تزين الرجل لزوجته: حق شرعي وأصل في المعاشرة بالمعروف

يمثّل الاهتمام بالمظهر بين الزوجين أحد الركائز الجوهرية في إدارة الحياة الزوجية؛ فالعلاقة لا تقوم على الواجبات فحسب، بل على الاستثمار في المودة، وتحقيق التوازن العاطفي، وتعظيم جودة الحياة الأسرية. ويؤكد الفقه الإسلامي هذا المبدأ عبر جملة من النصوص والقواعد الشرعية التي ترسّخ فكرة «المعاملة بالمثل»، في نطاق العرف المشروع والضوابط الأخلاقية.

1. قول ابن عباس رضي الله عنهما

روى عنه أنه قال:
«إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقّها الذي لها عليّ؛ لأن الله تعالى قال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)».

هذا النص يُعدّ من أهم الأدلة الفقهية التي تؤسس لحق الزوجة في أن ترى من زوجها اهتمامًا يوازي اهتمامها به.

2. تعليق الإمام القرطبي

نبّه الإمام القرطبي إلى قاعدة دقيقة، حيث قال إن زينة الرجال تختلف باختلاف أحوالهم وأعمارهم وأعرافهم، وأن معيارها هو ما "يليق ويوافق" بحسب الزمن والمقام والعرف.
وبيّن أن المقصود تحقيق السكينة الزوجية ومنع الانجذاب لغير الزوج، مما يعكس فهمًا اجتماعيًا واقعيًا لطبيعة العلاقة الزوجية.

أكّد الفقهاء أن الإسلام أباح للرجال زينة واسعة النطاق، بشرط عدم الوقوع في الإسراف أو التشبه بما لا يليق. ومن أبرز أنواع الزينة المشروعة:

1. النظافة الشخصية

• السواك
• قصّ الأظافر
• إزالة فضول الشعر
• التخلص من الروائح الكريهة
• الاغتسال المنتظم والغُسل للجمعة

2. استعمال الطيب

النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«حُبِّبَ إليّ من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قُرّة عيني في الصلاة».
رواه أحمد في المسند.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يُعرف بالطيب، ويكره أن يشم منه أحد رائحة غير طيبة.

3. تهذيب الشعر

ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
«كان يبدأ بالسِّواك إذا دخل بيته».
كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم:
«من كان له شعر فليكرمه». رواه أبو داود.

4. الخضاب للشيبة بما لا يشبه النساء

تغيير الشيب بالصفرة أو الحمرة من سنة كبار السن.

5. لبس الخاتم من الفضة

وهو من الحلي المباحة للرجال.

1. تعزيز الانجذاب العاطفي

الزوجة تنجذب لمن يهتم بهندامه ومظهره، كما أن الرجل يحب أن يرى زوجته في أبهى هيئة.
وبناء على مبدأ «المعاملة بالمثل»، يكتسب هذا الحق قيمة تنظيمية داخل الحياة الزوجية.

2. حماية العلاقة من الفتور

أشار الفقهاء إلى أن تزين الرجل يعف المرأة ويحدّ من تطلعها لغيره، وهو باب من أبواب سد الذرائع والوقاية من المشكلات الأسرية.

3. تحسين جودة التواصل بين الزوجين

المظهر المريح يساهم في تقليل التوتر، ويدعم بيئة أسرية قائمة على الاحترام والتقدير.

قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه

«تَصنّعوا لنسائكم، فإنهن يحببن منكم ما تحبونه منهن».

قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

«أحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي».

قول محمد بن الحنفية

خرج إلى أحد أصحابه في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الطيب، فلما سُئل قال:
«إن لي نساء وجواري، فأزين نفسي لهن».

أرشد القرآن الكريم إلى مبدأ الزينة المعتدلة الموزونة:

قال تعالى:

(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].

كما قال ابن عباس رضي الله عنهما:
«كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف ومخيلة».
رواه البخاري.

أشار الفقهاء إلى أن من واجبات الرجل:

• مراعاة حاجة زوجته إلى المعاشرة
• اختيار الوقت الذي تحتاج فيه إلى قربه
• معالجة أي ضعف أو قصور في القدرة بالعلاج المباح

كما جاء في تفسير القرطبي:
«وإن رأى الرجل من نفسه عجزًا عن إقامة حقها في مضجعها أخذ من الأدوية ما يزيد في باهه حتى يعفها».

• التزين حق شرعي للزوجة بدلالة القرآن وأقوال الصحابة.
• يمثل استثمارًا في استدامة العلاقة الزوجية وتحقيق قيمة مضافة في بيئة الأسرة.
• الزينة المشروعة للرجل تشمل: الطيب، النظافة، تهذيب الشعر، الاعتناء بالمظهر، واللباس الحسن.
• المنهج الشرعي يقوم على الاعتدال وتجنب الإسراف والمخيلة.
• اهتمام الرجل بهيئته يعزز الولاء العاطفي، يقوي التلاحم الأسري، ويحمي العلاقة من الاضطرابات.