المس الشيطاني: أسبابه وأعراضه وطرق علاجه والوقاية منه

المس الشيطاني من القضايا التي يكثر السؤال عنها، وهو ابتلاء قد يصيب الإنسان بأعراض جسدية ونفسية وروحية. تعرف في هذا المقال على مفهوم المس الشيطاني في الإسلام، أنواعه، أسبابه، أعراضه، وعلاجه بالرقية الشرعية والأدلة من القرآن والسنة."

المس الشيطاني: أسبابه وأعراضه وطرق علاجه والوقاية منه
المس الشيطاني
  • مقدمة

    يُعدّ موضوع المس الشيطاني من القضايا العقدية والسلوكية التي شغلت المسلمين قديمًا وحديثًا، لما له من أثر مباشر على النفس والجسد، ولارتباطه بالجانب الغيبي المتعلق بالجن والشياطين. وقد اتفق العلماء وأهل السلوك على أن الذنوب والمعاصي تفتح للشيطان أبوابًا على قلب العبد وبدنه، وأن للمعاصي عقوبات ظاهرة وباطنة، كما قال ابن القيم رحمه الله:

    "الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارًا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته."

    ومن أبرز هذه العقوبات ما يُعرف بـ المس الشيطاني، الذي يظهر بأشكال متعددة تختلف في شدتها وأعراضها من شخص إلى آخر.

  • تعريف المس الشيطاني

    1. المعنى اللغوي

    المس في اللغة: أصله اللمس والالتصاق، ومنه قول الله تعالى:
    ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ [المعارج: 20]، أي أصابه.

    2. المعنى الاصطلاحي

    المس هو: إصابة الجني للإنسي سواء بالدخول إلى جسده والتلبّس به، أو بملازمة بدنه من الخارج وإلحاق الأذى به نفسيًا وجسديًا. وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى:
    ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: 275].

    قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المس هو صرع الجن للإنس، وعلاجه يكون بالقرآن الكريم، والأدعية النبوية، والوعظ والترغيب والترهيب."

  • أنواع المس

    قسّم العلماء المس إلى عدة صور بحسب شدته وطبيعته:

    1.    المس الجزئي (الموضعـي):
    حيث يسكن الجني عضوًا معينًا من الجسد، فيشعر المريض بألم أو تعطيل في ذلك العضو، مثل شلل اليد أو الرجل.

    2.    المس الكامـل (التلبّس):
    وهو دخول الجني في كامل الجسد، فيسبب صرعًا أو تغيرًا في طباع الممسوس، وقد يتكلم الجني بلسان المصاب.

    3.    المس الدائم:
    يتمركز فيه الجني باستمرار داخل الجسد، خاصة في الدماغ، ويؤدي إلى فقدان الإدراك أو التصرفات غير السوية.

    4.    المس العارض:
    يحدث لفترات محددة ثم يختفي، مثل الإغماء أو التشنج عند سماع القرآن.

    5.    المس العاشق:
    وهو تعلق جني بإنسي بدافع العشق، فيظهر في الأحلام بصورة ممارسات جنسية أو زواج.

    6.    مس خادم السحر:
    وهو المس المرتبط بأعمال السحر، حيث يُرسل الجني لإيذاء المصاب وربطه بالسحر.

  • أسباب المس

    ذكر أهل العلم أن للمس أسبابًا متعددة، منها:

    • إيذاء الجن بغير قصد كصبّ الماء الساخن أو قتل أحدهم دون علم.
    • السحر حيث يستعين الساحر بالشياطين لإيذاء الإنسان.
    • العشق وهو من أكثر الأسباب شيوعًا في حالات التلبّس.
    • الانتقام إذا تعرّض الإنسي لجنّي بأذى متعمد.
    • الحسد والعين إذ قد يستغلها الشيطان للنفاذ إلى بدن المصاب.
    • ضعف الإيمان والانشغال بالمعاصي، فهي ثغرة يدخل منها الشيطان.
  • أعراض المس الشيطاني

    الأعراض النفسية

    • القلق والأرق المستمر دون سبب طبي.
    • الضيق والاكتئاب المفاجئ.
    • حب العزلة والانطواء.
    • النفور من سماع القرآن أو الأذان.

    الأعراض الجسدية

    • آلام متنقلة في الجسد لا يُعرف سببها طبيًا.
    • الصرع والتشنجات المفاجئة.
    • الشعور بحركة داخل الجسم.
    • تعطل عضو معين كالعقم أو الشلل.

    الأعراض أثناء النوم

    • كوابيس متكررة مثل رؤية الحيوانات المفترسة أو السقوط من مكان مرتفع.
    • رؤية الجن أو أشخاص غريبة تطارد المريض.
    • في حالة المس العاشق يرى المصاب أحلامًا ذات طابع جنسي.
  • الفرق بين المس والتلبّس الكامل

    • المس الجزئي: يقتصر على عضو معين مع بقاء الإدراك غالبًا.
    • التلبّس الكامل: يشمل الجسد كله، ويظهر الجني على لسان المريض ويتكلم، وقد يفقد المصاب وعيه بشكل كامل.
  • علاج المس

    العلاج الشرعي للمس يقوم على الرقية الشرعية والتحصين بالأذكار، ومن أبرز الوسائل:

    1.    الرقية بالقرآن الكريم:

    o       قراءة سورة الفاتحة، وآية الكرسي، وآيات السحر (الأعراف، يونس، طه)، وسورة الإخلاص والمعوذتين.

    o       قراءة سورة البقرة يوميًا، فقد ورد في الحديث: "إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة."

    2.    الأذكار النبوية:

    o       الدعاء المأثور: "أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا."

    o       الإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

    3.    المداومة على الطهارة والوضوء، فإن الوضوء حصن للمؤمن.

    4.    كثرة الذكر والصلاة على النبي ﷺ بنية التحصين.

    5.    حسن التوكل على الله، والثقة بأنه لا يقع شيء إلا بقضائه وقدره.

  • الوقاية من المس

    • الالتزام بالصلاة والعبادات.
    • المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
    • اجتناب أماكن اللهو والقذارة.
    • الابتعاد عن السحر والشعوذة.
    • الحذر من المعاصي، فهي مدخل رئيس للشيطان.
  • التنبيه على الوهم والخلط

    من المهم أن نُدرك أن ليس كل مرض أو اضطراب نفسي سببه المس، فكثير من الحالات تحتاج إلى الطب والأطباء. وقد حذر العلماء من الخلط بين المرض النفسي والمس، حتى لا يُظلم الناس وتضطرب حياتهم بسبب أوهام.

  • خاتمة

    إن المس الشيطاني حقيقة ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع العلماء، لكن علاجه يسير لمن استعان بالله ولزم الرقية الشرعية والتحصن بالأذكار. والمؤمن القوي إيمانه لا يسلط عليه الشيطان بسهولة، كما قال الله تعالى:
    ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: 99].

    فالواجب على المسلم الجمع بين الأخذ بالأسباب الشرعية من ذكر وعبادة ورقية، وبين الأسباب الطبية إذا لزم الأمر، مع يقين كامل أن الضر والنفع بيد الله وحده.