اللحن في تلاوة القرآن الكريم | تعريف اللحن الجلي واللحن الخفي وأقسامهما وأحكامهما بالتفصيل

تعرف على معنى اللحن في تلاوة القرآن الكريم، وأقسامه الجلي والخفي، مع شرح تفصيلي لأمثلة كل نوع وحكمه في الفقه الإسلامي، وفق آراء العلماء وأدلة القرآن والسنة، بأسلوب علمي متقن ومناسب للباحثين وطلاب التجويد.

اللحن في تلاوة القرآن الكريم | تعريف اللحن الجلي واللحن الخفي وأقسامهما وأحكامهما بالتفصيل
اللحن في تلاوة القرآن الكريم
  • مقدمة

    مقدمة
    اللحن الجلي واللحن الخفي

    أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليُتلى كما أُنزل، بترتيل وتجويد وأداء يليق بكلام الله، قال تعالى:

    ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: 32].

    والترتيل هو التجويد، أي إخراج الحروف من مخارجها مع إعطائها صفاتها. لذلك كان علم التجويد من أهم العلوم الشرعية التي تحفظ كتاب الله من التحريف اللفظي أو المعنوي.
    ومن أبرز مباحث هذا العلم مسألة اللحن في التلاوة، وهو الميل عن الصواب في قراءة القرآن الكريم، وهو من أخطر الأخطاء التي ينبغي على القارئ أن يتجنبها حتى لا يغيّر معنى كلام الله تعالى.

  • تعريف اللحن في تلاوة القرآن الكريم

    اللحن في اللغة: الميل عن الصواب.
    وفي الاصطلاح: الخطأ في القراءة ومخالفة الوجه الصحيح في تلاوة القرآن الكريم، سواء أخلَّ بالمعنى أو لم يخلّ به.
    وقد قسم العلماء اللحن إلى قسمين رئيسيين:

    1.   اللحن الجلي

    2.   اللحن الخفي

    وهذان النوعان يختلفان في الظهور والأثر والمعنى، كما سيأتي تفصيله.

  • اللحن الجلي

    اللحن الجلي
    حكم اللحن الجلي واللحن الخفي

    تعريفه:

    هو الخطأ الظاهر الذي يقع في الألفاظ فيُخِلّ بالمعنى أو بالمبنى القرآني إخلالًا بيِّنًا.
    وسُمّي جليًا لظهوره ووضوحه للقراء والعامة على السواء.

    قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في النشر في القراءات العشر:

    "اللحن الجلي هو ما يغيّر المعنى أو يخلّ بلفظ القرآن تغييرا ظاهرا يشترك في معرفته الخاصة والعامة".

     أنواعه وأمثلته:

    1. اللحن الجلي في الحروف:

    • إبدال حرف بحرف آخر: كمن يقرأ الثاء سينًا في قوله تعالى:

    ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ [التحريم: 5].

    • نقص حرف: مثل حذف الياء من قوله تعالى:

    ﴿وَٱخۡشَوۡنِي﴾ [البقرة: 150].

    • زيادة حرف: كإضافة ياء في قوله تعالى:

    ﴿دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].

    2. اللحن الجلي في الحركات:

    • تبديل حركة بأخرى: كضمّ التاء في قوله تعالى:

    ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: 22]
    فيقرأها بالضم (لُست) فيتغير المعنى تمامًا.

    • تسكين المتحرك أو تحريك الساكن: كقول بعضهم: (كُفْؤًا) بتسكين الفاء في قوله تعالى:

    ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 4].

    3. اللحن الجلي في الكلمات:

    • إبدال كلمة بأخرى: مثل قراءة "العظيم" بدل "الكريم" في قوله تعالى:

    ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: 116].

    • نقص كلمة أو زيادتها: مثل حذف (من) من قوله تعالى:

    ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: 25].

