حكم استخدام المطعومات في التنظيف والتجميل دراسة فقهية تأصيلية

مقالة فقهية موسعة تبيّن حكم استخدام المطعومات في التنظيف والتجميل، مع عرض أقوال الفقهاء قديمًا وحديثًا، وبيان الضوابط الشرعية بين الإباحة والكراهة، وربط المسألة بمقاصد الشريعة وعدم إهدار المال.

حكم استخدام المطعومات في التنظيف والتجميل دراسة فقهية تأصيلية
حكم استخدام المطعومات في التنظيف والتجميل دراسة فقهية تأصيلية
  • مقدمة

    شهدت العقود الأخيرة توسعًا كبيرًا في استخدام المواد الغذائية في مجالات التنظيف والتجميل والعناية بالجسم، سواء في الوصفات الطبيعية أو ما يعرف بـ “الماسكات” وخلطات التفتيح والترطيب، مما أعاد طرح سؤال فقهي قديم بثوب معاصر:

    ما حكم استخدام المطعومات – كالنشاء، واللبن، والدقيق، والملح – في التنظيف أو التجميل؟
    وهل يُعد ذلك من باب الزينة المشروعة أم من باب إهدار المال والطعام؟

    هذه المسألة ليست نازلة مستحدثة بالكلية، بل لها جذور واضحة في كتب الفقه، واختلف فيها العلماء بناءً على تصورهم لمعنى الإهدار، وحدّ الحاجة، ومفهوم القوت.

  • محل النزاع الفقهي

    اتفق الفقهاء على أن:

    • الأصل في الأطعمة الإباحة
    • وأن التنظف والتجمل مقصد شرعي معتبر

    واختلفوا في:

    • هل يُعد استعمال الطعام في غير الأكل إهدارًا؟
    • وهل يُفرّق بين القوت وغيره؟
    • وهل الحاجة أو العرف يؤثران في الحكم؟
  • القول الأول – الجواز والإباحة

    مذهب هذا القول

    ذهب إلى جواز استعمال بعض المطعومات في التنظيف والتجمل:

    • الحنفية
    • ورواية عن الإمام مالك
    • واختاره ابن قدامة من الحنابلة

    أدلتهم ونقولهم

    1. من كتب الحنفية

    جاء في الفتاوى الهندية (5/337):

    «أن أبا حنيفة رحمه الله لم يكن يرى بأسًا بغسل اليدين بالدقيق بعد الطعام، وكذلك صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن».

    2. من المالكية

    قال النفراوي المالكي رحمه الله:

    «الإباحة مروية عن مالك رضي الله عنه، فإنه قال – في الجُلْبَان والفول وما أشبهه –: لا بأس أن يتوضأ به، ويتدلك به في الحمام».
    الفواكه الدواني (2/321)

    3. من الحنابلة

    قال ابن قدامة رحمه الله:

    «قيل لأبي عبد الله (الإمام أحمد): ما تقول في غسل اليد بالنخالة؟ فقال: لا بأس به، نحن نفعله».
    المغني (7/221)

    4. الاستدلال بالسنة

    استدل الخطابي بما رواه أبو داود (313) أن النبي ﷺ:

    «أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحًا، ثم تغسل به الدم من حيضة»

    وإن كان الحديث ضعفه الألباني، إلا أن الاستدلال عندهم من باب القياس والمعنى، حيث إن:

    • الملح طعام
    • واستُعمل للتنظيف لحاجة

    التعليل الفقهي

    • هذا الاستعمال ليس إهدارًا بل انتفاع
    • والتنظف والتجمل مطلوبان شرعًا
    • وما دام الطعام يُستعمل بقدر الحاجة، فلا حرج
  • القول الثاني – الكراهة

    مذهب هذا القول

    ذهب إلى كراهة استعمال الطعام في التنظيف:

    • المالكية (في المعتمد)
    • الحنابلة (في المعتمد)

    مع تفصيل مهم عند الحنابلة:

    الكراهة تختص بـ القوت لا بكل طعام

    نُقول هذا القول

    1. البهوتي الحنبلي

    قال رحمه الله:

    «ويكره غسل يديه بطعام، وهو القوت، ولو بدقيق حمص وعدس وباقلاء ونحوه».
    كشاف القناع (5/172)

    2. شيخ الإسلام ابن تيمية

    قال رحمه الله:

    «يستدل على كراهة الاغتسال بالأقوات؛ بأن ذلك يفضي إلى خلطها بالأدناس والأنجاس… والتدلك به إضاعة له لقيام غيره مقامه، وهو من أنواع التبذير الذي هو من فعل الشيطان».
    الآداب الشرعية لابن مفلح (3/211)

    ثم قرر قاعدة مهمة:

    «فأما إن دعت الحاجة إلى استعمال القوت… فينبغي أن يُرخص فيه»

    مناط الكراهة

    • وجود البديل
    • عدم الحاجة
    • تحقق معنى التبذير أو الترف
  • الضابط الفقهي الجامع بين القولين

    من خلال الجمع بين أقوال الفقهاء، يمكن صياغة ضابط فقهي عملي:

    يُكره استعمال المطعومات في التنظيف والتجميل إذا كان من باب الترف أو الإهدار مع وجود البديل، ويجوز عند الحاجة أو عدم تحقق الإهدار.

  • فتاوى معاصرة – دار الإفتاء المصرية نموذجًا

    أجابت دار الإفتاء المصرية عن حكم استخدام اللبن في وصفات تفتيح البشرة، فقال الشيخ محمد عبد السميع:

    «ليس فيه حرمة إذا لم يكن فيه إهانة أو إهدار للمال… طالما ليس فيه إهدار للمال فلا نشترى اللبن ونسكبه مثلاً أو إهانة للبن… فلو توفر هذا يكون هذا جائز ولا شيء فيه».

    وهذا التوجيه:

    • ينسجم مع مقاصد الشريعة
    • ويراعي فقه الواقع
    • ويؤكد أن العبرة بالقصد والمآل لا بمجرد الصورة
  • تطبيق الحكم على النشاء واللبن في التجميل

    استخدام النشاء في المناطق الحساسة:

    • ليس من القوت الأصلي
    • يُستعمل بقدر يسير
    • لغرض مشروع (النظافة، منع الالتهابات)

     الأقرب: الجواز

    استخدام اللبن للبشرة:

    • إن كان بقدر معتدل
    • دون إهدار
    • ومع قصد التجميل المشروع

     جائز شرعًا

  • الخلاصة

    • الأصل في استعمال المطعومات الإباحة
    • الكراهة تدور مع الإهدار والترف
    • الحاجة والعرف لهما أثر معتبر
    • الشريعة لا تحارب الزينة، بل تضبطها

    فليس كل استعمال للطعام في غير الأكل محرمًا، كما ليس كل تجمل مباحًا بلا قيد.

  • المصادر والمراجع

    1.   الفتاوى الهندية – فقه حنفي

    2.   الفواكه الدواني – النفراوي المالكي

    3.   المغني – ابن قدامة

    4.   كشاف القناع – البهوتي

    5.   الآداب الشرعية – ابن مفلح

    6.   فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب

    7.   فتاوى دار الإفتاء المصرية