المرشدية في سوريا: من هم وما عقيدتهم الحقيقية؟

تعرف في هذا المقال على المرشدية في سوريا، نشأتها ومؤسسها سعيد المرشد، وما يؤمن به أتباعها من عقائد باطنية مخالفة للإسلام، مع عرض شامل لموقف العلماء والفتاوى الشرعية وتحليل فكري واجتماعي دقيق.

المرشدية في سوريا: من هم وما عقيدتهم الحقيقية؟
من هم المرشديون وما عقيدتهم؟
  • مقدمة

    يُعدّ الحديث عن المرشدية في سوريا من الموضوعات الحساسة التي تتقاطع فيها السياسة بالدين، والفكر بالعقيدة. فقد ظهرت هذه الجماعة في النصف الأول من القرن العشرين، لتكوّن كيانًا دينيًا مغلقًا يثير حوله كثيرًا من الجدل والالتباس.
    ورغم محدودية انتشارها جغرافيًا، فإن تأثيرها الاجتماعي والفكري جعلها محطّ دراسة وبحث من قبل المهتمين بتاريخ الأديان والمذاهب المعاصرة.
    فمن هم المرشديون؟ وكيف نشأت عقيدتهم؟ وما موقف الإسلام والعلماء منهم؟ هذا ما سنعرضه في هذا المقال التحليلي المتكامل، بأسلوب مبسط

  • من هو مؤسس المرشدية؟

    1. نشأة الحركة وأصلها

    تُنسب المرشدية إلى سعيد بن مصلح المرشد، الذي وُلد في منطقة جبل العرب بمحافظة السويداء في سوريا عام 1907م تقريبًا، ونشأ في بيئة درزية تقليدية.
    بدأ المرشد دعوته في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم أعلن رسالته علنًا عام 1946م في منطقة جورين بمحافظة حماة. وقد ادّعى أنه مبعوث من الله لهداية الناس إلى “الحق الجديد”، مما أثار معارضة واسعة بين علماء المسلمين والدروز على حد سواء.
    تطوّرت دعوته إلى حركة دينية مغلقة تُعرف اليوم باسم المرشدية، ويتبعها آلاف الأفراد في بعض قرى حماة واللاذقية.

    2. خلفية سياسية واجتماعية

    ظهرت المرشدية في فترة الاضطراب السياسي بعد الانتداب الفرنسي، حين كانت الهوية الوطنية والدينية في سوريا تمر بمرحلة تشكّل معقدة.
    واستغلّ مؤسسها حالة الانقسام الطائفي والاجتماعي ليطرح نفسه “مخلّصًا” يوحّد الناس، لكنّ دعوته سرعان ما أخذت طابعًا عقائديًا مغلقًا ذا تأويلات باطنية بعيدة عن الإسلام الصحيح.

  • عقيدة المرشدية: ما الذي يؤمنون به؟

    . موقفهم من الله والنبوة

    تقوم عقيدة المرشدية على فكرة تجلي الله في الإنسان، حيث يعتقد أتباعها أن الله تجلّى في شخصية مؤسسهم سعيد المرشد، وأنه “المعلم الأول” و”المخلّص المنتظر”.
    وقد أوردت موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة أن المرشديين “ينكرون النبوة والوحي بالمعنى الإسلامي، ويرون أن الحقيقة الإلهية يمكن أن تتجسد في شخص بشري يتلقى الإلهام مباشرة من الله”.
    وهذا الاعتقاد يُعدّ كفرًا صريحًا في الإسلام، لأنه يناقض قوله تعالى:

    {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
    (سورة الإخلاص).

    كما يؤمن المرشديون أن سعيد المرشد لم يمت، بل “اختفى عن الأبصار وسيعود”، وهو تصور قريب من فكرة “المهدي المنتظر” لكن بصيغة باطنية منحرفة.

    2. كتبهم ومصادرهم الفكرية

    لا يعتمد المرشديون على القرآن الكريم وحده، بل لديهم نصوص دينية خاصة تُعرف بـ"الخطابات" أو “الرسائل المرشدية”، يُنسب بعضها إلى سعيد المرشد، وبعضها إلى ابنه مجيد المرشد الذي خلفه بعد وفاته سنة 1946م.
    وتُعدّ هذه النصوص بمثابة “الوحي الجديد” الذي يفسر الحياة والعقيدة، ويقدّمه الأتباع على النصوص الشرعية.
    وهذا مما أوقعهم في مخالفة صريحة لقوله تعالى:

    {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85).

    3. طقوس العبادة عند المرشدية

    يؤدي المرشديون بعض الشعائر بطريقة رمزية تختلف عن العبادات الإسلامية، ومن ذلك:

    • الصلاة: تُختصر لديهم في "الذكر الروحي" دون وضوء أو سجود، بزعم أن الطهارة معنوية لا مادية.
    • الصيام: لا يصومون رمضان، بل يصومون أيامًا محددة من السنة يسمونها “أيام النور”.
    • الزكاة: لا يقرّونها كركن مالي محدد، بل يعتبرون “النية الطيبة” زكاة كافية.
    • الحج: لا يعترفون بالحج إلى مكة، بل يرون زيارة ضريح سعيد المرشد "حجًّا روحياً".

