حكم امتناع الزوجة عن فراش زوجها بدون عذر شرعي
تعرف على الحكم الشرعي لامتناع الزوجة عن فراش زوجها بدون عذر شرعي، وآثاره الفقهية والاجتماعية، مع بيان الأدلة من الكتاب والسنة، والحلول الشرعية لمعالجة النشوز.

-
مقدمة
الأسرة المسلمة تقوم على المودة والرحمة والتكامل بين الزوجين، ولتحقيق هذه الغاية، شرع الإسلام الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين بما يحفظ العلاقة الزوجية من الانهيار والانحراف. ومن بين هذه الواجبات: حق الاستمتاع بين الزوجين، وهو من الحقوق الأساسية التي جعلها الشارع الحكيم للزوج على زوجته، ومنع الامتناع عنه إلا بعذر شرعي معتبر.
فما هو حكم امتناع الزوجة عن فراش زوجها بدون عذر؟ وما هي حدود هذا الامتناع؟ وما عواقبه؟ هذا ما سنتناوله تفصيليًا في هذا المقال.
-
أهمية العلاقة الزوجية في الإسلام
العلاقة الخاصة بين الزوجين ليست أمرًا دنيويًا بحتًا، بل هي عبادة يتقرب بها الطرفان إلى الله، وقد جاء في قوله تعالى:
{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}
البقرة: 187هذا التصوير القرآني يعكس مدى القرب والتكامل بين الزوجين، ويبرز أن المعاشرة بينهما ليست فقط رغبة جسدية، بل هي حقّ شرعي ومقوم أساسي للحياة الزوجية المستقرة.
-
وجوب استجابة الزوجة لطلب زوجها في الفراش
اتفق الفقهاء على أن من حقوق الزوج على زوجته تمكينه من نفسها إذا طلبها للفراش، ما لم يكن هناك مانع شرعي معتبر، كحيض أو نفاس أو مرض ونحوه.
وقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
"ذهب الفقهاء إلى أن للزوج أن يطالب زوجته بالوطء متى شاء، إلا عند اعتراض أسباب شرعية مانعة منه كالحيض، والنفاس، والظهار والإحرام ونحو ذلك، فإن طالبها وانتفت الموانع الشرعية، وجب عليها الاستجابة."
-
حكم امتناع الزوجة عن فراش زوجها بدون عذر
امتناع الزوجة عن فراش زوجها بغير عذر شرعي يُعد نشوزًا، وهو من الكبائر؛ لما يترتب عليه من إفساد للعلاقة الزوجية، وفتح لأبواب الفتنة والانحراف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش، وذلك فرض واجب عليها."
وقد اعتبره الذهبي والرافعي والنووي والهيتمي من الكبائر لما فيه من الوعيد الشديد، فقد جاء في الحديث:
· عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح."
رواه البخاري ومسلم· وفي رواية أخرى:
"إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى ترجع."· وقال ﷺ:
"والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها."
رواه مسلمفهذه النصوص تدل بوضوح على تحريم الامتناع عن فراش الزوج دون عذر، ووجوب الاستجابة.
-
ما يُعد عذرًا شرعيًا للامتناع
يُقبل امتناع الزوجة إن كان لعذر شرعي أو ضرر معتبر، ومن ذلك:
- الحيض أو النفاس
- المرض أو الإعياء الشديد
- وجود أذى أو عنف أو إجبار مهين من الزوج
- تأذيها نفسيًا أو جسديًا واضحًا
وفي حال تحقق أحد هذه الموانع، فإن الزوج لا يجوز له إجبارها أو لومها، ولها الحق في الرفض.
- الحيض أو النفاس
-
آثار امتناع الزوجة وأحكام النشوز
إذا امتنعت الزوجة بغير عذر شرعي، اعتُبِرت ناشزًا، والنشوز هو: خروج الزوجة عن طاعة زوجها فيما أوجب الله عليها.
ومن آثار النشوز:
- سقوط النفقة والكسوة عنها عند الجمهور
- سقوط حق المبيت والقَسْم في بعض الأقوال
- جواز عضل الزوج لها حتى تختلع منه وترد له المهر، إن أبت الاستجابة
قال الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى:
{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}
النساء: 19"وأما العضل لتفتدي المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه فحق لزوجها إذا هي نشزت عليه...".
أي أن للزوج الحق في التضييق المشروع إن ثبت نشوزها، حتى تفتدي منه.
- سقوط النفقة والكسوة عنها عند الجمهور
-
لا إثم على مشاعر المرأة في الجماع
الضيق أو البكاء أثناء الجماع لا إثم فيه، ما دام لا يتضمن امتناعًا مقصودًا بغير عذر، إذ أن المشاعر لا يملكها الإنسان.
لكن المطلوب من الزوجة أن:
- تصارح زوجها بما يؤذيها أو يضايقها
- توجهه بلطف وتناصحه إن قصّر في المعاشرة أو في المداعبة الشرعية
- تراعي حدود الله وألا تقصر في حقوقه بسبب تقصيره
قال تعالى:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
النساء: 19 - تصارح زوجها بما يؤذيها أو يضايقها
-
الحلول المقترحة لمعالجة هذا الخلل
لتجاوز مشكلة امتناع الزوجة عن فراش زوجها، ينبغي مراعاة ما يلي:
- تثقيف الزوجين حول الحقوق الشرعية والواجبات المتبادلة
- مراعاة الحالة النفسية للمرأة، والتمييز بين النشوز المرضي والنفسي
- فتح حوار صريح بين الزوجين لتوضيح المشكلات
- اللجوء إلى مستشار أسري أو قاضٍ شرعي في الحالات المعقدة
- تثقيف الزوجين حول الحقوق الشرعية والواجبات المتبادلة
-
الخاتمة
امتناع الزوجة عن فراش زوجها بغير عذر شرعي مخالف لأحكام الإسلام، وهو من النشوز الذي يهدد كيان الأسرة واستقرارها، ويعرض العلاقة بين الزوجين للانهيار.
على المرأة أن تتقي الله في زوجها، وتؤدي حقه كما تؤدي حق الله، وعلى الزوج أن يتقي الله في زوجته، فيعاملها برفق ويؤدي حقوقها بتمامها.
نسأل الله أن يؤلف بين قلوب الأزواج والزوجات، ويجعل بيوتهم سكنًا ورحمة.