     حكم اللحن الجلي:

    • حرامٌ بالإجماع، لأنه يغيّر المعنى أو يخلّ بلفظ القرآن، وقد يصل إلى التحريف.
    • تبطُل الصلاة خلف إمام يقرأ بلحن جلي في الفاتحة يغير المعنى، كما نص على ذلك النووي في المجموع وابن قدامة في المغني.
    • أما إن كان لا يستطيع التعلم لعجمة أو عجز خلقي، فقراءته صحيحة لنفسه وله أجر المجتهد.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

    "من لحن لحنًا يغيّر المعنى وهو قادر على التعلم ولم يتعلم فهو آثم، أما العاجز فمعذور".

  • اللحن الخفي

    تعريفه:

    هو خطأ يطرأ على الأداء القرآني دون إخلال بالمعنى أو الإعراب، وإنما يخلّ بجمال التلاوة وحسن الأداء.
    وسُمّي خفيًا لأنه لا يدركه إلا المتقنون من القراء.

    قال الإمام أبو عمرو الداني رحمه الله:

    "اللحن الخفي هو ترك إعطاء الحرف حقه ومستحقه من تجويد لفظه".

     أنواعه وأمثلته:

    1. بسيط الخفاء:

    يُدركه عامة القراء مثل:

    • قصر المد اللازم أو المتصل.
    • ترك الغنّة في النون أو الميم المشددتين.
    • ترك الإظهار أو الإخفاء أو الإدغام في مواضعها.
    • عدم القلقلة في حروفها (قطب جد).

    2. شديد الخفاء:

    لا يعرفه إلا الماهرون، مثل:

    • زيادة مقدار الغنة أو المد عن حدها.
    • المبالغة في التفخيم أو الترقيق.
    • ترك دقة الموازنة في النبر والإمالة والتفخيم في الأداء.

     حكم اللحن الخفي:

    • مكروه في حق المتقنين الذين يعرفون أحكام التجويد.
    • ولا إثم فيه للعامة الذين لم يتعلموا بعد أو لم يقدروا على الإتقان.
    • أما المتعلم الذي يتعمد ترك التجويد مع قدرته عليه فهو آثم لتقصيره.

    قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

    "اللحن الخفي لا يغير المعنى، لكنه يخلّ بجمال التلاوة، فينبغي للمؤمن أن يجتهد في تصحيح قراءته دون تشدد".

  • حكم الالتزام بأحكام التجويد

    1.    مخارج الحروف:
    الالتزام بها واجب شرعًا، والإخلال بها حرام، لأنها تخرج الحرف عن حيزه.

    2.    صفات الحروف اللازمة (التي تغيّر الحرف):
    الالتزام بها واجب، والإخلال بها حرام لأنها تغيّر الصوت والمعنى.

    3.    الصفات التزيينية (كالتفخيم والترقيق والقلقلة):

    • عند التعليم والتلقي: واجبة لضبط الأداء.
    • في التلاوة العادية للعامة: معيبة لمن أتقنها، ولا إثم على من لم يتعلمها بعد.
  • أقسام الناس في قراءتهم للقرآن

    1.    محسن مأجور:
    من تعلم أحكام التجويد وأتقنها قراءة وأداءً.

    2.    مسيء مأجور:
    من عنده عيب خلقي أو عجمة تمنعه من الإتقان، أو من يلحن لحنًا خفيًا ويسعى لتصحيحه.

    3.    مسيء آثم:
    من يتعمد اللحن الجلي وهو قادر على تصحيحه ولا يسعى للتعلم.

  • الترغيب في تعلم التجويد وتصحيح التلاوة

    جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال:

    «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران»
    (رواه البخاري ومسلم).

    ففيه فضل عظيم لتعلم القرآن وإتقانه، وبيان أن المجاهدة في تصحيح التلاوة تؤجر مضاعفة، لأن المقصود حفظ كلام الله على وجهه الصحيح.

  • الخاتمة

    إن معرفة اللحن الجلي والخفي ضرورة لكل قارئ للقرآن الكريم، إذ بهما يُصان كلام الله من التحريف، ويبلغ القارئ مرتبة الإتقان التي أمر الله بها في قوله تعالى:

    ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4].

    فإتقان التجويد ليس ترفًا صوتيًا، بل عبادة منضبطة تُظهر تعظيم كلام الله تعالى، وتورث القلب الخشوع والعين الدمع، وتورث صاحبها رفعة في الدنيا والآخرة.