    هذه الممارسات تخالف أركان الإسلام الخمسة كما وردت في صحيح السنة، وتُخرج أصحابها عن دائرة الإسلام بإجماع العلماء.

  • المرشدية بين السرية والانغلاق

    تتميّز المرشدية بطابع سريّ مغلق، فلا يُسمح لغير أتباعها بمعرفة تفاصيل معتقداتهم الداخلية.
    وغالبًا ما يتوارث الأبناء العقيدة عن الآباء، مع منع الزواج من غير المرشديين.
    ويرى الباحث السوري عبد الرحمن الطعان في دراسته حول الطوائف الباطنية (جامعة دمشق، 2018م) أن “المرشدية تمثل نموذجًا متطورًا للغلوّ الباطني في العصر الحديث، حيث تمتزج فيها عناصر من الفكر الدرزي والعلوي والغنوصي مع نزعة تمجيد القائد”.

  • موقف العلماء من المرشدية

    1. الفتوى الشرعية

    أجمع علماء المسلمين على أن عقيدة المرشدية باطلة وخارجة عن الإسلام، لأنها تتضمن:

    • تأليه البشر.
    • إنكار أركان الإسلام.
    • استبدال الوحي الإلهي بكلام بشر.

    وقد صدرت فتاوى من دار الإفتاء السورية ومن علماء الأزهر تؤكد أن هذه الدعوة “فرقة ضالة مبتدعة لا تمت للإسلام بصلة”.
    وجاء في فتوى الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (رحمه الله):

    “كل من يعتقد أن الله يحلّ في البشر أو يتجلى فيهم فهو كافر بإجماع المسلمين، سواء كان المرشد أو غيره”.

    2. مقارنة بين الإسلام والمرشدية

    الركن

    في الإسلام

    عند المرشدية

    التوحيد

    الله واحد لا شريك له

    الله يتجلى في الإنسان

    النبوة

    محمد ﷺ خاتم الأنبياء

    لا يؤمنون بختم النبوة

    القرآن

    كلام الله المنزل

    يقدّمون خطابات المرشد

    الصلاة

    خمس صلوات يومية

    ذكر رمزي بلا سجود

    الصيام

    شهر رمضان

    صيام رمزي لأيام النور

  • انتشار المرشدية في سوريا

    تتركّز تجمعات المرشديين اليوم في مناطق محدودة من ريف حماة واللاذقية، وخاصة في قرى: جورين، رصيف، شطحة، وبري الشرقي.
    ويُقدّر عددهم ببضع عشرات الآلاف فقط، يعيشون في عزلة اجتماعية نسبية، ويحتفظون بعلاقات هادئة مع الدولة.
    وقد بقيت دعوتهم محظورة قانونيًا حتى سبعينيات القرن العشرين، حين سُمح لهم بممارسة طقوسهم سرًا دون إعلان.

  • تحليل اجتماعي وفكري

    يُرجع الباحثون أسباب نشوء المرشدية إلى مجموعة من العوامل:

    1.   الفراغ الروحي والسياسي في فترة ما بعد الاستعمار.

    2.   الجهل الديني وغياب التعليم الشرعي في الريف السوري.

    3.   النزعة الباطنية التي وجدت أرضًا خصبة في بعض البيئات الجبلية.

    ويرى بعض علماء الاجتماع أن المرشدية ليست مجرد “مذهب ديني”، بل ظاهرة اجتماعية نشأت كردّ فعل على تهميش الطبقات الريفية، ثم تطورت إلى كيان عقائدي مغلق.

  • الموقف الإسلامي العام

    من منظور العقيدة الإسلامية، فإن الإسلام دين الوضوح والتوحيد، لا يقوم على الغموض ولا السرية، كما قال تعالى:

    {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (المائدة: 15).

    ولذلك فإن أي دعوة تقوم على تأليه البشر، أو استبدال الوحي المنزل، أو تحريف أركان الدين، فهي خروج بيّن عن الإسلام.
    ويجب على المسلمين الحذر من هذه المذاهب الباطنية التي تُلبس الباطل ثوب الحقيقة، وتغري الناس بشعارات الإصلاح الروحي والحرية الفكرية.

  • الخاتمة

    إن المرشدية، رغم محدودية انتشارها، تمثل أحد مظاهر الانحراف العقدي في العصر الحديث، الذي يعبّر عن أزمة الهوية الدينية حين يُفصل الدين عن الوحي.
    وقد أثبت التاريخ أن كل الحركات التي حاولت استبدال الإسلام بفكر إنساني منغلق، سرعان ما اندثرت أمام صفاء التوحيد ووضوح رسالة القرآن.
    ولهذا، فإن معرفة هذه العقائد ضرورية لحماية العقيدة الإسلامية من التحريف والبدع، وواجب العلماء والدعاة أن يبيّنوا للناس خطر مثل هذه الأفكار.