبو داود).

    وهذه النصوص كلها تدل على وصول ثواب العمل للميت إذا أُهدي له، سواء كان مالياً أو بدنيًا.

  • فتاوى العلماء المعاصرين في المسألة

    1. فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

    قال الشيخ في "مجموع فتاوى العقيدة" (2/305):

    "يجوز إهداء ثواب القراءة للميت ويصل إليه وينتفع بها، وإنما الممنوع هو الاجتماع عند القبور والقراءة الجماعية عليها، لأن ذلك لم يرد في السنة."

    فهو يفرّق بين العمل الفردي المشروع والاجتماع البدعي الذي لا أصل له في الشرع.

    2. فتوى دار الإفتاء المصرية

    أكّدت دار الإفتاء أن:

    "قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت لا حرج فيها شرعًا، ويصل الثواب للميت وينتفع به إن شاء الله، كما ينتفع بالصدقة والدعاء والحج والعمرة، بشرط إخلاص النية لله تعالى."

    وأضافت أن الاجتماع للقراءة بطريقة منظمة أو مأجورة لا يُعدّ من السنة، بل من البدع المحدثة التي ينبغي تركها.

    3. فتوى موقع إسلام ويب (رقم 3406)

    جاء في خلاصة الفتوى:

    "الصحيح إن شاء الله أن ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت، وسلك بعض الشافعية مسلكًا حسنًا فقالوا: إذا قرأ وقال بعد قراءته: اللهم إن كنت قبلت قراءتي هذه فاجعل ثوابها لفلان، صح ذلك وعدّوه من باب الدعاء."

    كما أوضحت الفتوى أن الشيخ ابن عثيمين لم يمنع أصل الإهداء، وإنما نهى عن المراسم والاجتماعات المحدثة حول القبور.

  • أنواع الأعمال التي يصل ثوابها إلى الميت

    يمكن تقسيم الأعمال المهداة إلى الميت إلى قسمين رئيسيين:

    1.    أعمال مالية:
    كالصدقة، والوقف، وطباعة الكتب والأشرطة النافعة، وتوزيع المصاحف، وحفر الآبار، وبناء المساجد.
    ???? قال النبي ﷺ:

    "أفضل الصدقة سقي الماء" (رواه أبو داود).
    وهذه الصدقات تدخل في باب الصدقة الجارية التي لا ينقطع أجرها.

    2.    أعمال بدنية:
    مثل الصيام، الحج، وقراءة القرآن.
    وقد أجازها جمهور الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية، لأن الميت ينتفع بالدعاء والصدقة فكذا بسائر القربات.

  • البدع المتعلقة بقراءة القرآن على الأموات

    من الأخطاء الشائعة:

    • الاجتماع الجماعي لقراءة القرآن بعد الوفاة بعدد معين من الأيام (الثالث أو الأربعين).
    • استئجار القرّاء للقراءة في العزاء مقابل مال.
    • تخصيص سور معينة للميت دون دليل، مثل تخصيص سورة يس أو الفاتحة.

    ???? وهذه الممارسات لا أصل لها في السنة، بل قال عنها العلماء إنها بدع محدثة تخالف هدي النبي ﷺ وصحابته الكرام.

  • الطريقة المشروعة لإهداء الثواب

    • يقرأ المسلم القرآن في بيته أو في المسجد بنية خالصة لله تعالى.
    • ثم يقول بعد ختم قراءته:
      "
      اللهم إن كنت تقبلت قراءتي هذه، فاجعل ثوابها لفلان (الميت)".
    • ويجوز أن يقرنها بالدعاء للميت بالرحمة والمغفرة، كما ورد في الحديث:

    "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل" (رواه الحاكم وصححه).

  • بين الصدقة والعلم والدعاء

    حين قال النبي ﷺ:

    "أو علم ينتفع به"
    فُسِّر هذا بأنه يشمل كل علم نافع يتركه الإنسان من بعده، كتعليم القرآن، وتأليف الكتب النافعة، ونشر المحاضرات العلمية أو الدينية.

    وعليه، فإن طباعة الكتب والأشرطة والمصاحف أو نشر الدروس والمحاضرات على نية الميت يُعد من الصدقة الجارية والعلم النافع الذي ينفع الميت بإذن الله.

  • خلاصة القول والراجح

    بعد جمع الأدلة الشرعية وأقوال العلماء، يتبين أن:

    • القول الراجح: أن ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت إذا أُهدي له، بشرط الإخلاص وعدم اتخاذ ذلك عادة جماعية أو موسمية.
    • أما الاجتماع للقراءة واستئجار القرّاء فليس من السنة، بل من البدع التي يجب تجنبها.
    • والأولى أن يجمع المسلم بين القراءة والدعاء والصدقة عن الميت، فهي من أعظم صور البر بالوالدين والأقارب بعد وفاتهم.
  • الخاتمة

    إنَّ برّ الميت لا ينتهي بموته، بل يستمر بالدعاء له، والصدقة عنه، وقراءة القرآن وإهداء ثوابها له بإخلاص.
    فما أجمل أن يكون القرآن وسيلة وصل بين الأحياء والأموات، ومصدراً للرحمة والمغفرة بإذن الله تعالى.

    قال تعالى:
    ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]