حكم امتناع الزوج عن معاشرة زوجته في الإسلام

تعرف على حكم امتناع الزوج عن معاشرة زوجته في الإسلام، وهل يأثم الزوج؟ وما الفرق بينه وبين امتناع الزوجة؟ مع أقوال العلماء والدليل من القرآن والسنة في بيان الحقوق الزوجية والضرر المترتب على الامتناع بدون عذر.

حكم امتناع الزوج عن معاشرة زوجته في الإسلام
حكم امتناع الزوج عن معاشرة زوجته في الإسلام
  • مقدمة

    العلاقة الزوجية في الإسلام ليست مجرد رابطة اجتماعية، بل هي ميثاق غليظ شرّعه الله تعالى لتقوم عليه أُسس السكن والمودة والرحمة. ومن أركان هذه العلاقة الحقوق المتبادلة بين الزوجين، ومن أهم هذه الحقوق: المعاشرة الزوجية، لما لها من أثر في حفظ العفة وتحقيق السكن والطمأنينة. ومن هنا كان امتناع الزوج عن معاشرة زوجته بلا عذر شرعي أمرًا ذا خطورة من الناحية الشرعية والإنسانية، لما يترتب عليه من أضرار نفسية وجسدية وشرعية.

  • الأساس الشرعي في حق الزوجة في الجماع

    1. الآيات القرآنية:

    قال تعالى:
    {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]
    أي: عاملوا زوجاتكم بما هو معروف من حسن الخلق والعشرة، ويشمل ذلك إعفاف الزوجة والقيام بحاجاتها الجسدية والنفسية.
    وقال سبحانه:
    {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]
    فكما أن للزوج حقًا في الاستمتاع، فللزوجة كذلك حق مماثل، ما لم يدل دليل على خلافه.

    2. السنة النبوية:

    قال رسول الله ﷺ:
    "
    وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال:
    "
    أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
    [رواه مسلم]
    فيه دليل على أن تلبية حاجة الزوجة من النكاح عمل صالح يؤجر عليه الزوج، إذا قصد بذلك الإعفاف والمعاشرة بالمعروف.

  • أقوال العلماء في حكم امتناع الزوج

    الإجماع على وجوب إعفاف الزوجة:

    ذكر ابن قدامة في "المغني":

    "ويجب على الزوج أن يعف زوجته، لأن النكاح شرع لذلك، فلا يجوز له أن يمنعها من حقها بغير عذر."

    2. قول ابن تيمية:

    قال رحمه الله في الفتاوى الكبرى:

    "ويجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها... قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين."
    فدلّ كلامه على أن الجماع ليس مجرد خيار، بل واجب شرعي يتحتم على الزوج القيام به إذا كانت زوجته محتاجة وهو قادر.

    3. الإمام ابن العربي المالكي:

    علق على آية الإيلاء بقوله في أحكام القرآن (1/250):

    "ختم الله الآية بقوله {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم}، يقتضي أن الامتناع عن الوطء ذنب، والمضارة دون يمين تأخذ حكم اليمين من حيث الحكم الشرعي."

  • متى يجوز الامتناع؟ وما الحكم إذا دام؟

     

    1. الامتناع بعذر شرعي:

    يجوز للزوج الامتناع إذا كان مريضًا، أو متعبًا، أو يعاني من مانع طبي أو نفسي معتبر شرعًا، بشرط أن لا يكون الامتناع دائمًا، بل يسعى في علاج نفسه وردّ حق زوجته إليها.

    2. مدة الامتناع وحدها:

    اختلف العلماء في تحديد المدة التي يجوز فيها ترك الجماع:

    • قيل: لا يزيد عن أربعة أشهر، كما في حكم الإيلاء.
    • وقيل: يجب عليه بحسب حاجة المرأة وقدرته، وهو الأرجح.
  • هل تلعن الملائكة الزوج إذا امتنع عن زوجته؟

    الجواب المختصر:
    لا يوجد في النصوص الشرعية نصٌّ صحيح صريح يدل على أن الملائكة تلعن الزوج إذا امتنع عن معاشرة زوجته، بخلاف ما ورد في حق الزوج على زوجته من اللعن في حال امتناعها عنه بغير عذر.

  • الدليل على لعن الملائكة للمرأة إن امتنعت عن زوجها:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

    "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح."
    متفق عليه (رواه البخاري ومسلم).

