حكم مساعدة الزوج لزوجته في أعمال المنزل
اكتشف حكم مساعدة الزوج لزوجته في أعمال المنزل في الإسلام، مع عرض أقوال الفقهاء والأدلة الشرعية من القرآن والسنة، وبيان مكانة التعاون الأسري وأثره في تحقيق المودة والرحمة بين الزوجين.

-
مقدمة
تعد الحياة الزوجية في الإسلام شراكة متكاملة تقوم على المودة والرحمة والتعاون. وقد أولى الشرع الحكيم لكلٍّ من الزوجين حقوقًا وواجبات تحفظ التوازن الأسري وتضمن استمرار الحياة الزوجية في إطار من الاحترام المتبادل. ومن المسائل التي يكثر التساؤل عنها: هل تجب على الزوج مساعدة زوجته في أعمال المنزل؟ وهل تُلزم الشريعة الزوج بأداء مهام البيت أم أن ذلك من باب الفضل وحسن العشرة؟
هذا المقال يستعرض آراء الفقهاء والأدلة الشرعية، مع بيان الموقف الراجح، وذكر النموذج العملي من سيرة النبي ﷺ في تعامله مع أمهات المؤمنين.
-
خدمة الزوجة في البيت بين الوجوب وعدمه
. قول من يرى عدم وجوب الخدمة على الزوجة
ذهب فريق من الفقهاء – ومنهم بعض الشافعية والحنابلة – إلى أن الزوجة لا تُلزم بخدمة زوجها في البيت، خاصة إذا كانت من ذوات الوجاهة أو ممن اعتادت ألا تخدم نفسها. فإذا تزوجها الزوج على هذه الحال، وجب عليه أن يوفّر لها من يخدمها.
قال ابن قدامة في المغني:"إن كانت الزوجة ممن لا تُخدم نفسها عادة، كالكريمة أو المريضة، وجب على الزوج أن يأتي لها بخادم".
كما قال الشربيني في مغني المحتاج:
"لو كانت الزوجة ممن تُخدم عادة لزم الزوج أن يقيم لها من يخدمها".
وهذا الرأي يستند إلى أن عقد الزواج يُنشئ حقوقًا مالية ومعنوية للزوجة، وليس من مقتضياته إلزامها بالأعمال المنزلية.
2. قول من يرى وجوب الخدمة على الزوجة
في المقابل، ذهب فريق آخر من العلماء – ومنهم كثير من المالكية والحنابلة – إلى أن خدمة الزوجة في البيت واجبة شرعًا، لأن هذا هو المعروف من حال النساء في عهد النبي ﷺ، وهو ما يقتضيه العرف الجاري بين الناس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"الزوجة عليها أن تخدم زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، وهذا من أوجب الحقوق وأعظمها".
وعلى هذا القول، لا يُلزم الزوج بأداء أعمال المنزل، وإنما ذلك من مسؤولية الزوجة بحسب طاقتها وعرف مجتمعها.
3. موقف الوسط بين القولين
ذكر بعض الفقهاء أن الأمر يُرجع إلى العرف:
- فإذا كان العرف أن النساء يخدمن أزواجهن، فهي ملزمة بالخدمة.
- وإذا كان العرف بخلاف ذلك، وجب على الزوج أن يأتي لها بخادم أو أن يتحمل جزءًا من الأعباء.
- فإذا كان العرف أن النساء يخدمن أزواجهن، فهي ملزمة بالخدمة.
-
هل يُلزم الزوج بخدمة البيت؟
من خلال الخلاف السابق يتضح أن الفقهاء لم يوجبوا على الزوج خدمة بيته، بل جعلوا الأمر في أحسن أحواله من باب التطوع والفضل. لكن بعضهم أجاز أن يخدم الرجل امرأته إذا عجزت أو لم تجد خادمًا، واختلفوا هل تُلزم الزوجة بقبول خدمته أم لا.
قال ابن قدامة:
"إن لم يجد خادمًا، لم يلزمه أن يخدمها بنفسه".
وقال الخرشي في شرحه على مختصر خليل:
"لو أراد الزوج أن يخدم امرأته بنفسه، فهل يجب عليها قبول ذلك؟ فيه خلاف".
-
السنة النبوية وقدوة النبي ﷺ
النموذج الأوضح الذي يبيّن فضل خدمة الرجل لأهله هو ما ثبت عن النبي ﷺ في بيته. فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها:
"كان النبي ﷺ يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
وفي رواية أخرى:
"كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم".
وهذا السلوك النبوي يؤكد أن مشاركة الزوج في شؤون البيت ليست منقصة لرجولته، بل هي كمال في الأخلاق وحسن عشرة.
-
البعد الأخلاقي والاجتماعي
حتى لو قلنا بأن الزوج غير ملزم بخدمة البيت من الناحية الفقهية، فإن الجانب الأخلاقي يحث على أن يُعين زوجته بحسب قدرته وظروفه، خصوصًا إذا كانت مثقلة بالمسؤوليات أو لم تجد من يساعدها.
قال الله تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].وهذا يشمل حسن التعامل، واللين، والمساعدة، والتغاضي عن المشقة. فالمعروف لا يقتصر على الكلام الطيب، بل يشمل أيضًا المشاركة العملية في أعباء الحياة الزوجية.
-
الحكمة من التعاون بين الزوجين
1. تقوية المودة والرحمة: مشاركة الزوج في بعض أعمال المنزل يزرع الألفة ويزيد الترابط العاطفي.
2. تقدير تعب الزوجة: حين يرى الزوج حجم المسؤوليات التي تتحملها الزوجة، يقدّر دورها أكثر.
3. توازن الحياة الأسرية: في العصر الحديث، كثير من النساء يعملن خارج المنزل، مما يجعل التعاون ضرورة وليس ترفًا.
4. الاقتداء بالنبي ﷺ: المساعدة في البيت سنة عملية تزيد الأجر والثواب.
-
الموقف الراجح
بعد عرض الأقوال يتبيّن أن:
- من الناحية الفقهية: خدمة البيت واجبة على الزوجة عند كثير من العلماء، وليست واجبة على الزوج.
- من الناحية الأخلاقية: إعانة الزوج لزوجته مستحبة ومندوبة، وهي من كمال الرجولة ومكارم الأخلاق.
وبذلك نجمع بين الأقوال: فالوجوب ليس على الزوج، لكن الاستحباب قائم، خصوصًا إذا كانت الزوجة في حاجة أو كانت المسؤوليات كبيرة.
- من الناحية الفقهية: خدمة البيت واجبة على الزوجة عند كثير من العلماء، وليست واجبة على الزوج.
-
خاتمة
إن التعاون بين الزوجين في أعمال المنزل ليس مجرد قضية فقهية، بل هو مظهر من مظاهر المودة والرحمة التي أرساها الإسلام في العلاقات الأسرية. ورغم أن جمهور الفقهاء لم يوجبوا على الزوج خدمة البيت، إلا أن السنة النبوية وسيرة النبي ﷺ تؤكد أن المشاركة في هذه المهام قيمة أخلاقية عالية، تعكس حسن العشرة ورقي التعامل.
فالزوج الحكيم هو من يقتدي بالنبي ﷺ، ويُعين أهله بقدر استطاعته، ليجعل بيته سكنًا ومصدرًا للسكينة والطمأنينة، كما قال تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].