حسن التبعل في الفراش: دليل الزوجة المسلمة إلى المعاشرة بالمعروف

مقال شرعي شامل يوضح معنى حسن التبعل في الفراش، مع استعراض الأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء، وبيان أثره في استقرار الحياة الزوجية، وكيفية تحقيقه عمليًا بأسلوب إيماني واقعي، مع ذكر الفوائد الدنيوية والأخروية

حسن التبعل في الفراش: دليل الزوجة المسلمة إلى المعاشرة بالمعروف
حسن التبعل
  • مقدمة

    من مقاصد الشريعة الإسلامية تحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وقد أولى الإسلام العلاقة الزوجية عناية خاصة، فبيّن حقوق الطرفين وواجباتهما، وأمر كلًّا منهما بالإحسان إلى الآخر. ومن أبرز مظاهر إحسان المرأة لزوجها ما يسمى بـ"حسن التبعل"، لا سيما في جانب المعاشرة الزوجية، وهو ما يُعرف شرعًا بـ"حق الفراش.

  • تعريف حسن التبعل لغةً وشرعًا

    ·        لغةً:
    التبعل مأخوذ من "الزوج"، فـ"بعل المرأة" زوجها. ويقال: تبعلت المرأة لزوجها أي أحسنت عشرته وتزينت له وأطاعته.

    ·        شرعًا:
    هو قيام المرأة بحقوق زوجها كاملة، والتفنن في خدمته ومراعاته وتزيّنها له، لا سيما في أمر الفراش، بما يحقق السكن والطمأنينة له، دون تقصير أو تنفير.

    قال الحافظ ابن حجر: "التبعل هو حسن التبعّل، أي حسن العشرة، والطاعة في المعروف، والتزيّن له، والتحبب إليه".

  • مكانة حسن التبعل في الإسلام

    جعل الإسلام حسن تبعل المرأة لزوجها من أعظم القربات، وعدّه من الجهاد في سبيل الله.

    ·        عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    "
    إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت"
    (رواه أحمد وصححه الألباني).

    ·        وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    "
    ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود، الولود، العؤود على زوجها، التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول: لا أذوق غمضًا حتى ترضى"
    (رواه النسائي وابن حبان وصححه الألباني).

  • حسن التبعل في الفراش من منظور شرعي

    . حق الفراش من أعظم حقوق الزوج

    قال الإمام ابن قدامة في "المغني":
    "
    ومن أعظم حقوق الزوج على الزوجة تسليمها نفسها له متى شاء، ما لم يكن لها عذر شرعي".

    • قال تعالى:
      {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
      [البقرة: 223]

    قال ابن عباس: "يعني أن يأتيها في كل وقت من ليل أو نهار، ما لم يكن في دبر أو حيض".

    2. تحريم امتناع المرأة عن زوجها دون عذر

    • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      "
      إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح"
      (رواه البخاري ومسلم).

    قال الإمام النووي:
    "
    هذا دليل على تحريم امتناعها من فراش زوجها إذا دعاها، ما لم يكن لها عذر كالحيض أو المرض أو الصوم الواجب".
    (شرح النووي على مسلم)

    3. التزيّن للزوج والتفنن في جذبه

    قال ابن الجوزي:
    *"
    التبعل للزوج يكون بالتزين له، واللين في القول، والتلطف في الخدمة، ومراعاة مشاعره، وقد سُئلت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كانت المرأة تفتن زوجها؟ فقالت: بالتزين والتبعل وحسن الكلام".

    والتزين للزوج مطلوب شرعًا، كما قال ابن القيم:
    "
    إن من كمال محبة المرأة لزوجها أن تتزين له، وتحسن في كلامها وخلقها معه، فذلك أعظم أسباب دوام المحبة بينهما"
    (زاد المعاد).

  • صور حسن التبعل في الفراش عمليًا

    1.   الاستجابة للزوج برغبة وتودد، دون تململ أو تأفف.

    2.   التهيؤ للعلاقة بتجمل وتزين وتهيئة المكان والجو النفسي.

    3.   اللين في الحديث، والتبسم، وإشعار الزوج بالقبول والرغبة.

    4.   تفهم حاجة الزوج للعلاقة وتقدير ذلك عاطفيًا ونفسيًا.

    5.   التجدد والتنوع في العلاقة بما يرضي الزوج ويعفّه بالحلال.

    قال ابن حزم:
    "
    إذا تطيبت المرأة وتزينت وتحببت لزوجها، فذلك من أعظم العفة وأجمل الطاعة وأعذب المودة".
    (طوق الحمامة)

  • فوائد حسن التبعل في الفراش

     فوائد حسن التبعل في الفراش

    • تعفّ الزوج، وصونه عن الحرام.
    • زيادة المحبة والألفة بين الزوجين.
    • راحة نفسية واستقرار عاطفي للطرفين.
    • تكوين بيئة أسرية مطمئنة، ينعكس أثرها على الأبناء.
    • نيل رضا الله تعالى ودخول الجنة بإذن الله.

    قال الإمام الشافعي:
    "
    ما رأيت شيئًا أفسد للرجال من نساء لا يتبعلن لأزواجهن، ولا يعرفن حق الفراش".

  • تنبيهات مهمة

    • ليس المقصود من حسن التبعل الخضوع الذليل أو أن تكون المرأة بلا رأي أو كرامة، بل هو طاعة عن حب، وتعبّد لله عز وجل.
    • يجب على الزوج أن يقابل حسن تبعل زوجته بحسن عشرة، ورفق ورحمة، وإكرام لها، فإن العلاقة الزوجية لا تستقيم بجهد طرف واحد.

    قال تعالى:
    {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
    [النساء: 19]

  • خاتمة

    إن حسن تبعل المرأة لزوجها، خاصة في الفراش، عبادة عظيمة إذا استحضرت فيها النية، ووسيلة راقية لتعميق المودة بين الزوجين. وما أعظم أن تكون الزوجة سببًا في عفة زوجها، وراحته النفسية، واستقراره الأسري، وأن تنال بذلك رضوان الله تعالى وجنته.