دعاء الصائم عند الإفطار: الألفاظ الواردة، وقت الاستجابة، والدلالات الإيمانية والفقهية

يُعدّ دعاء الصائم عند الإفطار من أعظم مواطن الرجاء، ومن أخصّ أوقات القرب من الله تعالى، لاجتماع شرف العبادة مع شرف الزمان، وبلوغ النفس ذروة الخضوع والانكسار بعد طول إمساك. وقد أولت السنة النبوية هذا الموطن عناية خاصة، فجاءت النصوص مؤكدة لاستجابة الدعاء فيه، ومبينة للأذكار المشروعة التي تقال عند الإفطار.

1. دعاء: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله»

روى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:

«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال:
ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله».

وهو حديث صحيح، ويُعدّ أصحّ ما ورد في دعاء الإفطار من حيث الإسناد.

???? دلالة لغوية وفقهية

• الظمأ: العطش، وهو مقصور مهموز الآخر، كما نبه عليه النووي.
• في الدعاء اعتراف بنعمة الله الحسية (زوال العطش)، والمعنوية (ثبوت الأجر).
• تعليق الأجر بالمشيئة أدب نبوي رفيع، يجمع بين الرجاء والتواضع.

2. دعاء: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»

روى أبو داود عن معاذ بن زهرة مرسلاً:

«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال:
اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت».

وقد حسّنه عدد من أهل العلم لشواهده، واعتمده جمهور الفقهاء في كتب الأذكار.

???? الدلالة التعبدية

• إقرار بإخلاص النية: لك صمت.
• نسبة الرزق إلى الله: وعلى رزقك أفطرت.
• يعكس هذا الدعاء جوهر العبودية القائم على الافتقار والشكر.

3. دعاء الحمد بعد الإفطار

روى ابن السني عن معاذ بن زهرة:

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال:
الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت».

وهو دعاء جامع بين:

• شكر التوفيق للطاعة.
• شكر نعمة الرزق.
• ربط العبادة بالمنة الإلهية لا بالجهد الذاتي.

4. دعاء: «اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا»

روى ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما:

«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال:
اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم».

وهو دعاء عالي المعنى، يجمع:

• بين جماعية العبادة (صمنا).
• وسؤال القبول، وهو غاية كل عمل صالح.

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

«إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد»
رواه ابن ماجه، وحسنه أهل العلم.

وجاء أيضًا:

«ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم»
رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

 دلالة الحديث

• استجابة الدعاء مرتبطة بحالة الصوم نفسها.
• الصائم في مقام صفاء روحي وانكسار قلبي.
• الدعاء هنا ثمرة طبيعية للعبودية الصادقة.

هل ينتهي بمجرد الأذان؟

اختلف العلماء في تفسير قوله ﷺ: حتى يفطر، على قولين:

1. الفطر الحكمي

وهو دخول وقت المغرب، أي بمجرد غروب الشمس.

2. الفطر الحقيقي (وهو الأظهر)

وهو بعد تناول المفطر فعليًا، ولو تأخر عن الأذان.

وقد رجّح هذا القول:

• الكمال الدميري
• ابن علان
• جماعة من الشافعية وغيرهم

 الخلاصة الفقهية

الدعاء مشروع:

• قبل الإفطار
• مع الإفطار
• بعد الإفطار
  والأمر في ذلك واسع، مع التأكيد على أن تعجيل الفطر هو السنة.

من لطائف الترتيب القرآني أن الله تعالى أدرج آية الدعاء وسط آيات الصيام:

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾
[البقرة: 186]

قال ابن كثير رحمه الله:

وفي ذكر هذه الآية بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند الإفطار.

 دلالة تربوية

• الصيام ليس امتناعًا جسديًا فحسب.
• بل هو مدرسة لتفعيل الدعاء والاتصال بالله.

قال النبي ﷺ:

«للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»
متفق عليه.

• فرحة الإفطار: اكتمال العبادة.
• فرحة الآخرة: رؤية الأجر المضاعف.
• ويُخصّ الصائمون يوم القيامة بباب الريّان.

يستحب للصائم:

• البدء بحمد الله.
• الصلاة على النبي ﷺ.
• الدعاء بالأدعية المأثورة.
• الدعاء لنفسه وأهله والمسلمين.
• الإكثار من الاستغفار.
• ختم الدعاء بالصلاة على النبي ﷺ.

إن دعاء الصائم عند الإفطار ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو محطة روحية استراتيجية تتوّج عبادة الصيام، وتكشف عن عمق العلاقة بين العبد وربه. وقد تنوّعت الألفاظ النبوية فيه رحمةً وتوسعة، ليبقى هذا الموطن مفتوحًا لكل قلب صادق يرجو القبول.

نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، وأن لا يحرمنا لذة الدعاء ولا فرحة اللقاء.