    شرح الحديث:
    يبين الحديث عظم حق الزوج على زوجته، وحرمة امتناعها عن فراشه دون عذر شرعي (كالحيض أو المرض أو الإرهاق البالغ)، وجاء اللعن من الملائكة لبيان شدة الإثم، وعظم الجناية على حق الزوج.

  • لماذا لم يرد في حق الزوج مثل هذا الوعيد؟

    لأن الأصل في العلاقات الزوجية المعاملة بالمعروف والتراحم، وقد خُصت المرأة بهذا الوعيد لوجود نص صريح، ولا يجوز القياس في مواضع النصوص الغيبية مثل اللعن، كما صرّح بذلك العلماء، ومنهم الإمام ابن القيم:

    "القياس في أمور الغيب كالعقوبات الأخروية لا يجوز، لأنها من باب التوقيف الذي لا يُعلم بالرأي."
    (مدارج السالكين 1/360)

  • هل يأثم الزوج إذا امتنع عن زوجته بلا عذر؟

    نعم، يأثم، وهو مسيء لعشرته، ومُعرضٌ زوجته للفتنة. وقد قرر الفقهاء أن من حق المرأة على زوجها أن يعفها ويعاشرها بالمعروف، وأن ذلك من أوكد حقوقها عليه.

    قال الله تعالى:

    {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]
    {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]

  • الخلاصة

    المسألة

    الحكم

    الدليل أو التعليل

    امتناع الزوجة عن زوجها بلا عذر

    يأثم وتلعنها الملائكة

    حديث أبي هريرة رضي الله عنه

    امتناع الزوج عن زوجته بلا عذر

    يأثم، لكنه لا يُلعن

    لعدم ورود نص في اللعن، ولكن يأثم ويُعدّ ظالماً

    الحد الأدنى للوطء

    بحسب حاجة الزوجة وقدرة الزوج

    وهو قول ابن تيمية وجماعة من العلماء

    إن لم يعاشرها أبداً

    لها طلب الطلاق

    شرعاً وقضاءً إذا تضررت

  • الأضرار المترتبة على امتناع الزوج

    • تعريض الزوجة للفتنة: فقد تلجأ الزوجة لمن لا يحل لها، بحثًا عن إشباع مشروع لم تجد له بابًا.
    • النفور والكره: إذ يورث الإعراض قسوةً وشعورًا بالإهمال والظلم.
    • تفكك الأسرة: يبدأ بإهمال الحقوق الزوجية، وينتهي غالبًا إلى الطلاق أو الخيانة.
    • إثم الزوج: لأنه فرّط في حق عظيم من الحقوق التي أوجبها الله عليه.
  • حق الزوجة في طلب الطلاق

    إذا امتنع الزوج عن معاشرة زوجته، وباءت محاولات الإصلاح بالفشل، فلها أن تطلب الطلاق.
    قال ابن تيمية:

    "فإن لم يعفها كان ظالمًا لها، وإذا طلبت الطلاق لذلك فلها ذلك، ولو طلبت الخلع فله أن يقبله."
    وقد أفتت لجان الفتوى، منها إسلام ويب، بأنه يجوز للمرأة اللجوء للقاضي الشرعي للمطالبة بحقها أو طلب الطلاق في حال استمرار الزوج في الامتناع بلا عذر.

  • آداب الحوار والإصلاح قبل التصعيد

    من الحكمة أن تسعى الزوجة إلى الحوار الصريح مع زوجها، لمعرفة دوافع الامتناع ومحاولة العلاج، سواء كانت نفسية أو بدنية أو حتى عاطفية، وإن قصرت هي فعليها إصلاح التقصير في حقه. أما إذا أصر الزوج على الهجر وأعرض عن الإصلاح، فلها الحق الشرعي في طلب التفريق أو الخلع.

  • الخاتمة

    امتناع الزوج عن جماع زوجته بلا عذر شرعي يُعد تقصيرًا في حقها، وإضرارًا بالعلاقة الزوجية التي بُنيت على المودة والسكن، وهو سبب في وقوع المحرمات وتهديد كيان الأسرة. وقد دلّت النصوص الشرعية على أن إشباع حاجة الزوجة واجب شرعي يُؤجر عليه الزوج، ويفسد بتركه. فإن لم يكن للزوج عذر معتبر شرعًا، أثم بذلك، وكان للزوجة طلب التفريق دفعًا للضرر.